16-ديسمبر-2018

بول أبي راشد، رئيس الحركة البيئية في لبنان (فيسبوك)

يتخبط  لبنان في أزماته الاجتماعية والاقتصادية، والناجمة بشكل أساسي عن سوء إدارة الطبقة الحاكمة، واصطفاف الكثيرين خلف زعاماتهم الطائفية والمذهبية؛ فتغيب المحاسبة والمراقبة، ويعيث السياسيون فسادًا وهدرًا.

طفت إلى الواجهة في السنوات الأخيرة، الأزمة البيئية في لبنان والتي هي بالأساس انعكاس للسياسات الفاسدة

وطفت إلى الواجهة في السنوات الأخيرة، الأزمة البيئية التي هي بالأساس انعكاس للسياسات الفاسدة، مع ما يتفرع عنها من تلوث للتربة والماء والهواء، إلى مشاكل الصرف الصحي ومياه الشفة، وانتشار المواد الغذائية الفاسدة والمسرطنة، وصولًا إلى الجراثيم والأمراض المنتشرة في كل مكان، ما يهدد الأمن الصحي للمواطن بشكل جاد. وكشفت عديد الدراسات في هذا المجال، احتلال لبنان لمراكز متدنية في تصنيفات الأمراض الناجمة عن التلوث.

اقرأ/ي أيضًا: حراك لبنان.. كثرة حركة بلا بركة

وبرز بشكل خاص ما عرف بـ"أزمة النفايات " في العام 2015، على خلفية قيام أهل بلدة الناعمة بإقفال مكب النفايات الموجود في بلدتهم، بعد مماطلة الدولة في إيجاد بديل عنها، وعدم التزامها عدة مرات بالمهل الزمنية المعطاة للأهالي، لإيجاد حل للمكب الذي حول حياتهم إلى جحيم.

أقفل الأهالي المكب الذي كان يستقبل نفايات بيروت وجبل لبنان، فغرقت العاصمة بالنفايات المتكدسة على جوانب الطرقات، فدعا نشطاء السوشال ميديا إلى تظاهرات اتسعت دائرتها مع الوقت، وعرفت باسم الحراك المدني، في تجربة رائدة آنذاك، لم تصل إلى خواتيمها السعيدة بسبب ظروف عديدة ومتداخلة.

الحركة البيئية اللبنانية
شعار الحركة البيئية اللبنانية

التقى "ألترا صوت" بالناشط البيئي بول أبي راشد، رئيس الحركة البيئية اللبنانية، والتي ينضوي تحت مظلتها أكثر من 60 جمعية ومنظمة معنية بالأمور البيئية.

وتهدف الحركة بشكل أساسي إلى تسليط الضوء على القضايا البيئية الكبرى، والتي تحتاج إلى تضافر جهود أكبر عدد ممكن من الجمعيات والمنظمات، كالوقوف في وجه المحارق، وردم البحر، والصيد العشوائي، وغير ذلك. كما أن الحركة تنظم ورش عمل وندوات تثقيفية لتسليط الضوء على المخاطر البيئية، وتوعية المواطنين للتصرف بوعي بيئي والعمل على الحفاظ على الموارد الطبيعية.

محارق النفايات والفرز من المصدر

كان مجلس النواب اللبناني، قد أقر مشروع قانون لإنشاء محارق للنفايات. ونال المشروع أصوات الغالبية العظمى من النواب، غير أن الحركة البيئية المدنية في لبنان تعترض على القانون. ويوضح أبي راشد ذلك، بالإشارة إلى المخاطر الجمة البيئية والصحية التي ستنجم عن إنشاء المحارق.

في المقابل ترى الحركة أن الحل الأمثل لمعالجة أزمة النفايات، هي "ثقافة الفرز من المصدر"، كما يقول أبي راشد، مشيرًا إلى أن هذه الثقافة لا تتوفر اليوم لدى المواطن اللبناني، مؤكدًا أنها "بحاجة لحملات توعية وتثقيف مصحوبة بإجراءات تحفيزية للمواطن، على أن تصحبها جهود البلديات والمنظمات البيئية". 

