26-ديسمبر-2019

يبقى جونسون أمام رهان تحقيق وعوده الانتخابية (Getty)

عقب الانتصار الكاسح الذي حققه، استطاع رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسن خلال الأيام القليلة الماضية تمرير اتفاقه مع الاتحاد الأوروبي بخصوص الانفصال، كأول نتيجة ملموسة لفوز المحافظين في الانتخابات البريطانية التي أجريت في 12 كانون الأول/ديسمبر، حيث حصل مشروع قانون الانسحاب على موافقة صريحة أولى في مجلس العموم، يوم الجمعة الـ20 من الشهر الجاري، باعتماد النص بأغلبية 358 صوتًا مقابل 234.

إن رفض أو عدم قدرة الحزبين البريطانيين الرئيسيين على شرح التحديات الملموسة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وإخفاء التبعات التي سوف تترتب على هذا الحدث، يعكس اهتزاز النظام السياسي البريطاني

ورغم ضرورة القيام بعدد من الإجراءات الشكلية كي يتحول هذا النص إلى قانون، فإنه من المتوقع أن تستمر هذه العملية حتى منتصف يناير/كانون الثاني، ويتوجب على البرلمان الأوروبي التصديق على معاهدة الطلاق في أواخر الشهر نفسه. وبالتالي،  فلا شيء يقف في طريق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في 31 يناير/كانون الثاني 2020، عند منتصف الليل بتوقيت لندن.

اقرأ/ي أيضًا: بريكست ما بعد فوز جونسون.. وضوح الشعبوية يفوز وغموض اليسار يخسر

 لحظة الحقيقة

لكنّ التحدي الذي يواجهه بوريس جونسون الآن هو في مكان آخر: يجب عليه أن يفي بالتعهدات التي أطلقها في سياق حملته الانتخابية، وأن يحدّ من أي آثار سلبية قد تحدث على اقتصاد البلد. لقد وعد جونسون يوم الخميس الماضي "بعصر ذهبي جديد" للبلاد، من خلال تمويل نظام الصحة العامة، والعمل على اتخاذ إجراءات إضافية لمواجهة الإرهاب، والحد من آثار الإضرابات على خدمات القطارات، وتأمين الإنترنت السريع للجميع، كما أنه شدد على ضرورة استئناف الحياة السياسية التي ابتلعتها "بريكست" لأكثر من ثلاث سنوات، من خلال حل "وزارة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي"، والتي تم إنشاؤها في عام 2016، رغبة منه في قلب الصفحة.

في الواقع، لا أحد يعلم كيف سيحقق رئيس الوزراء البريطاني هذه الوعود، وما الذي سيفعله  بالقوة الهائلة التي سوف يتمتع بها  لمدة خمس سنوات، خصوصًا وقد أصبحت يداه أكثر حرية بعد تخلصه من معارضة حزب العمال، حيث فضل ما لا يقل عن 32 نائبًا من حزب العمال (من أصل 203 في المجموع) الامتناع عن التصويت، وبالتالي لم يتبعوا زعيمهم  جيريمي كوربين الذي دعا إلى تصويت لا لبس فيه ضده، حتى أن ستة آخرين صوتوا لصالح اتفاق الطلاق، للسيد جونسون، مع الأخذ بعين الاعتبار توازن القوى الاقتصادي غير المواتي في العلاقة  مع الاتحاد الأوروبي،  فالاتحاد يمتص 47 بالمئة من الصادرات البريطانية، في حين أن المملكة المتحدة تستورد  فقط 7 بالمئة من صادرات الاتحاد.

الموقف على الضفة الأخرى

في أعقاب نتائج الانتخابات البرلمانية البريطانية، والتي حسمت بشكل قاطع طبيعة العلاقات المستقبلية بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، تحدث قادة بروكسل بشكل واضح عن معايير العلاقة المستقبلية بين الطرفين، حيث  قدموا موقفًا يمكن تلخيصه بأنهم مستعدون لإقامة العلاقة "أقرب ما يمكن" مع المملكة المتحدة، بشرط ألا تصبح منافسًا "غير عادل".

فقد حذرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل من أنه "سيكون هناك منافس على عتبة بابنا"، وقالت إنها "يجب أن تدفع الأوروبيين إلى التحرك لاتخاذ القرارات بطريقة أكثر سرعة وديناميكية"، مؤكدة على أن "اللحظة هي لحظة الوضوح". كما أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن "السؤال بالنسبة لأعضاء الاتحاد الأوروبي سيكون حول ضمان المنافسة العادلة والدفاع عن مصالحهم الاستراتيجية".

هذا الأمر سيؤكده أيضًا زعيم حزب العمال البريطاني، عندما اعتبر أنه من الضروري التصويت ضد الاتفاق الذي "سيؤدي  إلى اتفاقية (تجارية) سامة مع دونالد ترامب"، وهو أمر لم يخفه بوريس جونسون حين سارع إلى الاتصال مع الرئيس الأمريكي للتأكد من سريان مفعول التعهد الذي قطعه بخصوص الاتفاقية التجارية ما بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية.

تضارب في المواقف حول المفاوضات المقبلة

في الوقت الذي أدخل فيه بوريس جونسون تعديلات على الاتفاق الذي تم التصويت عليه في مجلس العموم البريطاني، وهو تعديل يقضي بعدم السماح بتمديد فترة المفاوضات حول اتفاقية التجارة الحرة، والالتزام بالمدة المحددة مسبقًا، أي نهاية عام 2020، يبدي الجانب الأوروبي تحفظه وتخوفه وعدم يقينه من إمكانية التوصل إلى هكذا اتفاق في الوقت المحدد، حيث تعتزم المفوضية الأوروبية إعداد تفويضٍ يفترض أن يكون جاهزًا في الأول من شباط/فبراير لتكون بمثابة خريطة طريق لميشيل بارنييه، كبير المفاوضين في الاتحاد الأوروبي. فهل سيكون لديه الوقت لعقد اتفاقية تجارة حرة، في 11 شهرًا، لواحدة من أكثر الاتفاقيات الأوروبية تعقيدًا وطموحًا؟

اقرأ/ي أيضًا: "بوجو" على رأس المحافظين البريطانيين.. بورتريه انتصار مؤجل

تعترف رئيسة المفوضية، أورسولا فون دير لين  أن "11 شهرًا فترة قصيرة للغاية"، الأمر الذي يستدعي ضرورة التعريف السريع "للأولويات" بالنسبة لأوروبا. يمثل عدم اليقين الطويل هذا خطرًا وإنذارًا، ويتمثل الخطر في رؤية المملكة المتحدة تتحول، عند أبوابها، إلى اقتصاد منافس يمارس سياسة الإغراق الجمركي والضريبي والاجتماعي والبيئي.

تعترف رئيسة المفوضية، أورسولا فون دير لين  أن "11 شهرًا فترة قصيرة للغاية"، الأمر الذي يستدعي ضرورة التعريف السريع "للأولويات" بالنسبة لأوروبا

إن رفض أو عدم قدرة الحزبين البريطانيين الرئيسيين على شرح التحديات الملموسة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وإخفاء التبعات التي سوف تترتب على هذا الحدث، والتي حجبتها مواهب رئيس الوزراء وتفكك المعارضة، يعكس اهتزاز النظام السياسي البريطاني باعتباره من أكثر الأنظمة الديموقراطية رسوخًا  في القارة، الأمر الذي يظهر من خلال وقوع  مفاتيح المملكة في يدي  رجل لم يخبرهم بنوع العلاقة التي يرغب في الحفاظ عليها مع القارة.