25-فبراير-2019

متظاهر في الجزائر العاصمة (Getty)

ألترا صوت – فريق التحرير

وضعت المسيرات الشّعبية، التي اكتسحت المدن الجزائريّة يوم الثّاني والعشرين فبراير/شباط، احتجاجًا على ترشّح الرّئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية رئاسيّة خامسة، بعيدًا عن التّأطير الحزبيّ والنّخبويّ، وقدمت نفسها نموذجًا للمسيرات السّلمية، النّخب السّياسيّة والجامعيّة والثّقافيّة والإعلامية أمام ضرورة اتّخاذ موقف واضح بخصوص الحدث معارضةً أو مساندةً. وهو المقام الذّي برمج النّخبة المحسوبة على الفنّ والثّقافة على الانقسام، بين طائفة ترى في هذا الحراك الشّعبيّ انزلاقًا يهدّد الاستقرار العامّ، وطائفة تراه منصّة لوثبة جادّة نحو الدّيمقراطية.

قدمت المسيرات الشّعبية، التي اكتسحت المدن الجزائريّة يوم الثّاني والعشرين فبراير/شباط، نموذجًا للمسيرات السّلمة

في السياق، أصدرت وجوه محسوبة على الطّائفة الأولى بيانًا قالت فيه إنّها تؤمن بأنّ مسيرة بناء الدّولة والمجتمع تحتاجُ إلى كثير من النّضال والصّبر والتّأنّي والتحلّي بالحكمة والرّصانة، وإلى ضرورة تجاوز العقبات وتثمين المكتسبات، "فالجزائر حقّقت بعد استعادة أمنها واستقرارها مكاسب في غاية الأهميّة بعدَ فترة قاسية ومظلمة، شهد فيها الجزائريون أسوأ امتحان لهم في أمنهم واستقرار بلادهم، من تهديد لمؤسّسات الدّولة، وضرب لانسجام المجتمع، فشهدوا انهيارًا في معنوياتهم وانتشرت ثقافة التّيئيس والإحباط والخوف من المجهول، وعرفت فيها مؤشرات التّنمية أدنى مستوياتها".

اقرأ/ي أيضًا: التفكير في حراك 22/2 الجزائري

"إن الاستحقاق الرّئاسي القادم يضعنا أمام مسؤولياتنا كنخبة ثقافيّة وطنيّة لجعله منعطفًا لتثمين المكتسبات المحقّقة على الصّعيد الاقتصاديّ والاجتماعيّ والثقافيّ، ومواصلة مشروع بناء مجتمع ينعم بفضائل الحريّة والعدالة والتّضامن. بالتالي تفويت الفرصة على أولئك الذّين يراهنون على التحوّلات الجيوسياسيّة في فضائنا الجغرافي، ويسعون لاستنساخ تجارب الدّم والفتنة، التّي شهدتها بعض البلدان تحت مسمّيات جذّابة، انتهت إلى إخفاق وتدمير".

ويخلص البيان إلى "نشعر بقلق كبير من محاولة الزجّ بالمواطن في مغامرة الشّارع، التي تنطوي على مخاطر وانزلاقات، وإمكانية الانفلات غير المحسوب. وندعو كلّ فئات الشّعب الجزائريّ، خاصّة الشباب، إلى ضرورة التّحلّي باليقظة وروح المسؤوليّة، لأنّ اللّجوء إلى الشّارع بعيدًا عن الأطر القانونيّة وبشكلٍ انفعاليٍّ قد يؤدّي إلى التّخريب والمساس بالأفراد والممتلكات، ويهدّد الاستقرار، الذّي يبقى مكسبًا حيويًّا للشّعب الجزائري".

في المقابل، أصدرت مجموعة وازنة من الكتّاب والفنّانين والمثقّفين بيانًا قالت فيه إنّه، بعد أكثر من نصف قرن، على "اختطاف الاستقلال و الدّولة" من طرف "عُصبة" مشكوك في انتمائها لهذا الوطن، وفي ولائها للدّولة الجزائريّة، استولت على السّلطة، بطريقة غير شرعيّة، وصادرت كلّ الحرّيات ومارست كلّ أشكال الاستبداد من قهر وظلم وتحايل وجهويّة وتمييز وزبائنيّة، على أبناء وبنات هذا الشّعب الحرّ، وضيّعت عليهم الكثير من "الفرص التّاريخيّة" في استكمال هدف التّحرير وتحقيق أحلام الشّهداء والمناضلين، باسم "تاريخ مزوّر" و"دولة مختطفة" و"ديمقراطية مزيّفة".".

"هدفنا هو أن نستعيد معًا دولتنا المختطفة ونبنيها مدنيّة على أسس الحرّية والدّيمقراطية والعدالة والمساواة، فتحتضن كلّ أبنائها، ولا تتسلّط فيها جماعة أو إيديولوجيا أو جهة على الآخرين. ولا تحتكر قيم المجتمع ولا تستخدم ثرواته لاحتكار السّلطة. فلا معنى لاستعادة الأرض دون استعادة الإنسان، في جوهره، و قيمه، وتعدّد مرجعياته و أشواقه".

مثقفون جزائريون: هدفنا هو أن نستعيد معًا دولتنا المختطفة ونبنيها مدنيّة على أسس الحرّية والدّيمقراطية والعدالة والمساواة

من هنا يقول أصحاب البيان: "نرفض الاستمرار في مهزلة الدّيمقراطية المزيّفة، ونرفض دولة العسكر والعمائم والجهويّات المقيتة ومشعوذي التّاريخ المزوّر". وطالبوا بـ"انتخاب "مجلسٍ وطنيٍّ تأسيسيٍّ، مَهمّته وضع دستور ديمقراطيّ وعرضه على استفتاء شعبيّ حرّ. وتحضير انتخابات رئاسيّة وبرلمانيّة وإنشاء الهيئة الوطنيّة للعدالة والمصالحة".

اقرأ/ي أيضًا: فشل المعارضة في تحديد مرشّح توافقي يحرك الشارع الجزائري

لم يفلح الطّرفان، في ظلّ حرارة الموقف وحساسيته، في احترام أبجديات الحوار وتبادل الأفكار والرّؤى، خاصّة في موقع التّواصل الاجتماعيّ فيسبوك، إذ كانت نبرة التّخوين بادية في معظم التدوينات والرّدود، بما يؤشّر إلى أزمة النّخب الجزائريّة التّقليدية، التّي يحكمها العجز عن خلق حالة من النّقاش المحكوم بالأفكار لا بـ"النّار".

 

اقرأ/ي أيضًا:

السلميّة سيدة موقف الجزائريين ضد عهدة خامسة لبوتفليقة

ما يحدث في الجزائر.. واقع أم منام؟