12-يونيو-2022
بوك توك

ظاهرة "تيك بوك" اجتاحت العالم ووصلت إلى المستخدمين العرب (Guardian)

يشارك بعض الشبان من مستخدمي منصة تيك توك شغفهم بالكتب مع الملايين، ويعملون على نبش عناوين الكتب الكلاسيكية القديمة والتي يحبونها وعرضها على المنصة ومشاركتها مع رواد المنصة.

حصد هاشتاغ "بوك_توك والصفحات المخصصة للكتب على المنصة حوالي 46 مليار مشاهدة عالميًا

أما الهدف من ذلك فهو الرغبة في المساهمة، ولو بشكل غير واع ربما، في إعادة تشكيل عالم النشر من جديد وبسبل مبتكرة ومن خارج صندوق الأفكار التقليدية تمامًا. فالمنصة تتيح تحويل الكتب إلى شكل إلكتروني حيث يبتكر رواد المنصة أفكارًا جديدة ومواضيع كلاسيكية كانت مهملة فأعادوا إحياءها من جديد، وعلى المنصّة التي استخفّ بها كثيرون وشككوا في قدراتها على أن تقدّم أي محتوى إيجابي، وخاصة للشباب من جيل الألفية. 

ما هو بوك توك على تيك توك؟

بدأت القصة مع انتشار هاشتاغ #BookTok وهو زاوية لمحبي القراءة حيث يتم عرض فيديوهات قصيرة من قبل الشبان مستوحاة من كتب يحبونها. وتعتبر بوك توك مجتمع داخل منصة تيك توك يحتفل فيه الشبان بحبهم للكتب والقراءة. وقد حصد الهاشتاغ والصفحات المخصصة للكتب على المنصة حوالي 46 مليار مشاهدة عالميًا.

اقرأ هنا: عن الرجل الذي التهم القاموس

في استطلاع أجراه مركز Teen Reading التابع لجامعة ديكين في أستراليا، والمعني بمتابعة أحوال القراءة وإيجابيات وسلبيات وسائل التوصل الاجتماعي عند المراهقين، خلص الاستطلاع إلى أن "النتائج الأولية أظهرت أن 56% من المراهقين الأستراليين يستخدمون منصة تيك توك". وأشار إلى أن "16% فقط يتفاعلون مع المنشورات المتعلقة بالكتب على وسائل التواصل الاجتماعي"، واعتبر بأن هذه المجموعة الصغيرة من القراء "متحمسة للكتب والقراءة".

بوك توك

وأشار الاستطلاع أنه في المملكة المتحدة كانت نسبة القراءة عند المراهقين أقل مما هي عليه اليوم، وعزت السبب إلى الإغلاق بسبب وباء فيروس كورونا وإلى انتشار وسم "بوك توك" مما رفع معدلات القراءة لدى المراهقين بمعدل الثلث تقريبًا من رواد مواقع التواصل الاجتماعي.

يضاف إلى ذلك، أن خوارزميات تيك توك تعتمد على إعادة عرض المنشورات التي حازت إعجابات ومشاهدات ومشاركات من قبل الرواد مما وفر مجالًا رحبًا للقراءة والنشر بعدما حصد الهاشتاغ ملايين المشاهدات. وهذه الخوارزمية، بعكس الخوارزميات الموجهة التي تتبعها منصات أخرى، تسمح بإيصال المحتوى لأشخاص جدد وبالتالي تحفيزهم على القراءة وعرض محتوى جديد عليهم. وكذلك تسمح في خلق اتجاهات جديدة (تريندات) تلهم الشبان الأخرين وتؤثر في أنواع الكتب المقروءة وعرض العناوين المختلفة بطريقة "شبابية ومحببة" ومشاركة التقييمات والمراجعات والتوصيات المتنوعة بعد القراءة.

تواصل بين محبي القراءة

وبحسب الاستطلاع، تكمن أهمية هذا النشاط القرائي على تيك توك بالرغم من صغر حجمه مقارنة بالتريندات الأخرى في تشجيع الآخرين على القراءة وتحفيز متابعين جدد للانضمام إليها. يضاف إلى ذلك، ارتفاع الطلب بين الشبان على الكتب القديمة التي صدرت منذ سنوات مما جعل من العمر الافتراضي للكتب يطول بفعل الإقبال على قراءته من جديد بعد عرضه على منصة تيك توك.

