24-أبريل-2025
تتزايد التساؤلات حول قدرة السلطة الفلسطينية على الاستمرار ككيان سياسي فاعل (منصة إكس)

تتزايد التساؤلات حول قدرة السلطة الفلسطينية على الاستمرار ككيان سياسي فاعل (منصة إكس)

في ذروة العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، والذي أسفر عن استشهاد أكثر من 51 ألف فلسطيني منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، تبدو السلطة الفلسطينية في أضعف حالاتها منذ تأسيسها، سواء على مستوى التأثير السياسي، أو الثقة الشعبية، أو حتى الاعتراف الإقليمي والدولي بدورها. هذا ما خلصت إليه صحيفة "لوموند" الفرنسية، في تقريرٍ وصفت فيه واقع السلطة بـ"الهش والعاجز" في واحدة من أكثر اللحظات حرجًا في التاريخ الفلسطيني المعاصر.

رفض إسرائيلي مهين ومؤشر على فقدان السيادة

أحدث مظاهر هذا العجز برز في 19 نيسان/أبريل الجاري، حين حاول رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى زيارة قرى قرب رام الله ونابلس كانت قد تعرّضت لهجمات من قبل المستوطنين. ورغم أن مثل هذه الزيارات تُنسّق عادةً مع السلطات الإسرائيلية، فإن وزارة الأمن الإسرائيلية رفضت الطلب تحت ضغط من أحزاب اليمين المتطرف، بحسب ما أوردته صحيفة "هآرتس". وقد أُلغيت الزيارة، واعتُبر ذلك على نطاق واسع إهانة سياسية تُجسّد حدود نفوذ السلطة الفلسطينية على أراضيها.

حاول رئيس الوزراء الفلسطيني، محمد مصطفى، زيارة قرى قرب رام الله ونابلس تعرّضت لهجمات من قبل المستوطنين. ورغم أن مثل هذه الزيارات تُنسّق عادة مع السلطات الإسرائيلية، فإن وزارة الأمن الإسرائيلية رفضت الطلب

صمت أمام غزة وعجز في الضفة

وبينما تتعرض غزة للإبادة جراء الهجمات الإسرائيلية، تشير "لوموند" إلى أن السلطة الفلسطينية تبدوا شبه غائبة عن المشهد، لا تملك أدوات التأثير ولا حتى خطابًا سياسيًا مقنعًا. وفي الضفة، حيث يتعرض الفلسطينيون لاعتداءات يومية من قبل المستوطنين وجيش الاحتلال، بلغ عدد الشهداء فيها حوالي الألف فلسطيني منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، تبدو السلطة عاجزة عن حماية السكان أو وقف انفلات المستوطنين والتوسع الاستيطاني.

قيادة هرِمة وإصلاحات شكلية تحت ضغط دولي

في محاولة لاستعادة بعض من مصداقيته، دعا الرئيس محمود عباس إلى سلسلة من "الإصلاحات الداخلية"، أبرزها تعيين نائب لرئيس منظمة التحرير الفلسطينية، في خطوة اعتُبرت تمهيدًا لمرحلة ما بعده. وقد انعقد المجلس المركزي في رام الله برئاسته، لمناقشة هذه المبادرات، وسط تشكيك واسع بجدواها، نظرًا لغياب الآليات الواضحة للتنفيذ، واعتبارها شكلية من قبل أطراف محلية ودولية.
ووفقًا لصحيفة "لوموند" الفرنسية، فإن هذه الخطوة "تفتقر إلى أي أساس قانوني أو هيكلي فعلي"، وتُعد محاولة لامتصاص الضغوط المتزايدة من الأطراف العربية والغربية، دون أن تقدم رؤية حقيقية للتغيير.

توتر متصاعد مع حماس

خلال انعقاد المجلس المركزي، وجّه الرئيس محمود عباس انتقادات حادة لحركة حماس، مطالبًا إياها بتسليم أسلحتها ونقل إدارة قطاع غزة إلى السلطة الفلسطينية. واعتبر أن استمرار احتجاز الرهائن الإسرائيليين من قبل حماس يمنح إسرائيل ذريعة لمواصلة عدوانها على غزة.
من جهتها، ردت حماس باتهام عباس بمحاولة تحميلها مسؤولية الجرائم الإسرائيلية، ووصفت تصريحاته بأنها مهينة للشعب الفلسطيني.

