28-مارس-2019

النائبة البرلمانية اللبنانية بولا يعقوبيان (يوتيوب)

يحتار المرء في أمر النائبة البرلمانية اللبنانية بولا يعقوبيان، في أي خانة يجب تصنيفها: هل هي ضد الفساد أم معه؟ هل تدعم الفاسدين أم تعارضهم؟ وهل هي مناصرة للطبقات الكادحة أم مناصرة للأغنياء، أم للاثنين معًا.

يحتار المرء في تصنيف البرلمانية اللبنانية بولا يعقوبيان، فهي كل يوم في شأن. إنها النائبة الضائعة في لعبة السياسة اللبنانية

يحتار المرء مع هذه النائبة، فهل هي مجتمع مدني أم مع قوى 14 آذار، أم مع الممانعة، أم تنتمي لحزب سبعة. يكاد يعجز المرء عن تصنيف خطابها إن كان ليبراليًا أم يساريًا، ويخيل إلي أن بولا يعقوبيان هي نفسها لا تعلم حقيقة نفسها.

اقرأ/ي أيضًا: رواتب الساسة في لبنان.. أرقام فلكية في بلد على شفا الهاوية

إنها أقرب ما تكون إلى الرمال المتحركة، أو أي مادة هلامية يصعب الإمساك به. إنها النائبة الضائعة في لعبة السياسة اللبنانية، وهي كغيرها من النائبات والوزيرات في ميدان العمل السياسي في لبنان، يشوهن صورة المرأة في السياسة أكثر من إفادتهن لقضايا النساء، ولنا خير مثال في النائبة رولا الطبش وغيرها.

يعقوبيان صاحبة الخطابات الانفلاشية، وهي الآتية من عالم الإعلام، تكاد لا تستطيع التحرر من مهنة ودور الإعلامية، إذ أن كثرة إطلالاتها وأحاديثها التي تشي بالجعجعة والطحن من غير طائل، ويصح القول فيها "من كل وادي عصا".

تارة تخرج كمحاربة للفساد، وتارة توجه تحية لحزب الله عامود النظام اللبناني الطائفي الفاسد، وأحد أهم أركانه الحامين للمنظومة الفاسدة برمتها، وتارة تبرر للرئيس فؤاد السنيورة، ثم ترسل تحياتها "للمقاومين" على الجبهات من مسقط رأس السيد حسن نصرالله، وتوجه تحية للنائب نواف الموسوي.

يسألها الإعلامي: "سعد الحريري فاسد؟"، فتجيب: "إيه فاسد". يسألها إعلامي آخر: "سعد الحريري فاسد؟"، فترد: "لا مغلوب على أمره". يصح القول فيها "إجر بالساقية وإجر بالبور".

أما آخر صيحاتها في عالم السياسة والاقتصاد، إطلاقها لنظرية جديدة تقول: "الفساد يضرب الغني والفقير، وجيل الشباب اليوم من الأغنياء يحاربون آباءهم، فالجميع يتنفس ذات الهواء، والفرق فقط أن الغني لديه إمكانيات أكثر للعلاج!".

بهذه البساطة صاغت بولا يعقوبيان نظريتها حول الصراع الطبقي، وبهذه الخفة فسرت ألا صراع في الواقع بين الغني والفقير، بل مجرد محاربة لطواحين الهواء بين المواطنين وبين شبح الفساد المتمثل بالسلطة. ولكن من هي السلطة؟

برأيها لا فرق بين الغني والفقير إلا في تمكن الغني من الحصول على علاج أفضل، ولكن غاب عن بال يعقوبيان نتائج تفاوت الإمكانيات بين الأغنياء والفقراء المتمثلة في رفاهية أكثر وطبابة أفضل جودة وتعليم أفضل وآفاق أرحب وإمكانيات متاحة للوصول إلى الخدمات وفرص العمل.

تناست يعقوبيان أن التوريث السياسي سمة من سمات انتقال السطلة والثروة في لبنان، من الأجداد إلى الأبناء فالأحفاد، كما لم توجد حالات تذكر في التمرد الذي يقوده الأبناء ضد فساد آبائهم في السياسة والسلطة والمال.

في لبنان، كلب الزعيم يساوي زعيم، وابن الضابط ضابط، وابن السفير سفير، وابن الزعيم نائب ووزير. وبهذه السذاجة أطلقت يعقوبيان العنان للاوعيها بالحديث، فكان أن نطقت دون وعي منها بالمسلمة الأولى والأساسية والشعار الأكذب أو الأكثر جهلًا على الإطلاق: "الغني أخو الفقير". شعار يصلح ترديده في الأفران.

