14-يناير-2025
دمار في مدينة سراقب

لم يتمكن نازحون كُثر من العودة إلى بيوتهم (الترا صوت)

بعد أكثر من 13 عامًا على اندلاع الحرب في سوريا، نجحت فصائل المعارضة السورية المسلحة، بقيادة "هيئة تحرير الشام"، في إسقاط نظام بشار الأسد والسيطرة على مقاليد الحكم في 8 كانون الأول/ديسمبر الماضي. وسرعان ما بدأ النازحون بمحاولة العودة إلى منازلهم، لكن هناك كثيرون لم يتمكنوا من العودة بسبب حاجة البنى التحتية إلى إعادة تأهيل، عدا عن حجم الدمار الهائل وتهدم منازلهم، وعجزهم عن ترميمها أو تأمين تكلفة إعادة إعمارها.

"كانت سنوات النزوح قاسية، عشنا فيها على أمل العودة إلى ديارنا، والآن بعد تحرير مناطقنا وسقوط نظام الأسد المجرم وجدنا أن العودة ليست سهلة بسبب الدمار الذي لحق بمنازلنا، وغياب خدمات أساسية كالمدارس والمراكز الصحية". بهذه الكلمات عبر النازح مروان الحسن (45 عامًا)، من مدينة سراقب، عن شوقه للعودة إلى منزله والمعوقات التي تمنع عودته مع أسرته المكونة من 8 أفراد.

ويضيف الحسن: "بعد تحرير سوريا في الثامن من الشهر الماضي وتحرير مدينتي سراقب، قمت أنا وعائلتي بزيارة إلى منزلنا، وصدمنا بحجم الدمار الذي لحق به جراء القصف، وغياب مقومات الحياة فيه، حيث قام أشخاص يتبعون لنظام الأسد بسرقة محتوياته من أبواب ونوافذ ورخام حتى التمديدات الصحية وأسلاك الكهرباء"، مؤكدًا أن منزله يحتاج إلى حوالي 3 آلاف دولار أميركي لإعادة ترميمه ليصبح صالحًا للسكن، خاصةً أننا الآن في فصل الشتاء وتكاليف ترميمه تفوق قدرتهم المادية، ما جعلهم يبقون في المخيمات رغم استمرار المعاناة.

بلغ عدد العائدين من مخيمات الشمال السوري إلى قراهم بعد التحرير حوالي 43 ألف نسمة، أي ما يعادل 2.16% من سكان المخيمات

وعن الأوضاع داخل المخيم، يؤكد الحسن أن أمطار الشتاء تسببت لأسرته ومعظم قاطني المخيم في مشكلات بالسكن والتنقل، إضافةً إلى الأمراض، خصوصًا لدى الأطفال الذين يتعرضون للتبلل سواء داخل الخيام أو في الشوارع التي تفيض بالسيول، كما أن الخيمة التي يسكنها رقيقة ومهترئة في أجزاء كبيرة منها بسبب قدمها، وعدم قدرته على استبدالها.

وعلى الرغم من الدمار الهائل في مدينة معرة النعمان الواقعة جنوبي إدلب، وتهدم منزله، اختار أحمد العبود (39 عامًا) السكن على مقربة من أنقاض منزله المدمر، حيث نقل خيمته من مخيم باريشا شمالي إدلب إلى جوار منزله. وعن سبب ذلك يقول: "تعبنا من حياة النزوح والتشريد، وحان الوقت لنعود إلى منزلنا وأرضنا التي تهجرنا منها منذ نهاية عام 2019 حتى الآن".

ويلفت العبود إلى أن منزله مدمر بالكامل ويحتاج إلى إعادة إعمار مجددًا: "علينا أن نعيد بناء حياتنا من جديد وسط الركام، وهذا يبدو كأنه مهمة مستحيلة في ظل هذا الدمار الهائل وضعف الإمكانيات المادية".

ويضيف العبود: "أوضاعنا المعيشية بعد العودة من النزوح صعبة للغاية، وبيوتنا تحتاج إلى تصليحات جذرية، وحتى الآن لا مساعدات ملموسة من المنظمات تسهل على النازحين العودة".

وبحسب فريق "منسقو استجابة سوريا"، بلغ عدد العائدين من مخيمات الشمال السوري إلى قراهم وبلداتهم بعد التحرير حوالي 43 ألف نسمة، وهو ما يعادل 2.16% من قاطني المخيمات، مؤكدًا أن حالة العودة غير مستقرة بعد، على اعتبار أن بعض العائلات تعود بغرض تفقد المنازل فقط وسرعان ما ترجع إلى أماكن إقامتها في المخيمات.