الفتاة ميريل لي والتي تنشر على صفحتها المعنونة alifeofliterature في تيك توك، أشارت بالقول "بدأت القراءة من جديد بعد انقطاع ست سنوات وذلك عندما صادفت هاشتاغ بوك توك لأول مرة"، وذلك بحسب ما أورد موقع The Conversation البريطاني.

من عوامل الجذب أيضًا، أن وسم "بوك توك" يسمح بالتواصل مع محبي الكتب الآخرين، ويوفر فرصة نادرة خارج المدرسة للتعلم بين المراهقين في مجال الكتب والقراءة والثقافة. تندرج عملية المشاركة هذه على أنها تربية الأقران، وهي عملية يقوم فيها الشباب بتعليم أقرانهم شيئًا ما لديهم شغف مشترك به أو ربما شيء جديد كليًا عبر اكتشافه من خلال أقران آخرين. في هذا الصدد، توضح أحدى الفتيات من رواد المنصة والتي تستخدم حساب luzlovesbooks بالقول "لقد أنشأت حسابي الخاص بي على بوك توك لأنني كنت أتوق للعثور على تواصل مع الناس بشأن أمر أشعر بشغف كبير تجاهه وهو الكتب".

مساهمة في ارتفاع مبيعات الكتب الورقية

لم تقف الأمور عند هذا الحد من مشاركة أسماء الكتب والمؤلفين والملخصات والنقاش حولها، بل لقد بدأ أصحاب المكتبات والعاملون في مجال بيع الكتب إلى استخدام تي توك، والوسم الخاص بالكتب عليها، للتسويق لمنتجاتهم وكتبهم، حيث بدأوا بعرض فيديو لرفوف الكتب ولوائح الكتب التي يبيعونها مما زاد من نسبة التفاعل مع القراءة والكتب. مدير مكتبة ديموكس في سيدني في أستراليا، جون بايج، أشار إلى ارتفاع معدلات ارتياد المراهقين إلى مكتبته. يصرح بايج لموقع ذا سيدني موؤنينغ هيرالد بالقول "في السنوات التي قضيتها في صناعة الكتاب، شهدت على اتجاهات تظهر وتختفي، مثل ظاهرة انتشار قصص هاري بوتر أو الهوس بكتب الجريمة والرعب".

ويضيف بايج "لكن لم أر الكتب تباع بهذه النسبة بالطريقة التي هي عليها الآن خلال عقد من الزمان على الأقل"، ويشير الرجل إلى أن مبيعات الكتب المطبوعة في بريطانيا سجلت أعلى معدل لها العام الماضي 2021 مما يدل على مدى توجه المراهقين للقراءة وتأثرهم بوسائل التواصل الاجتماعي والعوالم الرقمية. وفي أستراليا، زادت نسبة مبيعات الكتب بحوالي 27% منذ العام 2019، ووصلت العائدات المالية قرابة 34 مليون دولار.

أسهم تيك توك في زيادة مبيعات الكتب في العديد من الدول مثل أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة 

وأما مديرة التسويق والعلاقات العامة في دار نشر هاشيت في أستراليا، أليشا فاري، فقد أوضحت بالقول "المميز في بوك توك أصالته، وذلك لأنه مكان يتم وضع جدول الأعمال فيه من قبل المستخدمين وليس من قبل العلامات التجارية الكبرى أو كبار الناشرين والمؤلفين، بحيث تتعذر القدرة على التلاعب بأذواق الناس وما يقدم لهم من ثقافة".

وفي ذات السياق، توافق الكاتبة سالي ثورن على ارتفاع مبيعات الكتب. وتشير إلى أن كتابها، The Hating Game كان يبيع 120 نسخة في الأسبوع، بينما تم بيع 1200 نسخة من كتابها في أسبوع واحد بعد عرضه على بوك توك من قبل مستخدمي المنصة الشبان. كتب أخرى استفادت أيضًا من هذا التريند مثل رواية آدم سيلفر حيث بدأ القراء بتصوير مقاطع فيديو قبل وبعد قراءتها والحديث عن مشاعرهم وتأثرهم بالرواية، بحسب ما جاء في صحيفة الغارديان البريطانية.

