يعيش المراهقون السوريون في مصر حالة معقدة من المشاعر والانتماءات، فهم عالقون بين وطنهم الأصلي الذي يحتل مكانة عاطفية في قلوبهم، وبين مصر التي أصبحت مع مرور الوقت وطنًا ثانيًا وأعطتهم فرصة جديدة للحياة والتأقلم.
تُعدّ مصر من أكثر دول اللجوء دعمًا في دمج اللاجئين السوريين، وعلى الرغم من صعوبة أوضاعها الاقتصادية، إلا أن طيبة شعبها واحتضانها للسوريين سهّل عملية الاندماج بشكل عام، وخاصة على أطفالهم.
رغم أن العديد من المراهقين السوريين في مصر غادروا سوريا في سن صغيرة، إلا أنهم ما زالوا يحتفظون بارتباطهم بوطنهم الأم، ويظهر ذلك في بعض عاداتهم وتقاليدهم السورية داخل منازلهم
وبعد أكثر من عقد من الزمن في بلاد اللجوء، أظهر المراهقون السوريون في مصر اندماجًا كبيرًا مع المجتمع المضيف، وانسجموا مع العادات والتقاليد، حتى باتت فكرة العودة والبدء من الصفر تثير مخاوفهم.
جذورهم في سوريا وحياتهم في مصر
رغم أن العديد من المراهقين السوريين في مصر غادروا سوريا في سن صغيرة، إلا أنهم ما زالوا يحتفظون بارتباطهم بوطنهم الأم، ويظهر ذلك في بعض عاداتهم وتقاليدهم السورية داخل منازلهم، وكذلك اللهجة السورية التي يتحدثون بها مع عائلاتهم وأقاربهم.
سهولة اللهجة المصرية وانتشارها في المجتمع العربي، بالإضافة إلى تأثير المسلسلات والأفلام والأغاني، كانت سببًا في عدم مواجهة السوريين صعوبات كبيرة في التعود عليها. وأصبح عدد كبير منهم يتحدثها بطلاقة، خصوصًا المراهقين.
لم يقتصر الأمر على اللهجة فقط، بل بات المراهقون السوريون والمصريون متشابهين في الشكل، مثل قصات الشعر وطريقة اللباس، وأيضًا في الذوق الموسيقي المشترك، وفي الأماكن التي يرتادونها في أوقات فراغهم سواء للعب أو التسوق، حتى أنك لا تستطيع التفريق بينهم.
بحكم انفتاح المجتمع المصري وتقبله لكل غريب، توفرت الفرص أمام الجيل الجديد الذي تربى في مصر لتبني الكثير من العادات والتقاليد، مما عزز شعورهم بأنهم جزء من هذا المجتمع وليسوا غرباء.
شهادات من المراهقين
يقول مصعب جديداني، وهو مراهق سوري مقيم في القاهرة، يبلغ من العمر 16 عامًا، لموقع "ألترا صوت": "عندما وصلت إلى مصر كنت في سن الرابعة، ولا أذكر شيئًا عن بلادي. أصدقائي وزملائي جميعهم مصريون، ولم أشعر للحظة أنني غريب عنهم".
ويضيف: "نتحدث باللهجة السورية في المنزل فقط، ولكن أنا وإخوتي نتحدث اللهجة المصرية في الخارج لأننا تعودنا عليها سواء أثناء الدراسة أو مع أصدقائنا وجيراننا".
ويعتبر الاندماج في المجتمع المصري بالنسبة لهؤلاء المراهقين "سيفًا ذا حدين"، حيث أصبح من الصعب على الآباء إقناع أولادهم، الذين تربوا وعاشوا في أوساط مصرية، ودرسوا في مدارسها، وتعودوا على مطبخها، بأنهم ليسوا "مصريي الهوية"، مهما بلغ انتماؤهم لها.
الأخصائي النفسي السوري، بهاء الحاج: "على الرغم من أهمية الاندماج في تعزيز إحساس الأمن والأمان والاستقرار للأطفال والمراهقين، إلا أن الخوف على هؤلاء المراهقين يكمن في قوة الصدمة التي سيتعرضون لها عندما يصلون إلى سن معينة، ولا يعود بإمكانهم التعامل كمصريين في العمل مثلًا"
يتحدث الأخصائي النفسي السوري، بهاء الحاج، لموقع "ألترا صوت"، قائلًا: "على الرغم من أهمية الاندماج في تعزيز إحساس الأمن والأمان والاستقرار للأطفال والمراهقين، إلا أن الخوف على هؤلاء المراهقين يكمن في قوة الصدمة التي سيتعرضون لها عندما يصلون إلى سن معينة، ولا يعود بإمكانهم التعامل كمصريين في العمل أو الدراسات العليا وباقي تفاصيل الحياة."
