11-يوليو-2016

أستور بانتاليون بيازولا (Getty)

أستور بانتاليون بيازولا أحد أشهر موسيقيي القرن العشرين ولد في 11 آذار/مارس 1921 في مدينة مار دي بلاتا، مقاطعة بوينوس آريس، الأرجنتين. درس أستور بيازولا الموسيقى الكلاسيكيّة وأعاد تقديم التانغو بشكلٍ معاصر عن طريق إدخال تعديلاتٍ إيقاعية مأخوذةٍ من الموسيقى الكلاسيكيّة والجاز. 

بيازولا: لستُ ضدّ التانغو، ببساطة أملك نظريتي الخاصة التي تتمثل في صنع موسيقى مختلفة

في 1993، فاز أستور بيازولا بجائزة غرامي عن مقطوعة "أوبليفيون" عن فئة أفضل لحن عالمي. اليوم في ذكرى وفاته سنتعرف من خلال هذا الحوار الذي أجراه الصحفي المكسيكيّ غيجيرمو بيريس على بعض من آرائه ومواقفه كأرجنتيني أولًا ثم كموسيقيٍّ أراد تغيير ما هو سائد على الرغم من العقبات والانتقادات التي وجهت لمنهجه وفنّه المعروف عالميًا.

اقرأ/ي أيضًا: غطفان غنوم: كانت سوريا بلدًا بلا أكسجين

  • مايسترو بيازولا أنت معروفٌ كملك التانغو، ومع ذلك، يبدو أنّك ضد التانغو بنوعه الكلاسيكيّ على الأقل، هل هذا صحيح؟

لا، ليس صحيحًا لستُ ضدّه، ببساطة أملك نظريتي الخاصة التي تتمثل في صنع موسيقى مختلفة. المشكلة أنّه في الأرجنتين يمكن تغيير كل شيء عدا التانغو، ويوم خطر لي التغيير في هذا المجال كان ذلك بمثابة ثورة. كان التانغو يُعتبر بمنزلة الدين، تكرارٌ دائم لذات الفعل ضمن حلقةٍ مغلقة لا يمكن الخروج منها. واجهتُ صعوباتٍ كثيرة عندها ومازلت حتى هذا اليوم، لأنّ الناس لم تتغير، فالغالبية تُفضل المُسلّمات على عكس الأقليّة دائمة التفكير والبحث. 

  • إذن فأنت تكتب وتعزف لتلك الأقلية التي تعمل عقلها وتبحث عن التغيير، مدركًا تبعات ذلك ووقعه على الشريحة العظمى لجمهورك.

حسنًا نعم، عليُّ أن أجازف في هذا وأن أمتلك الشّجاعة لقوله، عدا عن ذلك فقد مرّ بلدي بأزماتٍ عديدةٍ أدّت إلى تراجع القطّاع الثقافي حيث وصل إلى مستويات هابطة جدًا خلال العشر سنواتٍ الماضية، فكان عليَّ أن أفعل شيئًا، وإن تابعت في ذات الاتجاه الذي تنتهجه الغالبية سأجد نفسي مطواطئًا في ذلك. أعتقد أن لي شعبيتي ومحبّيي في بلدي، خاصة من فئة الشباب الذين يدعمونني، تلك الفئة التي لا يعجبها القديم والمكرّر، وأعتقد أن مشكلتي الأساسيّة هي أنّني ضدّ كلّ ما هو سهلٌ ومكرّر، إذ إنه من السهل عزف مقطوعاتٍ مثل "التشوكلولاتي، لا كومبارسيتا وأديوس موتشاتشوس.. إلخ"، فجميعها ألحانٌ كُتبت منذ أربعين عامًا هي جميلةٌ جدًا بلا شك، ولكنّنا الآن في العام 1984 ولا يمكن عزفها فهي قديمة، كما أن اللغة قد اختلفت وعليّ أن أضفي لغةً مختلفة إلى الموسيقى لتواكب الشباب الذين يستمعون لمايكل جاكسون كما كانوا سابقًا مع البيتيلز، لكنهم ما زالوا يستمعون أيضًا إلى بيازولا وليس للتانغو القديم لأنّه لا يخاطبهم بلغتهم.