محتوى أسرع وأكثر سرعة!

بفضل تيك توك، أصبحت العديد من المؤلفات تعود للحياة وتنفض عنها الغبار بعد عرضها على المنصّة من قبل مستخدمين شباب تملؤهم الحيوية والحماسة. في هذا السياق، تقول مستشارة التسويق كات ماكينا في حديث مع واشنطن بوست: "هذه الفيديوهات المرئية القصيرة أضفت على الكتب بعدًا سينمائيًا لطالما كان الناشرون يحاولون الاستفادة منه والتسويق عبره لفترة طويلة". فالطريقة التي يتم إنشاء محتوى تيك توك بها تتميز بالسهولة والذكاء والجدّة مما يجعل الكتاب ينبض بالحياة من جديد مع هؤلاء المراهقين الذي يقدمون عصارة ما اكتسبوه من قراءتهم للكتب والاطلاع على محتوياتها. 

وقد نما التريند حول القراءة والكتب في تيك توك على نحو لافت وغير مخطط له في البداية، حتى أنها صارت مثل تريند "التحديات" التي تستقطب الجميع عبر وسائل التواصل الاجتماعي بين فترة وأخرى، وتحفز الجميع للمشاركة بها كي لا يفوتهم شيء مما هو متداول وآني ومثار جدل في المجتمع. وقد أثبت تيك توك تفوّقه في هذا المجال، فهو المنصّة الأكثر استهلاكًا من قبل الشباب الراغبين في وجبات معلوماتية قصيرة ومصورة لا تتعدى الدقيقة الواحدة، ويتصرّفون بناء عليها في كثير من الأحيان. 

فعلى سبيل المثال، في فيديو مدته نصف دقيقة، ظهرت على تيك توك فتاة تبكي وتقول "قصة الكتاب تحكي عن علاقة حب وخيانة وموت، إنها قصة امرأة ضحت بكل شيء لأجل الحب"، وهي تمسك بالكتاب ويسألها المتابعون عن العنوان والمؤلف أو رابط الشراء، وذلك لأن المقطع ينجح بإثارة الفضول والرغبة في تجربة المشاعر التي تم التعبير عنها من قبل الآخرين. هذا واحد فقط من المواضيع المهمة والرائجة، ولكنها ليست الوحيدة، فقصص الأطفال والقصص الساخرة والقصص الخيالية وغيرها تحظى أيضًا بمشاهدات كبيرة.

بوك توك/كتاب توك عربي؟

للكتب العربية حصة في فيديوهات بوك توك القصيرة والتي حصد بعضها آلاف المشاهدات ومئات التعليقات حيث يتم عرض مجموعات من الكتب من قبل مستخدمي المحتوى العربي. عادة ما تترافق المحتويات المصورة مع مقطوعات أغان أو موسيقى وعرض لمحتوى الكتاب بطريقة سريعة وتعليقات من قبل منشئي المحتوى، حول مؤلفين عرب أو كتب عربية أو مترجمة إلى اللغة العربية، أو حتى بعض الكتب الأجنبية في بعض الأحيان. 

لكن إنشاء وبناء محتوى يمكن ملاحظة ومتابعة تأثيره عربيًا على مستوى معدلات القراءة ومشتريات الكتب لا يزال في بداياته، وهو بحاجة ماسّة إلى مستوى إنتاج وتفاعل أكبر وانتشار أوسع بغية خدمة أهداف القراءة والنشر.

ما يزال تريند القراءة على تيك توك في بداياته عربيًا، حيث ثمّة عدد محدود من الحسابات الرائجة والمؤثرة، كما أن دور النشر والمؤلفين العرب لا يستثمرون كثيرًا في تلك المنصّة

لكن بحسب ما هو ظاهر حاليًا فإن هذه الظاهرة الرقمية مرشحة للنموّ بين المستخدمين العرب، وربما الاستثمار بها من قبل دور النشر في المنطقة، بما تحمله من فرص كبيرة لتفاعل الشبان مع القراءة وشراء الكتب وتنمية ثقافتهم وتشجيعهم على اقتناء الكتب والتعامل معها في المستقبل القريب.