14-مايو-2016

بوعمران الشيخ

وري الثرى، الجمعة، جثمان الكاتب والباحث الجزائري المتخصص في الفلسفة وعلم الكلام بوعمران الشيخ (1924 - 2016) بعد عام من صراعه مع المرض طلب فيه من رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة أن يعفيه من رئاسة "المجلس الإسلامي الأعلى" أكبر هيئة مشرفة على التفكير في الشؤون الإسلامية في الجزائر، لكن الرئيس فضل الإبقاء عليه في منصبه.

لم يكن البروفيسور الشّيخ بوعمران رجلَ دين، رغم منصبه الأخير كرئيس للمجلس الإسلامي الأعلى، بل كان رجل أدب

حين نال بوعمران شهادة البكالوريا عام 1944 ثم شهادة الليسانس في الفلسفة عام 1948 ثم شهادة الدراسات المعمقة من "جامعة السوربون" عام 1956، كان من الطلبة الجزائريين القلائل الذين استطاعوا الوصول إلى هذا المقام العلمي، في ظل هيمنة فرنسية ترى في تجهيل الجزائر سبيلًا إلى البقاء فيها، وكان تخصصه في الفلسفة تحديدًا سابقة وسط تلك النخبة من الطلبة.

اقرأ/ي أيضًا: سلامة كيلة.. هكذا هي "التراجيديا السورية"

تقلد الرجل مناصب عديدة في حكومات الاستقلال، إلى جانب اشتغاله في التعليم بمختلف أطواره، منها منصب وزير الثقافة والاتصال عام 1991، ومنصب رئيس "اتحاد الكتاب الجزائريين" عام 1995، ومنصب رئيس "المجلس الإسلامي الأعلى" منذ 2001، وحافظ، رغم هذا الارتباط بالسلطة، على مسافة حرة للتفكير والاحتفاء بالمشاريع الفكرية الحرة، ففي كثير من مواقفه، وهو يدير "المجلس الإسلامي الأعلى" التابع مباشرة إلى رئاسة الجمهورية، كان يُحرج وزارة الشؤون الدينية والأوقاف، مما كان يدفع بالوزير إلى القول إنه ملزم برأيه وحده، كما كان يسمح في مجلة المجلس بالكتابة عن وجوه واتجاهات لا تجد قبولًا لها في المنظومة المكرسة.

جاء كتابه "مشكلة الحرية الإنسانية" عام 1978 في مفصل سياسي واجتماعي جزائري مفتوح على أسئلة الحرية والانطلاق تزامنًا مع رحيل الرئيس بومدين، وتزامن كتابه "الفكر الإسلامي: نظرة شاملة مع لويس غاردي" عام 1984، مع محاولة الحركات الإسلامية للهيمنة على الشارع الجزائري بكل ما ترتب عن ذلك من مخاضات عسيرة انتهت إلى تجربة العنف والإرهاب، أما كتابه "الأمير عبد القادر المقاوم والإنساني" عام 2001، فقد تزامن مع بداية انقشاع سحابة الإرهاب وبحث الجزائريين عن مرجعية يستندون إليها في بحثهم عن ملامحهم الضائعة بين التيارات الوافدة. 

هذا العمق في الطرح والاتزان في الرؤية والانفتاح على الثراء الفكري واللغوي في الجزائر، جعل صاحب كتاب "الجزائر المستعمرة عبر النصوص" يحظى باحترام الأجيال الجديدة والقديمة والمعربين والمفرنسين له. يقول الكاتب والإعلامي سعيد خطيبي في صفحته على فيسبوك: "لم يكن البروفيسور الشّيخ بوعمران رجلَ دين، رغم منصبه الأخير كرئيس للمجلس الإسلامي الأعلى، بل كان رجل أدب، أعاد لنا أدبًا كاد أن يضيع، من ذلك علي الحمّامي وروايته المهمّة «إدريس»، كان الشّيخ علمانيًا وفيًا لقيّم الجمهورية، وكانوا يمنعون عنه الظهور كي لا يزعجهم. وحده كان قادرًا على قطع ألسنة تجّار الدّين في الجزائر".

بوعمران الشيخ مثقف مسلم أتيح له أن يفتح عينيه على وضع استعماري لا يأبه بالخصوصية الثقافية للشعب الجزائري

من جهته قال الكاتب والباحث أحمد الدلباني لـ"الترا صوت" إن الفقيد ينتمي إلى نخبة جزائرية مكافحة على الأصعدة الشخصية والثقافية العامة. "فهو مثقف مسلم أتيح له أن يفتح عينيه على وضع استعماري لا يأبه بالخصوصية الثقافية للشعب الجزائري ولا بامتداداته الحضارية اللغوية منها والدينية". من هنا كان نضال بوعمران الشيخ على الصعيد الشخصي، بحسب محدثنا، أن يتدرج في التكوين الذاتي والتحصيل العلمي في الجامعة الغربية، وعلى صعيد النضال الثقافي بأن يشير إلى إمكانات العقلنة الغائبة عن الثقافة الإسلامية التي ورثت زمنًا ثقافيًا راكدًا كان مبررًا للاستعمار.

ويضيف صاحب كتاب "مفاتح طراودة": "لقد مثّل الراحلُ وجهًا بارزًا من أوجه الأنتلجنسيا الجزائرية التي حاولت تجديد النظر إلى الإسلام بعيدًا عن الكليشيهات الموروثة عن حقب الظلام. لقد نبه إلى عقلانية المعتزلة وابن رشد وكان نشطًا في محاولة ترسيخ قيم الحوار والتسامح الغائبة عن خطاب الإسلام الذي انجرف -بفعل مكر التاريخ- إلى انغلاق أصبح سمة عليه".
 
اقرأ/ي أيضًا:

تونس تودّع أولاد أحمد

مهرجان فاس للموسيقى الروحية يكرم "نساء مشيّدات"