09-أغسطس-2019

منطقة سكنية في شمالي سوريا (التلفزيون العربي)

لا يخرج رد فعل النظام السوري على الاتفاق التركي الأمريكي بخصوص المنطقة الآمنة في شرق الفرات، عبر بيان وزارة الخارجية السوري عن طبيعته المعتادة، التي تؤكد على الاحتفاظ بحق الرد في الوقت والزمان المناسبين، على الرغم من الطابع الناري للغة البيان الذي يشتم من بين سطوره التهديد بالقدرات العسكرية لجيش النظام، الذي سبق له أن سحق المؤامرة الكونية.

المطالبة بتطبيق مبدأ السيادة الأممي لا تعفي من التنكر لمبادئ حقوق الإنسان الأممية أيضًا

في لغة الدبلوماسية، لا يساوي هذا البيان قيمة الحبر الذي كتب به، كونه بيانًا خلبيًا لا يستند إلى حقائق الأمر الواقع، تلك التي تقول بأن لا حمل له على مواجهة قوتين عسكريتين واقتصاديين وازنيين، الأمر الذي نجده في سلوك النظام المهادن في نهاية البيان، الذي لم يجد في يديه من حيلة لمواجهة قضية انتهاك سيادته سوى الاستعانة عليها بالاستجداء، استجداء الجماهير العربية التي لا وجود لها إلا في مخيلته تارة، واستجداء الشرعية الدولية التي يتنهك شرائعها الخاصة بحقوق الإنسان تارة أخرى.

اقرأ/ي أيضًا: التجربة السياسية لحركة أحرار الشام الإسلامية

اللافت في بيان الخارجية هو استناد رفض النظام لهذا الاتفاق إلى مبدأ سيادة الدول الأممي، الذي يعطيها الحق بالدفاع عن أراضيها المتعرضة للعدوان، كما التقدم بالشكوى إلى مجلس الأمن لمساعدتها في حماية تلك السيادة. إلا إن ما يغيب عن بال الخارجية السورية أن المطالبة بتطبيق مبدأ السيادة الأممي لا تعفي من التنكر لمبادئ حقوق الإنسان الأممية أيضًا. فالأصل بالمطالبة بمبدأ سيادة الدولة ليست حماية الموارد الاقتصادية للدول، بل حماية حقوق الناس وضمان حقهم بالمواطنة المتساوية والمشاركة السياسية الفاعلة، الأمر الذي يعني أن سيادة الدولة على أراضيها وعلى سكانها لا يمنحها رخصة للقتل ضمن حدود سيادتها الوطنية.

يستطيع النظام أن يفاخر بجيشه القادر على حماية سيادته على أرضه، سواء عبر إنفاذ القانون السوري عليها، أو عبر الدفاع عنها ضد أي اعتداء أجنبي على حدودها، إلا أن ما يغيب عن تفكير النظام هو تحوله ذاته لقوة احتلال لا يختلف عن غيره من الاحتلالات الأخرى، فالنظام غير القادر على حماية حقوق مواطنيه الأساسية هو احتلال أيضًا، فالأصل في كل احتلال هو العدوان المشترك على الناس وموارد رزقهم، أي أرضهم، والحط من آدميتهم، وهو الأمر الذي يتفوق فيه نظام الأسد على كل احتلال وكل عدوان.

عدم قدرة نظام الأسد على رد أي عدوان أو أي احتلال، يقول لنا إنه غير مهموم كما يحاول أن يصدع رؤوسنا بالكرامة الوطنية والسيادة بقدر ما هو مهموم بمصالحه السلطوية، وإلا كيف يفسر لنا تراخيه تجاه الاحتلال الإسرائيلي للجولان، التي تتطلب خوض غمار استعادتها الانتماء لقيم الناس الذين يحكمهم في البطولة والتضحية ونكرات الذات، لا الشعارات الفارغة والتذرع بالوقت والمكان المناسبين، اللذين لن يأتيا أبدًا.

عدم قدرة نظام الأسد على رد أي عدوان أو أي احتلال، يقول لنا إنه غير مهموم بذلك أصلًا

في البيان يطالعنا النظام السلطوي المعصوم من الخطأ دومًا، فبدلًا من من الاعتراف بمسؤوليته عن الحالة التي أوصل إليها سوريا، من حيث كونها مرتعًا لعدد كبيرمن التدخلات الخارجية قام ليحمل مسؤولية ما آلت إليه الأمور للجانب الكردي الذي وصفه بالخائن، وهو وصف جاهز ومعلب لكل مكون من مكونات الشعب السوري الذي لا يندرج تحت سياسته العبودية، دون أن يفكر في الدخول في حوار جدي مع الأكراد بقصد التوصل لاتفاق حول حقوقهم الثقافية التي يطالبون بها، كما العمل على منحهم حق المواطنة المتساوية مع الآخرين، إنما عمد طيلة تلك الفترة لمحاولة استلحاقهم في مشروع دولته الاستبدادية التي لا تقيم اعتبارًا أو كرامة لأحد، إلا بوصفه تابعًا أومستلحقًا.

اقرأ/ي أيضًا: الكيملك.. "أخلاق" المصلحة التركية في سوريا

يستطيع النظام السوري أن يرغي ويزبد في حديثه عن السيادة الوطنية المهدورة، تشاركه في ذلك جوقة من وسائل الإعلام الإيرانية التي رأت في بيان وزارة خارجيته زلزالًا، إلا أنه لا يستطيع أن يدعي تعلم درس الحفاظ على السيادة الوطنية للدول، ذلك الدرس القائل بأن من يحمي الأوطان هم أبناؤها الأحرار المتساوي الحقوق وليس حرس الرئيس الجمهوري، أما ما دون ذلك فلا يعدو كونه أكثر من ثغاء لا يستحق الاإصات إليه أو التعامل معه على محمل الجد.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الأخت الكبرى للشعب السوري!

في ثقافة الناس