07-مايو-2025
حماس أمام متغيرات جديدة في لبنان (AFP)

حماس أمام متغيرات جديدة في لبنان (AFP)

تواجه حركة حماس واقعًا جديدًا في علاقتها مع الدولة اللبنانية، بعد تحذير غير مسبوق أصدره المجلس الأعلى للدفاع في 2 أيار/مايو 2025، دعا فيه إلى عدم استخدام الأراضي اللبنانية للقيام بأي أعمال تمسّ بالأمن القومي.

وقد كلّف المجلس الأجهزة الأمنية بنقل رسالة حازمة إلى الحركة بضرورة الامتثال لهذا القرار، الذي صادقت عليه الحكومة بالإجماع، مع التلويح باتخاذ إجراءات تنفيذية في حال تم تجاهله.

كشـف الأيوبي عن تفاصيل لقاء جرى بين ممثل حركة حماس ومدير الأمن العام اللبناني، واصفًا أجواءه بالإيجابية بشكل عام

إطلاق الصواريخ

انكسرت الجرّة مع حماس بعد عمليتي إطلاق صواريخ باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة من جنوب لبنان، بتاريخَي 22 و28 آذار/مارس 2025. اتهمت إسرائيل حينها حزب الله بخرق اتفاق وقف إطلاق النار، وشّنت سلسة غارات عنيفة على مختلف المناطق اللبنانية، ولم تسلم منها بيروت وضاحيتها الجنوبية.

أوضحت السلطات الرسمية في حينه أن العمليتين لا تحملان بصمات حزب الله، وأن التحقيقات بدأت لتحديد الجهة المسؤولة عنهما، قبل أن يتبيّن لاحقًا تورط عناصر من حركة حماس، وهو ما اعتُبر توريطًا للبنان الذي سبق أن تعهّد أمام المجتمع الدولي بتطبيق القرار 1701، وبسط سلطة الدولة على كامل منطقة جنوب الليطاني، وحصر السلاح بيد الجيش اللبناني.

الرسالة وصلت

لم يصدر عن حركة حماس أي بيان رسمي، حتى الآن، إلّا أن معلومات لـ"الترا صوت" تؤكد التوجّه الإيجابي للتعامل مع التحذير اللبناني، حيث تقارب الأمور بعقلانية واقتناعًا منها بأن الأمور قد تغيّرت في لبنان، وما يسري على غيرها من التنظيمات المسلّحة، اللبنانية وغير اللبنانية، سيطالها أيضًا.

وقد وصلت الرسالة الرسمية فعلًا، حيث التقى ممثل حركة حماس في لبنان أحمد عبد الهادي بالمدير العام للأمن العام اللواء حسن شقير، الذي أبلغه بمضمون توصية المجلس الأعلى للدفاع وضرورة الالتزام بمندرجاتها.

ومن الطبيعي أن يكون وقف الأعمال العسكرية التي تمسّ بالأمن القومي اللبناني، ينسحب أيضًا على تجميد كل الأعمال التعبوية من إنشاء خلايا وإجراء تدريبات واستمرار التسلّح.

إيجابية حماس

يعلّق الكاتب والباحث في شؤون الحركات الإسلامية أحمد الأيوبي، في حديث لـ"الترا صوت"، قائلًا إن "التحذير الذي وجّهه المجلس الأعلى للدفاع، وتبنّته الحكومة اللبنانية، يحمل دلالات واضحة مفادها أنه لم يعد مسموحًا لأي جهة، سواء كانت لبنانية أو فلسطينية أو غيرها، بالتحرّك عسكريًا انطلاقًا من الأراضي اللبنانية. فتنفيذ عمليات عسكرية لا تعني اللبنانيين وتعرّض استقرار البلد للخطر، لم يعد مقبولًا تحت أي ذريعة".