من جهته، يخبر ماهر ممدوح، البالغ من العمر 15 عامًا، موقع "ألترا صوت"، أنه كان يريد أن يدرس في الثانوية العسكرية، ثم يكمل تعليمه في كلية الحربية أو الشرطة هو وصديقه، لكن والده أخبره أنه لا يمكنه ذلك لأنه "ليس مصريًا". ويقول: "أنا أشعر بالانتماء لهذه البلاد ولم أعرف سواها."
تحديات المستقبل
كان السوري في مصر خلال السنوات العشر الماضية يُعامل كالمصري في التعليم والصحة حتى انتهاء المرحلة الجامعية. ولكن بعد الحصول على شهادة التخرج، يصبح من الصعب الانتساب إلى النقابات والعمل في التخصصات إلا بشروط يكاد تحقيقها يكون مستحيلًا.
خلال السنوات العشر الماضية، يُعامل السوري كالمصري في التعليم والصحة حتى انتهاء المرحلة الجامعية. ولكن بعد الحصول على شهادة التخرج، يصبح من الصعب الانتساب إلى النقابات والعمل في عدد من التخصصات إلا بشروط يكاد تحقيقها أن يكون مستحيلًا
يضيف الأخصائي النفسي بهاء الحاج: "يعيش المراهق السوري في مصر حالة من التوازن الدقيق بين هويتين: الهوية السورية التي تغذيها العائلة وبعض الذكريات، والهوية المصرية التي شكّلت شخصياتهم وكانت جزءًا كبيرًا من حياتهم اليومية. هذا يجعلهم يشعرون بالتميز أحيانًا لأنهم يمتلكون وجهتين ثقافيتين، وفي نفس الوقت قد يشعرون بعدم الانتماء الكامل لأي منهما."
هذا الوضع يثير تساؤلات داخلهم حول من هم حقًا: "هل أنا سوري أعيش بعادات أهلي، أم أنا مصري لأنني كبرت وقضيت أغلب حياتي هنا؟".
هواجس العودة إلى الوطن: أحلام مختلطة بالمخاوف
الحديث عن العودة يثير مشاعر متباينة لدى هؤلاء المراهقين. بينما يشعر البعض بحنين إلى سوريا والأماكن التي كانوا يشاهدونها في الصور فقط، يراود آخرين الخوف من المجهول.
وأبرز تلك المخاوف تتمثل بالقلق من إعادة حياتهم في بيئة قد تغيرت جذريًا، سواء على مستوى البنية التحتية أو العلاقات الاجتماعية، بالإضافة إلى التساؤلات العديدة حول فرص التعليم، حيث لم يتم تحديد طريقة تعامل الحكومة الجديدة معهم، خصوصًا من هم في أواخر المرحلة الثانوية.
بالإضافة إلى ذلك، يعاني الكثير منهم من خوف فقدان التواصل مع أقرانهم المصريين الذين عاشوا معهم لسنوات، مما يجعلهم أكثر ترددًا في موضوع العودة إلى مكان غريب نوعًا ما عليهم.
تعبر راما الجابر، البالغة من العمر 19 عامًا، عن مخاوفها من العودة إلى سوريا والبدء من جديد، وتقول: "جميع أصدقائي الذين تربيت بينهم في مصر، ولا أعرف شيئًا هناك. أحب أن أذهب وأرى بلادي، لكنني مرتبطة بمصر بشكل كبير، وأخاف أن أفقد كل هذا إذا عدت".
الحديث عن العودة يثير مشاعر متباينة لدى المراهقين السوريين في مصر. بينما يشعر البعض بحنين إلى سوريا والأماكن التي كانوا يشاهدونها في الصور فقط، يراود آخرين الخوف من المجهول
من جانب آخر، يقول الحاج، إن هواجس العودة عند بعض المراهقين السوريين قد تكون مرتبطة بشعورهم بأن المجتمع السوري سيشعرهم بأنهم غرباء، خصوصًا أولئك الذين أصبحت اللهجة المصرية تسيطر على كلامهم، وأصبحت العادات المصرية جزءًا من حياتهم.
ويضيف الأخصائي النفسي أن الدور الأكبر يقع على عاتق الآباء، الذين يجب عليهم بناء علاقة بين هؤلاء المراهقين ووطنهم عبر التحدث عنه باستمرار، وإرسال تطمينات لهم بأن علاقتهم بمصر وأقرانهم لن تنقطع بعودتهم إلى بلادهم.
يقول تامر عبد الله، البالغ من العمر 17 عامًا، لموقع "ألترا صوت": "أنا في السنة الأخيرة من المرحلة الثانوية، وأشعر بالخوف من القادم. لا أدري كيف سيتم التعامل مع السوريين الوافدين في الجامعة. كما أنني لو ذهبت سأشعر بأنني غريب عن كل شيء هناك".