بعودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، يعود شبح الحرب التجارية بين واشنطن وبكين إلى الواجهة مجددًا. وكان ترامب قد توعد الصين، طوال حملته الانتخابية، بفرض تعريفات جمركية بنسبة 60 بالمئة للحد من فائضها التجاري، وهو ما أكده في اليوم الثاني من ولايته، حيث قال إن هذه التعريفات ستُفرض على الصين في الأول من شباط/فبراير القادم.
وشن ترامب خلال ولايته الأولى حربًا تجارية ضخمة على الصين شملت فرض تعريفات جمركية غير مسبوقة منذ ثلاثينيات القرن الفائت. وردت الصين حينها بالمثل، مما أدى إلى هز الأسواق وإلحاق الضرر بالشركات الأميركية التي تعتمد على الواردات الصينية، بالإضافة إلى المساهمة في زيادة التضخم إلى حد ما في الولايات المتحدة.
ومع بداية ولايته الثانية، يبدو ترامب أكثر استعدادًا من أي وقت مضى لخوض حرب تجارية جديدة مع الصين. وعلى عكس ولايته الأولى، يبدو الآن أكثر تجهيزًا لخوض هذه الحرب، خاصةً أنه أحاط نفسه بمسؤولين يفهمون كيفية عمله، مستفيدًا من انتصاره الكبير في الانتخابات الرئاسية، وهيمنة الجمهوريين على مجلسي النواب والشيوخ.
قد تدفع التعريفات الجمركية التي يسعى ترامب إلى فرضها على بكين إلى إعاقة نموذج التنمية الذي تقوده الدولة الصينية والذي يعتمد على الصادرات والتكنولوجيا، خاصةً أن الصين لا تملك حتى الآن سوقًا بديلًا للسوق الأميركي
ورجّح موقع "بوليتيكو" الأميركي، في مقال مطوّل، أن يكون كل من دونالد ترامب والرئيس الصيني شي جين بينغ، أقل ميلًا للتراجع عن هذه الحرب في الوقت الحالي، خاصةً في ظل طموحات جين بينغ الذي بات اعتماده على الولايات المتحدة يقل تدريجيًا لصالح روسيا، ويرى بأن الشرق ينهض بينما الغرب يتراجع.
ويرى كاتب المقال، بوب دافيس، أن الحرب التجارية المقبلة بين واشنطن وبكين ستتمحور بصورة رئيسية حول التكنولوجيا، رغم أن ترامب يميل أكثر إلى التركيز على قضايا شراء السلع والفائض التجاري، وهو ما تجلى بشكل واضح خلال ولايته الأولى.
ومع ذلك، قد يدفعه المحيطون به إلى التركيز أكثر على هذا المجال، خاصةً في ظل الاهتمام الصيني الكبير بالتكنولوجيا، وقدرة الشركات الصينية على تجاوز القيود المفروضة عليها من قِبل واشنطن في هذا السياق.
وأشار دافيس إلى أن الصين قد تحاول، خلال المرحلة المقبلة، استرضاء ترامب بزيادة المشتريات من الولايات المتحدة مقابل التركيز على التكنولوجيا، الأمر الذي قد يحاول مستشارو ترامب منعه من خلال الضغط عليه. وأضاف أن مستشاري ترامب يتعاملون مع مسألة التعريفات الجمركية بوصفها وسيلة ضغط لإجبار الحكومات المستهدفة، سواء الصينية أو غيرها، على تقديم التنازلات التي يريدها ترامب، لافتًا إلى أنهم منقسمون فيما بينهم بشأن كيفية ترجمة أفكاره إلى سياسات.
وما يزيد من تعقيد الحرب التجارية المقبلة بين الطرفين، وفق كاتب المقال، هي وعود ترامب بإصلاح الاقتصاد الأميركي وتوفير الوظائف للعمال، الأمر الذي قد لا يتحقق في حال تصاعد الحرب التجارية مع الصين. وعلى الجانب الآخر، قد تؤدي التعريفات الجمركية التي يسعى ترامب إلى فرضها على بكين إلى إعاقة نموذج التنمية الذي تقوده الدولة الصينية، والذي يعتمد على الصادرات والتكنولوجيا، خاصةً أن الصين لا تملك حتى الآن سوقًا بديلًا للسوق الأميركي، الأمر الذي يهدد هذا النموذج الذي يبدو أن شي جين بينغ ملتزم به اليوم أكثر من أي وقت مضى، إذ لا تملك الصين بديلًا للسوق الأميركي في الوقت الحالي.
ويملك الطرفان وسائل وأدوات ضغط عديدة في سياق هذا الصراع، من بينها قدرة الصين المتزايدة على التأثير على سوق الأوراق المالية الأميركية، خاصةً في ظل اعتماد العديد من الشركات الكبرى على الصين لتحقيق الأرباح، مثل "نيفيديا" و"تسلا" و"أبل" وشركات أخرى.
يملك الطرفان وسائل وأدوات ضغط عديدة في سياق صراعهما من بينها قدرة الصين المتزايدة على التأثير على سوق الأوراق المالية الأميركية، خاصةً في ظل اعتماد العديد من الشركات الكبرى على الصين لتحقيق الأرباح، مثل "نيفيديا" و"تسلا" و"أبل"
ويرى ديريك سكيسورز، محلل الشؤون الصينية في معهد "أميركان إنتربرايز"، أنه: "إذا هددت الصين حفنة من الشركات الأميركية الكبرى للغاية وانخفضت سوق الأسهم، فإن هذا من شأنه أن يجعل ترامب يتوقف للحظة"، في الحرب المقبلة.
في المقابل، قد يتيح الوضع الحالي للاقتصاد الصيني فرصة لترامب للضغط على بكين، إذ انخفض نمو الاقتصاد الصيني إلى أقل من 5 بالمئة مقارنةً بـ7 بالمئة في عام 2017. عدا عن انهيار قطاع العقارات، وتزايد الدين الحكومي، وفقدان السيطرة على الطلب والعرض، وانخفاض الاستثمار الأجنبي إلى أدنى مستوى له منذ ما يقرب من 30 عامًا.
ولذلك، يرى دافيس أن تحركات الرئيس الصيني في سياق الحرب التجارية مع واشنطن قد يكون الغرض منها الاستعراض والضغط فقط، دون اتخاذ خطوات جدية حقيقية. بهذا الشكل، يكون سوق الأسهم حاجزًا يمنع ترامب من التصعيد ضد الصين، والأمر ذاته ينطبق على شي، حيث يشكل معدل النمو حاجزًا مماثلًا له. مع ذلك، يؤكد دافيس أن الحرب مقبلة بينهما، والسؤال هو حول الضرر الذي قد تتسبب به.