  • يبدو أنّ لديك ميلًا في بعض المناسبات، كما لدى خورخي لويس بورخيس، بانتقاد السلبيات لدى الأرجنتيين. تقول مثلًا: "ليس صحيحًا بأنكم الأفضل عالميًا في كرة القدم كما أنّ لحمتكم ليست الأفضل، فاللحمة أرخص في كندا".

بيازولا: الذين يحطمون الأرجنتين هم الأرجنتينيون أنفسهم، أولئك الذين لا يعملون، المتعصبون لانتماءاتهم والمتعجرفون 

نعم لأنني أرجنتينيّ أقول هذا فلو كنت مكسيكيًّا أو تشيليًا أو حتى من الأراغواي لما فعلت، لدي كامل الحق في قول هذا وخصوصًا في هذه الأيام حيث نعيش حالة من الديمقراطيّة ونتمتع بالحريّة لقول ما نشاء. المجال الوحيد الذي تبرز فيه الأرجنتين عالميًا هو لعبة كرة القدم واللحمة، وخوان مانويل فانجيو (بطل العالم لخمس مرات على التوالي في سباق الفورمولا وان). لكن ذلك كله بلا فائدة، فالمنتخب الوطني يخسر بشكلٍ مستمر بعد فوزه في عام 1978 خلال حكم العسكر. لماذا يتحدثون دائمًا عن اللحمة! يقولون بأنّ لدينا أجود أنواع اللحوم على مستوى العالم، لقد أكلت لحمةً ألذ وأرخص بكثير في كندا! ومع ذلك فأنا لا أريد الإساءة للأرجنتين، فبذلك أكون كمن يسيء لأمّه، لكنني أتكلم عن سلبيات الناس التي تعيش على أرضها فالذين يحطمون الأرجنتين هم الأرجنتينيون أنفسهم، أولئك الذين لا يعملون، المتعصبون لانتماءاتهم والمتعجرفون الذين يعتقدون بأنهم الأفضل في العالم.

اقرأ/ي أيضًا: وودي ألين: الحياة برمّتها أمرٌ تراجيدي

  • أنت كأرجنتينيّ سافرت حول العالم وتعيش عمليًا خارج الأرجنتين، ربما تعلم بأن الصفة العامة للأرجنتينيين في أغلب دول العالم بأنهم متعجرفون. هل تعتقد بأن هذا بدأ بالتغير بعد حرب المالفيناس (حرب جنوب المحيط الأطلسي). كنت هناك خلال تلك الحرب ورأيت بنفسي ذلك التغيير، كانوا يقولون: "علينا أن نتغير، علينا الاعتراف بأنّنا لسنا الأفضل في العالم".

نعم، نقول ولكنّنا لا نفعل. ولا أعتقد بإمكانية التغير، الأمر الوحيد الذي أتمنى أن يتغير هو تلك المنافسة بين البيرونيستا (حزب العدالة الاجتماعية) والراديكاليين. اليمين المتطرف يريد تحطيم الرئيس ألفونصين، ويريدون انقلابًا آخر وإذا نجحوا في ذلك هنا سنخسر أيّ أمل في التغيير لأن الأرجنتين ستتحطم بشكلٍ كامل.

  • لديك آراءٌ حاسمة إزاء بعض البلدان، منذ قليل كنت تقول بأنك إن سافرت إلى أيِّ مكان وحاولت الدفع بعملة البيزو المكسيكيّ أو البيزو التشيليّ أو الأرجنتينيّ فستُرفض عملتك، أما الدولار ولسوء الحظ فيقبل دائمًا. بينما لو دفعت بالليرة الإيطالية فسيظنون على الفور بأنها مزورة.

حسنًا هذا ما يفعله الإيطاليون، في أحد المرّات تقاضيتُ أجر حفلةٍ أقمتها على مسرح روما عملةً إيطالية من فئة المائة ليرة، وعندما ذهبت لتصريفها في المطار رفضوا تصريفها لكونها من فئة المائة ليرة خوفًا من أن تكون مزورة، وفي باريس كذلك الأمر. أنا لا أختلق ذلك وهو ما زال يحدث حتى اليوم، جرب أن تعطي أحدهم عملةً إيطالية وسوف يبدأ بفحصها من كل اتجاه ويمكن أن يعضها ليتأكد أنها ليست من الخشب! كما أنّك لا تستطيع تصريف عملة البيزو الأرجنتيني في باريس مثلًا، ولا تصريف البيزو المكسيكيّ في بوينوس آيريس!

