في حادثة يُرجّح أنها الأولى من نوعها منذ سقوط نظام الرئيس السوري المخلوع، بشار الأسد، في الثامن من كانون الأول/ديسمبر الماضي، توفيت امرأة إثر انهيار جزء من سقف منزلها في ريف إدلب، وفقًا لما أعلنه الدفاع المدني السوري، حيثُ كان المنزل قد تضرر سابقًا نتيجة قصف من قوات النظام خلال سنوات الحرب. وتعيد هذه الحادثة تسليط الضوء على أوضاع اللاجئين الراغبين في العودة إلى سوريا، في ظل الجمود الذي يخيم على ملف إعادة الإعمار.
عودة أكثر من 372 ألف سوري
يشير أحدث تقارير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى عودة أكثر من 372 ألف لاجئ سوري إلى البلاد، من أصل ما يزيد على 5,5 مليون لاجئ، منذ سقوط الأسد حتى الثالث من نيسان/أبريل الجاري، مضيفًا أن نحو 1.05 مليون نازح داخلي في سوريا عادوا إلى مناطقهم الأصلية حتى 27 آذار/مارس الماضي، في حين لا يزال هناك قرابة 674 ألف نازح داخلي في مختلف أنحاء البلاد.
تؤكد تصريحات المسؤولين الأمميين أن ملف إعادة الإعمار يُعد واحدًا من الملفات الأساسية في المرحلة الراهنة، نظرًا لارتباطه بملف عودة اللاجئين السوريين من دول الشتات. ويُعد توفير البنية التحتية الأساسية، وفرص العمل، والخدمات الرئيسية، من أبرز الشروط التي يتوجب تحقيقها لضمان عودة آمنة للاجئين، وهو ما يتطلب دعمًا سياسيًا واقتصاديًا دوليًا حقيقيًا ومستدامًا، يراعي تعقيدات المشهد السوري الجديد.
تؤكد تصريحات المسؤولين الأمميين أن ملف إعادة الإعمار يُعد واحدًا من الملفات الأساسية في المرحلة الراهنة، نظرًا لارتباطه بملف عودة اللاجئين السوريين من دول الشتات
وفي هذا السياق، حذرت المديرة العامة للمنظمة الدولية للهجرة، إيمي بوب، في تصريح لها الشهر الماضي من أن تجاهل السياقين السياسي والاقتصادي في مناقشة عودة اللاجئين السوريين، قد يؤدي إلى موجات هجرة جديدة، مشددة على ضرورة الاستثمار في استقرار سوريا وبناء السلام، لضمان عودة آمنة ومستدامة.
اقتران عودة اللاجئين بخطوات إعادة الإعمار
وفقًا لتقرير المفوضية الأممية، فإن العديد من العائدين إلى سوريا يسافرون بمفردهم لتقييم الأوضاع قبل لمّ الشمل مع أسرهم، مشيرةً إلى أن تحليل قائم على النوع الاجتماعي أظهر أن النساء يواجهن تحديات خاصة، أبرزها ضعف خدمات الحماية، وغياب آليات الشكوى الفعالة، وتهميشهن في اتخاذ قرارات العودة. كما أعربت نساء عن قلقهن من الزواج القسري، وصعوبات العمل، ومخاطر العنف القائم على النوع الاجتماعي.
وأضافت المفوضيى الأممية أن تسارع وتيرة عودة اللاجئين السوريين بعد سقوط نظام الأسد دفعها إلى التأكيد على ضرورة اقتران هذه العودة بخطوات فعلية في إعادة الإعمار، وتحقيق الاستقرار السياسي والمؤسساتي، لافتةً إلى أن الحكومة السورية الانتقالية وضعت مكافحة الفساد وإنعاش الاقتصاد في صلب أولوياتها، في محاولة لجذب الكفاءات السورية ودفع عجلة التعافي.