كشـف الأيوبي عن تفاصيل لقاء جرى بين ممثل حركة حماس ومدير الأمن العام اللبناني، واصفًا أجواءه بالإيجابية بشكل عام. وأكدت حماس خلال الاجتماع أنها كانت في السابق تتحرك ضمن معادلة "الجيش والشعب والمقاومة" التي تبنّتها الحكومات اللبنانية السابقة، لكنها اليوم تُدرك أن الحكم في لبنان تغيّر، وأن هناك سلطة تسعى إلى ضبط الأوضاع داخل الأراضي اللبنانية.

كما جددت الحركة التزامها بكل ما من شأنه الحفاظ على استقرار لبنان، بما في ذلك وقف إطلاق النار وعدم تنفيذ أي عمليات عسكرية انطلاقًا من أراضيه.

وبحسب ما نقله الأيوبي، فإن ممثل حماس أشار إلى أن مطلقي الصواريخ، رغم انتمائهم للحركة، قاموا بذلك بمبادرة فردية كرد فعل على تمادي الوحشية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في غزة.

وأضاف الأيوبي: "أعتقد أننا أمام مرحلة جديدة، ستكون فيها حماس مراعية لمتطلبات الاستقرار اللبناني، وهي أبدت استعدادها للتأقلم مع هذا الوضع. لكن يبقى في هذا الإطار مسألة السلاح الفلسطيني في المخيمات والسلاح الذي اتضح أنه موجود لدى حماس، لأنه جرى استخدامه في بعض العمليات في إطار جبهة الإسناد".

وتابع "هذا الأمر يحتاج الى معالجة ومتابعة جدية، ويُنتظَر من حماس أن تكمل توجهها الإيجابي تجاه الدولة اللبنانية وتسلّم ما لديها من أسلحة وتعزز العلاقة مع الدولة اللبنانية وتبتعد أكثر فأكثر عن حزب الله لأن الحزب لم يعد الدولة من جهة ولأن الدولة اللبنانية حريصة على الفلسطينيين في لبنان وهذا يؤمن الاستقرار للشعب الفلسطيني المهجَّر من أرضه الى حين تمكنه من العودة أو حصول تسوية على مستوى الصراع مع اسرائيل".

يشار في هذا السياق، إلى أن حركة حماس عمدت إلى تسليم عدد من المطلوبين بقضية إطلاق الصواريخ إلى الجيش اللبناني، بانتظار تسليم الآخرين.

على خطى فتح

تحديد الوضعية الجديدة لحركة حماس في لبنان، تعيد إلى الأذهان ما حصل مع منظمة التحرير الفلسطينية بعد الاجتياح الإسرائيلي لبيروت في العام 1982، وإخراج مسلّحيها من بيروت إلى تونس. وكانت تلك المحطة مفصلية بعد سنوات من إعطاء فتح حق العمل الفدائي من جنوب لبنان ضد إسرائيل، بمباركة عربية في اتفاق القاهرة 1969.

أسئلة كثيرة تُطرح اليوم عمّا إذا كان تحذير المجلس الأعلى للدفاع بمثابة بداية مرحلة جديدة قد تفضي إلى إنهاء وجود حماس في لبنان.

أجندة زيارة عباس

تأتي هذه الخطوة عشية التحضيرات لزيارة سيقوم بها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الى لبنان في 21 أيار/مايو الجاري، والتي تكتسب أهمية خاصة بعد المواقف التي صدرت عنه بما يتعلّق بالسلاح الفلسطيني في لبنان وأنه لا ضرورة له.

وتشير المعلومات إلى أن أجندة زيارة عباس قد تتضمن "ورقة أفكار "بما يتعلّق بسلاح المخيمات. وأن الأجواء ستكون مؤاتية جدًا لبحث هذا الملف وستكون الأمور نضجت ومهّدت لمرحلة جديدة مع حركة حماس.

ولا تبدو هذه الاجراءات بعيدة عن الضغوط الدولية والعربية لتقييد نشاطات حماس في العديد من العواصم... فهل ستسلّم حماس في لبنان سلاحها؟ أم ستلقى مصير فتح الثمانينات؟