حتى الوصول إلى هذه المرحلة، فالحل الأنسب اليوم، بحسب أبي راشد، هو إنشاء معامل معالجة للنفايات وفرزها والاستفادة منها على الشكل التالي :

  • تحويل فضلات الأطعمة التي تشكل حوالي أكثر من نصف كمية النفايات في لبنان؛ إلى أسمدة ومن ثم الاستفادة منها في مجال الزراعة.
  • إعادة تصنيع بقايا البلاستيك، والتي تشكل حوالي 35% من الكمية الإجمالية، وبيعها للمصانع.
  • تدوير الورق والكرتون وبقايا الأنسجة، والتي تشكل 10 %، والاستفادة منها مرة أخرى.
  • تحويل الـ5% الباقية، والمؤلفة من أعقاب السجائر والمناديل الورقية وما إلى ذلك، إلى وقود بديل، واستخدامها في المصانع.

مياه الليطاني غير صالحة لأي شيء

ومن أبرز الكوارث البيئية التي تقض مضاجع اللبنانيين في السنوات الأخيرة، هي تلوث نهر الليطاني، النهر الأطول في لبنان، والذي يؤمن جزءًا كبيرًا من مياه الشفة والري، إضافة للمشاريع والسدود التي تٌنشأ على ضفافه.

نهر الليطاني
يعاني نهر الليطاني، كارثة بيئية محققة

أما الأسباب الرئيسية لتلوث مياه الليطاني، فهي بحسب أبي راشد: المرامل والكسارات ونفايات المصانع، وتحويل بعض القرى لشبكات صرفها الصحي نحو النهر، إضافة إلى النفايات وبقايا الأطعمة. 

وأشار أبي راشد كذلك إلى أن هذا كله إنما يحدث في ظل غياب دور الدولة في حماية ثروة الليطاني. "في الوقت الذي نعيش في عالم قد تنشب فيه حروب بهدف السيطرة على الثروات المائية، يلوث اللبنانيون مياههم بلا حسيب ورقيب"، يقول أبي راشد.

الحراك المدني في 2015.. الحلم الذي أُجهض

وعن الحراك المدني في 2015، يقول أبي راشد، إن "عوامل عديدة حالت دون وصول الحراك إلى النتائج المرجوة، كما أن الأحزاب نجحت في تسييس الحراك، وتحويل مساره عن أهدافه الرئيسية".

غير أنه مع ذلك لا يعتبر أن الحراك فشل، وإنما "شكل شرارة الانطلاق للكثير من التحركات التي جرت لاحقًا في قرة ومدن عديدة، في وجه مشاريع مضرّة بالبيئة وتهدّد الأمن الصحي للمواطنين".

ويخلص أبي راشد إلى أن الحراك المدني في 2015، ساهم في تعزيز الوعي البيئي لدى المواطنين، وشجّعهم على فكرة اللجوء إلى الشارع للمطالبة بحقهم ببيئة آمنة وصحية، ومواجهة أي مشروع سيجلب الأمراض والتلوث إلى مناطقهم.

بول أبي راشد
يؤكد بول أبي راشد أن الحراك المدني اللبناني في 2015 لم يفشل

ويأخذ أبي راشد على وسائل الإعلام "دورها السلبي في مواكبة الشأن البيئي، وغياب البرامج التثقيفية والتحفيزية للمواطنين، وتشجيع الفرز من المصدر والمحافظة على الموارد الطبيعية"، ملمحًا إلى تواطؤ ضمني بسبب المصالح المشتركة بين وسائل الإعلام وبين أصحاب المشاريع الذين يقفون وراء المناقصات والمشاريع المشبوهة، والذين لا تناسبهم الحلول العلمية والصحية، لأنها لا تتواءم مع مصالحهم.

ختم بول أبي راشد حديث لـ"ألترا صوت" بالتأكيد على أن الحركة البيئية "لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء المخاطر التي تحيق بالبيئة، جراء تقاعس الدولة وإهمالها وتواطئها"، مؤكدًا أن "العمل سيستمر في المستقبل وبشكل أكثر فعالية".

ساهم الحراك المدني في 2015 في تعزيز الوعي البيئي لدى المواطنين، وشجعهم على فكرة اللجوء للشارع للمطالبة بحقوقهم

وتجدر الإشارة إلى أن الحركة البيئية في لبنان، وضعت خطًا ساخنًا في تصرف المواطنين، يتيح له التبليغ عن أي ضرر بيئي في مناطقهم، بسبب العوامل  الطبيعية أو بسبب إقامة المشاريع، وتتولى الحركة متابعة القضية مع الجهات المعنية، وتقترح الحلول العلمية لمعالجتها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

النفايات مجددًا في لبنان.. أهلًا بالأمراض!

الحكومة والنفايات.. روائح الموت تنتشر