17-فبراير-2016

من أعمال نذير نبعة (1938- 2016)

أعليّ أن أتخيّل مشهدًا سينمائيًّا لأصبّه على الورق مدّعيةً أنّي كاتبة؟ ليس سؤالًا هذا. عليك أن تسأل أسئلةً كثيرةً قبل أن تشكّ روحك بإدراكها لشكليّات الإدراك؛ الأسئلة شكليّاتٌ لا بدّ منها، للعبور إلى ذاتك النّيّرة أم المظلمة لا فرق. ما أستمرّ بافتعاله من أسئلة الملكيّة أو الوجوب يتملّكه فيتوجّبه؛ ألديه السّلطة؟ أعليه احتوائي؟ تلك أسئلةٌ حقيقيّةٌ تبادره، لينقل إليّ ذاك التأنيب المتقصّد كي أصطنع السّؤال، كي يمرّ سؤاله عبري كدالّةٍ عكسيّةٍ تصوّر السّؤال إدراكًا متأخرًّا لعبثيّة الإجابة.

أعليّ الوقوف. أعليّ الصّمود والوقوف على قدمين ورفع يديّ نحو الأعلى بامتنانٍ يحيط الفضاء المحمرّ؟

أن أحذف نبرة السّؤال أمر غايةً في الجحود في وجه وجودي المتربّص لإنهائي في أيّة لحظة، إلّا أنّه لم ينهني بعد! عليّ الوقوف. عليّ الصّمود وكأنّني أستقي الإرادة منّي وليس من ذاك الوجود الأعرج الّذي يحملني ويعبّئني بأحلام ورديّة لن تتحقّق. لا يجوز عدم الاستشارة!

"هل علينا السّكوت؟"

"هل علينا السّكوت؟"، يردّد آخر ثمّ يستطرد: "هل علينا بالسّكوت ومن ثمّ الصّراخ؟"

"هل علينا السّكوت.. ومن ثمّ الصّراخ ومن ثمّ الرّقاد حيث تفتّتت صرخاتنا؟"

"أعلينا الامتلاء بأنفاسٍ حارّةٍ ومن ثمّ زفرها دون إرادة؟ومن ثمّ أعلينا السّكوت، ومن ثمّ الصّراخ ومن ثمّ ابتلاع الغبار المهتاج من تردّد صرختنا؟"

اقرأ/ي أيضًا: رسالة حب.. ليست الأولى

"أعلينا الإمساك بأيدٍ جلديّة الملمس متّسخةٍ بأوردةٍ جافّةٍ ونبوءات كاذبةٍ، ومن ثمّ القفز حتّى الدّرك الأسفل، ومن بعدها تسديد نظراتنا هكذا بتركيزٍ كأشعّةٍ ليزريّةٍ نحو العلوّ الشّاهق الّذي تبدّت لا نهائيّته مجدّدًا، هكذا بين اللّانهايتين، ممسكين بفتاتنا، وناثرين نحو الطّريق ما تماسك منّا غذاءً للعيون؟"

" أعلينا السّكوت؟!" يصرخ سادسٌ.

إنّها أسئلةٌ وجوديّة بديهيّةٌ لا جديد عليها. إلّا أنّني أباغت بعفويّة ذاك العبور الطّارئ لارتجاجِ يقينه في صدري، أعليه احتوائي، أيملكني، أم أملك ذاتي؟ لديه الحقّ بسؤال ذاته، أمّا أنا فعليّ الاستشارة، ومحاكاة السّؤال لأنّه لا يحقّ لي السّؤال الحقّ. لا يحقّ لي القرار، ولا مكالمة ذاتي آمرةً لها، لا منبّهةً ولا مخبرةً، ربّما محتارةً أو مشدوهةً وربّما سائرةً أثناء نومٍ عميق.

نظرت بعيدًا بانشداه.

زفرت كامل الهواء من جسدي الآن، تردّدت.. أعليّ أن أشهق الآن للحظةٍ زمنيّةٍ غائبةٍ أخرى.

أصرخ:...

غببت الكون داخلي.

رأيت الكثير. رأيت ما عليّ فعله لأوّل مرّةٍ. ذاك الكائن الخرافيّ يمدّ لي جسده وسيلةً للسّؤال، لا تهيُّؤ كعلّة وجودٍ لي. سأصرخ بكامل قواي المرّة القادمة كي أستعيد من اللّحظات ما انفجر بصمتٍ.

أنظر بعيدًا بانشداهٍ اختياريٍّ للمرّة الأولى، عليّ أن أعود لزفيري كي أتّخذ شهيقًا اختياريًّا يتزلّج على أجسادٍ أكثر اتّساعًا تحمل اليقين بقوّة السّؤال باستخراج الإجابة.

في الممرّ: "أعلينا السّكوت؟ ثمّ الوقوف؟ فالصّراخ؟ ثمّ الهمود؟"

يردّد ثانٍ "أعلينا الهمود، فتجهيز سكوتٍ متّزنٍ؟ فالاتّكال على أقدامٍ متمفصلةٍ بالوقوف الفجائيّ الصّادم؟ فالصّراخ بتلك الخزينة الدّاخليّة الّتي احتبسناها لأجزاء غائبةٍ عن خريطة الزّمن؟"

أطبقت فمي على ذاتي، ها أنا في عزلةٍ خانقةٍ. أعليّ الوقوف؟ أعليّ الاتّكال على أقدامٍ أتعرّف عليها الآن! قد تخذلني! لا.. ربّما.. أليس محتملًا أن تخذلني؟

اقرأ/ي أيضًا:

الخامسة فجرًا بتوقيت القمر

لم يهزمني "شمس تبريز"