واصلت إسرائيل هجومها المكثف على قطاع غزة، مستهدفةً مناطق متفرقة من القطاع المحاصر، ما أسفر عن سقوط المزيد من الشهداء، بينهم صحفيون وعائلات كاملة، في ظل أوضاع إنسانية تزداد سوءًا بفعل الحصار الخانق وغياب المساعدات، وسط تهديدات بتوسيع العمليات العسكرية وفرض واقع جديد في القطاع.
مجازر متجددة واستهداف مباشر للمدنيين
منذ ساعات فجر الأربعاء، أسفرت الغارات الإسرائيلية عن استشهاد 17 فلسطينيًا في هجمات جوية طالت أحياء سكنية ومراكز لجوء. ومن بين الضحايا، الشهيدة المصورة الصحفية فاطمة حسونة، التي قضت في قصف استهدف منزلها بمدينة غزة، إلى جانب عشرة من أفراد عائلتها. وكانت حسونة تعمل على توثيق الجرائم الإسرائيلية منذ بداية العدوان.
أسفرت الغارات الإسرائيلية عن استشهاد 17 فلسطينيًا في هجمات جوية طالت أحياء سكنية ومراكز لجوء
كما استُشهد ثلاثة آخرون من عائلة الهسي إثر قصف منزلهم في جباليا النزلة شمال غزة، بينما أُصيب شخصان جراء استهداف طائرة مسيّرة إسرائيلية لمنطقة شارع النص في خانيونس جنوبي القطاع. وتواصل القصف المدفعي على حي الشجاعية بالتزامن مع غارات جوية على المناطق الشرقية لمدينة غزة.
تحذيرات من انهيار صحي كامل
وفي ظل هذا التصعيد، حذّرت وزارة الصحة في غزة من كارثة إنسانية وشيكة، مشيرة إلى أن مئات المرضى والجرحى محرومون من الأدوية والعلاج. وأوضح مدير عام الوزارة في تصريح لقناة "التلفزيون العربي" أن تقرير تشريح جثث المسعفين الذين قضوا في رفح عن تعمّد قوات الاحتلال الإسرائيلي استهدافهم ودفنهم في حفرة عميقة، الأمر الذي يكشف زيف رواية الاحتلال بشأن ظروف استشهادهم.
وفي ظل استمرار إغلاق المعابر، يتفاقم الوضع الصحي في قطاع غزة بشكل كارثي، حيث تعاني الطواقم الطبية من عجز كامل في التحرك ومقاضاة الاحتلال على جرائمه، في وقت ارتقى فيه أكثر من 1400 من الكوادر الطبية أثناء أداء عملهم في المستشفيات منذ بداية العدوان. كما لا يزال عداد الشهداء في ارتفاع مستمر، مع عودة شبح المجاعة إلى الواجهة، وسط انتظار أكثر من 13 ألف مريض لفرصة السفر لتلقي العلاج خارج القطاع المحاصر.
بدورها، أكدت مؤسسات الأسرى الفلسطينية أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تواصل ممارساتها الوحشية بحق الأسرى والمعتقلين، في ظل صمت دولي مريب وعجز أممي مرعب عن وقف الانتهاكات المتواصلة. وأشارت المؤسسات إلى أن الاحتلال لا يزال يحتجز جثامين عشرات الشهداء من الأسرى، ويُخفي هويات العديد منهم، في سياسة ممنهجة تُضاف إلى سجل طويل من الجرائم بحق الحركة الأسيرة، في ظل ظروف اعتقال قاسية ومعاملة لا إنسانية تفتقر لأدنى مقومات الكرامة والعدالة.
من جانبها، وصفت منظمة "أطباء بلا حدود" قطاع غزة بـ"المقبرة الجماعية"، ليس فقط للفلسطينيين، بل أيضًا للكوادر الطبية والإنسانية التي تحاول إنقاذهم. وأضافت: "نحن نشهد القضاء على سكان غزة وتهجيرهم القسري".
أما المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، فأعرب عن قلقه من أن تؤدي الهجمات الإسرائيلية المتكررة على المستشفيات إلى حرمان المرضى من الرعاية الصحية، ودعا إلى رفع الحصار فورًا وإدخال الإمدادات الطبية والإنسانية دون قيود.
تهديدات إسرائيلية
وفي لهجة تصعيدية جديدة، صرّح قال وزير الأمن الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، بأن سياسة إسرائيل في غزة "واضحة ولا لبس فيها"، وتتمثل أولًا في بذل كل جهد ممكن من أجل تحقيق إطلاق سراح جميع الرهائن، وذلك ضمن مخطط المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف، على أن يُبنى لاحقًا "جسر لهزيمة حماس"، بحسب تعبيره.
وأوضح كاتس أن إسرائيل تعمل على وقف المساعدات الإنسانية التي تُستخدم – وفق زعمه – لتعزيز سيطرة حماس على السكان، مشيرًا إلى أنّ بلاده بصدد إنشاء بنية تحتية لتوزيع المساعدات لاحقًا عبر المجتمع المدني، وذلك عبر آلية يجري إعدادها لتوزيع المعونات بواسطة شركات خاصة.
وفي لهجة تشير إلى نوايا احتلال طويل الأمد، قال كاتس إن جيش الاحتلال "لن يُخلي المناطق التي تم تطهيرها ومصادرتها"، مضيفًا أن "الجيش سيبقى في المناطق الأمنية كمنطقة عازلة، سواء في وضع مؤقت أو دائم، على غرار ما هو قائم في لبنان وسوريا". كما كشف أن مصر، ولأول مرة، اشترطت نزع سلاح حماس كجزء من أي صفقة شاملة قد تؤدي إلى إنهاء الحرب.
احتجاجات إسرائيلية آخذة في الاتساع
في الداخل الإسرائيلي، تتسع رقعة الغضب الشعبي والعسكري ضد استمرار الحرب. وذكرت وسائل إعلام عبرية أن عدد الموقعين على عرائض تطالب بوقف الحرب وإعادة المحتجزين تجاوز 110 آلاف شخص.
وأفادت صحيفة "هآرتس" بأن الجيش الإسرائيلي بدأ باستبدال قوات الاحتياط بقوات نظامية في مناطق القتال، في محاولة لتخفيف الضغوط الناتجة عن الاحتجاجات.
وأشارت الصحيفة إلى أن قادة الجيش يواجهون صعوبة متزايدة في تنفيذ الخطط العملياتية بسبب "تآكل الثقة" بين القيادة العسكرية وجنود الاحتياط، خاصة في ظل القتال المستمر في غزة ولبنان وسوريا والضفة الغربية.
ارتباك في القيادة العسكرية
مصادر أمنية نقلت عنها صحيفة "يديعوت أحرونوت" عبّرت عن قلقها من غموض المسار الذي تسلكه الحرب في غزة، وعن الحيرة في التعامل مع الاحتجاجات العسكرية المتصاعدة. وأضافت المصادر: أن "وزير الأمن ليس سوى صدى لصوت نتنياهو، ولا نتوقع منه شيئًا مختلفًا"، مشيرة إلى دهشتها من تصريحات رئيس الأركان التي تزعم أن المؤسسة العسكرية مجمعة على استمرار العمليات في غزة.