  • عودة إلى التانغو، ماذا يحتاج التانغو ليكون تانغو حقيقيًّا. في المكسيك قيل سابقًا أن التانغو هو "رثاء الرجل المخدوع"!

هذا ما يقوله البرازيليون أيضًا، ولديهم الحق لأنّ هذا فعلًا ما مثله التانغو سابقًا، ولا أريد للتانغو الحديث أن يكون على ذلك النحو.

بيازولا: لا يمكن أن أكون ضد موسيقى خوان سيباستيان باخ مثلًا فقط لأنه وجد في عام 1600، يجب إظهار الاحترام لمثل أولئك

  • إذًا، التانغو ليس بالضرورة أن يكون دراما؟

التانغو ليس بالضرورة أن يكون "بكّاءً" كما كان يقول بورخيس، يكفي أن نستمع إلى غارديل يُغني فلا مثيل له إنّه عظيم، ولكن إذا تفحصنا كلمات الأغنيات سنكتشف شيئا مؤسفًا حقًا، البعض منها وليس كلها، علينا تفحّص شكل المقطوعة الموسيقية آنذاك، كيف يمكن التظاهر بأنّ ذلك الشكل من المقطوعات يمكن أن يستمر إلى يومنا هذا! كيف سيتجرأ شابٌ في السادسة عشر من العمر على الخروج لرقص التانغو وسط انتشار الحمى التي واكبت ظهور "بلي هيلي والبيتيلز ورولين ستون ومايكل جاكسون"!
 
اقرأ/ي أيضًا: فيلم "خوليتا".. رحلة الصمت والقدرية

  • إذن فالتانغو التقليديّ البسيط ينتهي عندما يبدأ بيازولا؟ 

بالطبع لا سيبقى موجودًا إلى الأبد، فلن ننكر أن التانغو "أونو" هو غاية في الروعة، وكذلك بقية أنواع التانغو كلها مهمّة، لكنّها وُجدت يومًا وانتهى، لا يمكن أن أكون ضد موسيقى خوان سيباستيان باخ مثلًا فقط لأنه وجد في عام 1600، يجب إظهار الاحترام لمثل أولئك. لكنّني إذا استخدمت طريقته في نظم الألحان سأكون مغفلًا!

  • كان هنالك تعاونٌ بينك وبين غارديل وشاركته التصوير كذلك.

نعم صوّرت معه ومثّلتُ في الفيلم "يوم تحبينني"، وبالمناسبة لستُ قزمًا، فقد اعتقد الجميع بأنّني قزمٌ لقصري لكنّني كنت في الثالثة عشر حينها. 

  • اشتركت بأعمال أخرى مع غارديل؟

شاركت معه في عدة مسرحيات خلال إقامتي في نيويورك، وقد طردت عدة مرات من المسرح لكوني تحت السن القانونية، حيث لم يكن مسموحًا لي بالانضمام إلى اتحاد موسيقيي نيويورك.

  • محبو غارديل ومعجبوه يقولون بأنّ أغانيه أصبحت أكثر إتقانًا وجمالاً بعد التعديلات التي أُجريت عليها، هل تعتقد بقانونية هذا الفعل أم أنّه بمثابة تزييف للعمل الأصلي؟

غارديل المسكين لم يكن ليتوقع بأنه سيمتلك كل هذا العدد من الأرامل والورثة الذي يعتاشون من أعماله وأفلامه؟ سواء الأرامل الموجودات في المكسيك أم في كولومبيا وفنزويلا وبورتو ريكو وكوبا وكامل أمريكا اللاتينية، وفي الولايات المتحدة وإسبانيا، وحتى فرنسا. هؤلاء جميعًا يستخدمونه ويستخدمون ما أنتجه. كان محظوظًا بأن مات شابًا عن عمر يناهز الثامنة والأربعين، لو أنه مازال على قيد الحياة فأين سيغني؟ هذه هي المشكلة. المطربون الكبار في بوينوس آيريس يغنون في المطاعم! سيكون من المؤسف جدًا رؤية غارديل يغني في المطعم.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ميريل ستريب: أنا لست دومًا سعيدة

نيستاني.. فنان إيراني دخل السجن بفعل حشرة