ومن أسباب تعثر العودة انتشار مخلفات الحرب من ألغام ومخلفات غير منفجرة التي تشكل خطرًا على حياة الكثيرين. المزارع وليد الهزاع (51 عامًا)، من بلدة جرجناز في ريف إدلب الجنوبي، عثر على قذيفة غير منفجرة أثناء قيامه بحراثة أرضه، الأمر الذي دفعه إلى تأجيل عودته إلى بلدته، بانتظار تمشيط المنطقة من قبل عناصر الدفاع المدني والمختصين بتفكيك الذخائر غير المنفجرة. وعن ذلك يقول: "الواقع الذي نواجهه مليء بالصعوبات، فالمنازل مدمرة، والبنى التحتية تعاني الانهيار، بالإضافة إلى انتشار الألغام، وغيرها من العوامل التي تجعل من العودة إلى الديار واستعادة الحياة صعبة بالنسبة لنا".

من جانبه، يؤكد علي القاسم (50 عامًا)، مدير مخيم في مدينة إدلب، أن أوضاع النازحين متردية للغاية، وأنهم غير قادرين على العودة إلى منازلهم: "يواجه النازحون أزمة اقتصادية خانقة تتمثل في ارتفاع الأسعار وقلة فرص العمل، مما يعوق إعادة بناء المنازل والبنى التحتية، لذا يجب أن تركز الأولوية على تهيئة الظروف المناسبة التي تضمن سلامة العائدين".

وأشار إلى أن المخيم يضم 110 أسر نازحة عادت منها 3 فقط إلى مناطقها. لذا يطالب بتحسين الواقع الخدمي، وتلبية الاحتياجات الأساسية للنازحين الذين أجبروا على مغادرة منازلهم في ظروف قاهرة، وإزالة الألغام التي زرعتها قوات النظام المخلوع والمليشيات الموالية لها، والتي تشكل خطرًا على حياة الأهالي، وتسريع عودة النازحين الذين يعانون في المخيمات من أحوال معيشية سيئة، ونقص في الموارد، والازدحام، وسوء الخدمات الأساسية.

وبحسب فريق "منسقو استجابة سوريا"، منذ إعلان سقوط النظام السابق في 8 كانون الأول/ديسمبر الفائت، ارتفع عدد الإصابات بين المدنيين بسبب انفجار مخلفات الحرب بشكل كبير في مناطق سورية عدة، حيث بلغ عدد الخسائر بين المدنيين نتيجة انفجار مخلفات الحرب عبر 48 موقعًا في سوريا 55 مدنيًا، بينهم 8 أطفال و6 نساء، فيما بلغ عدد الإصابات 57 مدنيًا بينهم 25 طفلًا وامرأة واحدة.

ودعا الفريق جميع الأطراف المعنية إلى تكثيف الجهود لإزالة مخلفات الحرب في جميع المناطق لمنع وقوع المزيد من الضحايا، خاصةً مع عودة العديد من الأشخاص إلى بلداتهم وقراهم في مختلف أنحاء سوريا. وأكد أن هذه المناطق تحولت إلى حقول ألغام قاتلة بسبب جرائم النظام السابق، مما يشكل تذكيرًا مروعًا بفظائع النظام السوري حتى بعد عقود من سقوطه.

وبحسب "الدفاع المدني السوري"، فإن انتشار الألغام والذخائر غير المنفجرة يهدد عودة المهجرين إلى مدنهم وقراهم، ويقوض أي مشاريع تعمل على تنمية المجتمعات وإعادة الإعمار بالمناطق المتضررة، ويعمق فجوة الاحتياجات الإنسانية، ويخلق انتشار الألغام والذخائر غير المنفجرة حالة من القلق والخوف لدى المجتمعات المحلية ما يدفعهم للتنقل لمناطق أكثر أمناً ويؤدي إلى حالات نزوح داخلية تشكل ضغطًا كبيرًا على المناطق الأخرى التي تم النزوح لها.

في ظل انعدام الخيارات أمام السوريين، الذين يعيش القسم الأكبر منهم في ظروف معيشية صعبة، وجدت عائلات نازحة نفسها أمام العيش في خيام تفتقر لأبسط مقومات الحياة، أو العودة إلى منازل مدمرة بالكامل، يراودهم الأمل بالوصول إلى الاستقرار واستعادة حياتهم الطبيعية من جديد.