تدعم يعقوبيان نظريتها بالدليل التالي: "الغني يتنفس ذات الهواء كالفقير"، وعلى اللبنانيين الاقتناع بأن ذلك يكفي للإيمان بأن الفساد يصيب الأغنياء والفقراء على حد سواء.

حسنًا، إذا الأغنياء متضررون من الفساد، والرئيس سعد الحريري مغلوب على أمره، والرئيس السنيورة بات من الحقبة الماضية ويجب تركه وشأنه، وتحيا المقاومة، وما إلى ذلك، فمن أين يأتي الفساد؟!

يحتار المرء في إيجاد هدف من وراء نظريتها التاريخية المعاصرة، فلا يعثر سوى على محاولة لتبرير وجودها في طبقة الأغنياء. تريد تبرير وضعها الطبقي ليسمح لها بالنطق بلسان الفقراء.

لا تحدد بولا من تقصد بالأغنياء؛ هل كل الأغنياء متضررون من الفساد؟! كيف يمكن أن يكون الغني الفقير؟ من أين حصل الغني على ماله؟ هل الغني يدعم مصالح الفقراء أم يقف في وجه مصالحهم؟

لم تحدد بولا من هو الغني الذي يمكن له أن يكون مناصرًا لحقوق الطبقات الفقيرة والكادحة في لبنان؛ هل جمعية الصناعيين مناصرة للفقراء؟ هل جمعية المصارف ورجال المصارف من الأغنياء مناصرون للفقراء؟ هل القادة العسكريون بامتيازاتهم وحيادهم عن السياسة مناصرون للفقراء؟ هل أصحاب الكسارات مناصرون للفقراء أو حتى للبيئة؟ أليس كل هؤلاء من الأغنياء؟

لم تحدد يعقوبيان أن الأغنياء الواقفين ضد مصالح الفقراء هم العدو الأول للفقراء، والمسبب الأول للفساد، ولا يمكن تعمية الحقيقة بتلك الخفة التي تمارسها النائبة. من يقف في وجه حقوق الأساتذة، ومن يضرب الجامعة اللبنانية من أجل مصالح الجامعات الخاصة، ومن يستغل الفقراء بالمولدات الكهربائية وشركات شبكات الإنترنت؛ هؤلاء يأكلون لحوم الفقراء. لماذا لم تنتبه إلى أن من تنالهم الضرائب غير المباشرة ومن لا تؤثر فيهم من أصحاب الدخول المرتفعة؟

وحدهم الأغنياء الذين يدافعون عن حقوق ومصالح الفقراء، من يمكن لهم الوقوف في نفس الخندق، وهم قلة قليلة في بلد "كل من إيدو إلو".

مشكلة بولا يعقوبيان أنها تتحدث كثيرًا، وربما مشكلتها الأخرى في امتلاكها عزيمة ورؤية مثالية للسياسة في لبنان. مشكلة بولا ربما في أنها لم تتحطم رؤيتها للإصلاح ولا زالت تؤمن أن هناك إمكانية لمحاربة الفساد بالكلام، في الوقت الذي يعرف فيه الأطفال من هم الفاسدون لأن "حارتنا ضيقة"، لكن ما العمل؟!

ربما تكون يعقوبيان صادقة، لكن الصدق لا يكفي حين يكون مفصلًا على قياس مصالحنا، وهذا ما يمكن تسميته بـ"نصف الحقيقة" التي لا تسمن. يمكن أن تكون صادقة، لكنها جاهلة بطبيعة الصراع الطبقي، إذ لو كانت على دراية نظرية ومعرفية بأطر الصراع الحاصل لما أطلقت نظريتها "الغني أخو الفقر" لتبرير وضعها الطبقي.

تارة ترفع شعار "الكل يعني الكل"، وتارة تطلب من الجمهور أن يفند أعمال السياسيين كي لا يلحق الظلم ببعض الزعماء الذين لديهم أفضال على هذا الشعب وأعمال طاهرة في مكافحة الفساد!

في لبنان إما أن تكون مع الفقراء ضد الفساد كمنظومة متكاملة أو أنك في الجهة المقابلة، وهذا ما لا طاقة ليعقوبيان على تحمله

في لبنان من يريد محاربة الفساد عليه أن يقاطع المنظومة كلها، لم يعد هناك مجال للحلول الوسطية وسياسة التربيت على الكتف. إما مع الفقراء ضد الفساد تحت شعار "الكل يعني الكل"، وإما في الجهة المقابلة، وهذا ما لا طاقة ليعقوبيان على تحمله.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الفساد يلاحق المواطنين إلى قبورهم في لبنان

ضرائب "السلسلة" تخنق فقراء لبنان.. الحل من الشارع؟