وكان الرئيس السوري، أحمد الشرع، قد ترأس الإثنين الماضي الجلسة الأولى للحكومة الانتقالية التي شُكلت نهاية آذار/مارس الماضي، حيثُ جرى التأكيد على وضع "خطط إسعافية" تركّز في المقام الأول على "أولوية المواطن السوري"، لا سيما من خلال "تنشيط الاقتصاد" ومعالجة آثار "الخراب الكبير" الذي خلّفه النظام السابق، مشددًا على أهمية ملف إعادة الإعمار، وضرورة "خطط إستراتيجية" لتنظيم المدن والبلدات، بما يحفظ "الترابط الحضاري والثقافي" مع النسيج العمراني.
آراء متباينة على الأولويات
تتباين آراء المحللين والخبراء بشأن ملف إعادة الإعمار في سوريا، بين من يرى أنه قضية سياسية سيادية تتجاوز الأبعاد التنموية، وبين من يشدد على ضرورة ربطه بإصلاح السياسات الاقتصادية واستعادة رأس المال البشري. وفي ظل استمرار العقوبات وتعدد وجهات النظر حول مصادر التمويل، يبقى هذا الملف عالقًا في دوامة من الجمود والقيود الغربية.
يؤكد الأمين العام للحركة الوطنية السورية، زكريا ملاحفجي، في حديث لموقع "الترا سوريا"، أن ملف إعادة الإعمار تجاوز طابعه التنموي ليصبح قضية سيادية تتنازعها القوى السياسية، ما يعقّد الوصول إلى خطة شاملة وعادلة في ظل استمرار العقوبات الدولية وتباين الرؤى حول آليات التمويل، معتبرًا أن سوريا تحتاج ثلاث مصادر رئيسية للتمويل، يلخصها بـ"الدعم الدولي المشروط، والمساعدات الثنائية، ومساهمات القطاع الخاص والمغتربين".
"الخوف من التذكر، العادات والتقاليد، نقص الوعي، وعدم توفر مختصين في مناطق النزاع، كلها عوائق تمنع السيدات من طلب المساعدة النفسية"
نساء سوريات يروينَ جزءًا من معناتهن.. تقرؤون أكثر خلال الألبوم⏬ pic.twitter.com/jqwcbqdhr3
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) April 8, 2025
من جانبه، يرى الباحث الاقتصادي، نبال قلعة جي، أن ملف إعادة الإعمار يجب أن يتعدى إصلاح الأضرار الناتجة عن الحرب أو الزلازل، ليشمل تصحيح السياسات الاقتصادية السابقة، بما في ذلك الخسائر الناتجة عن زلزال شباط/فبراير 2023، الذي أدى إلى نزوح أكثر من 160 ألف شخص، وخسائر تجاوزت 3 مليارات دولار في إدلب وحلب.
وشدد قلعة جي في حديثه لـ"الترا سوريا" على أن أولويات إعادة الإعمار يجب أن تبدأ بإعادة النازحين، وتأهيل البنية التحتية، وعودة الموظفين المفصولين، بالتوازي مع إصدار قوانين تشجع الاستثمار وتحفّز الإنتاج المحلي، مؤكدًا أن العنصر البشري هو الركيزة الأساسية لأي عملية إعادة بناء، داعيًا إلى تبني سياسات تستهدف ترميم رأس المال الاجتماعي وتعزيز تنمية الموارد البشرية.
وفي السياق، يوضح الباحث السياسي، فيصل سليم، أن هناك مستثمرين سوريين وعرب عرضوا إعادة الإعمار في البنى التحتية في سوريا دون الحاجة لدعم دولي، لكنه أضاف مستدركًا أن الأمر مرهون برفع العقوبات الأميركية عن سوريا، مستبعدًا في الوقت نفسه إعادة إعمار المنازل المدمرة خلال الحرب، مرجعًا ذلك إلى أن الأموال التي سوف يتم ضخها لا تكاد تكفي لإعادة إعمار البنية التحتية في سوريا.