هل ما زال للسلطة مستقبل؟

في حديثه للصحيفة الفرنسية، تساءل الأكاديمي الفلسطيني غسان الخطيب بمرارة: "هل نحتاج فعلًا إلى السلطة الفلسطينية؟"، مؤكدًا أن إسرائيل تسعى إلى دفع السلطة نحو الانهيار التدريجي، ليس فقط من خلال التصريحات، بل عبر إجراءات عملية تقوض دورها، بما في ذلك تجفيف مواردها المالية وحرمانها من السيطرة على الأرض.

أما المسؤول الأمني السابق في السلطة وعضو اللجنة المركزية لفتح، توفيق الطيراوي، فكان أكثر صراحة حين قال: "في هذا السياق، لا يُتخذ أي قرار في رام الله. المجتمع الدولي وحده من يستطيع فرض أي تغيير. إسرائيل تشن حربًا ديمغرافية لإفراغ الضفة من الفلسطينيين".

الإصلاح المالي... تنازل جديد؟

في محاولة لكسب الثقة الدولية، أصدرت السلطة الفلسطينية مطلع العام مرسومًا بوقف مخصصات أسر الأسرى، نزولًا عند مطالب أميركية قديمة. كما تعهدت مجددًا بمكافحة الفساد. لكن معظم المراقبين يرون أن هذه الإجراءات تبقى شكلية، وسط أزمة ثقة خانقة تعصف بالمجتمع الفلسطيني.

السلطة في العناية المركزة

يرى الخطيب أن السلطة الفلسطينية باتت في حالة "غيبوبة سياسية"، ويضيف: "نموذج العمل المالي والسياسي في رام الله يشبه وحدة العناية المركزة... والخطوة التالية قد تكون الموت الكامل."

هذا التوصيف يعكس حجم التآكل الذي أصاب السلطة في بنيتها وشرعيتها، سواء بسبب تراجع الدعم الخارجي، أو انفصالها عن نبض الشارع الفلسطيني، أو تبعيتها في الملفات الأمنية والمالية للاحتلال. ومع اشتداد الخناق السياسي، وانهيار مشروع "الدولة"، يبدو أن ما تبقّى من السلطة أقرب إلى إدارة محلية بلا أفق وطني، تعيش على دعم خارجي، تنتظر قرارات الآخرين بدلًا من أن تصنع خياراتها بنفسها.

تحديات أمنية واقتصادية

كما تواجه السلطة الفلسطينية تحديات أمنية متصاعدة، خصوصًا في مناطق مثل جنين ونابلس، حيث تتكرر الاشتباكات بين أجهزتها الأمنية ومجموعات المقاومة المسلحة. في المقابل، تعيش السلطة أزمة مالية خانقة، ناجمة عن تقليص المساعدات الدولية واحتجاز إسرائيل للعائدات الضريبية (المقاصة)، ما أثّر بشكل مباشر على قدرتها في دفع الرواتب وتقديم الخدمات الأساسية.

وتصف صحيفة "لوموند" هذا الوضع بـ"الكارثي"، مشيرة إلى أنّ الإجراءات العقابية التي تتبعها حكومة نتنياهو، ووقف تصاريح العمل للفلسطينيين، زادت من اختناق السلطة اقتصاديًا. ورغم تعهد الاتحاد الأوروبي بتقديم 1.6 مليار يورو حتى عام 2027، تبقى هذه المساعدات مشروطة بإصلاحات داخلية تبدو بعيدة المنال في ظل الظروف الراهنة.

مستقبل غامض

في ظل هذه التحديات، تتزايد التساؤلات حول قدرة السلطة الفلسطينية على الاستمرار ككيان سياسي فاعل. فبينما تسعى بعض الأطراف الدولية لإعادة تأهيل السلطة لتكون جزءًا من أي تسوية مستقبلية، يرى مراقبون أن غياب الإصلاحات الجذرية واستمرار الانقسام الداخلي قد يؤديان إلى مزيد من التهميش وربما الانهيار.​

في هذا السياق، يبقى مستقبل السلطة الفلسطينية معلقًا بين ضغوط داخلية متزايدة وتحديات خارجية معقدة، في وقت يحتاج فيه الشعب الفلسطيني إلى قيادة موحدة وفعالة قادرة على مواجهة التحديات وتحقيق تطلعاته الوطنية.​