31-يوليو-2017

ترامب وبوتين على هامش قمة العشرين في هامبورغ (Getty)

أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمس الأحد أنه يتوجب على مئات الدبلوماسيين الأمريكيين مغادرة بلاده ردًا على سلسلة العقوبات الجديدة التي صوت عليها الكونغرس الأمريكي ضد موسكو، في خطوة تعيد للأذهان بدء فصل جديد من فصول الحرب الباردة بين البلدين، بعد أن كانت التوقعات تشير إلى تقارب رجل الاستخبارات الروسي والملياردير الأمريكي على خلفية القمة التي جمعتمها في مدينة هامبورغ الألمانية، على هامش قمة مجموعة دول العشرين.

بوتين ينتقم.. تقليص البعثة الدبلوماسية الأمريكية في روسيا

قال الرئيس الروسي بوتين خلال حديث تلفزيوني مع قناة "روسيا 1" إن بلاده انتظرت طويلًا من واشنطن إحداث "تغير إيجابي" في العلاقات الدبلوماسية بين البلدين إلا أنه "تبيّن أن ذلك لن يحصل"، مضيفًا أن "أكثر من ألف شخص (دبلوماسي أمريكي) كانوا يعملون ولا يزالون يعملون" في روسيا، وأنه على 755 دبلوماسي أمريكي مغادرة الأراضي الروسية في 1 أيلول/ سبتمبر القادم.

ردًا على العقوبات التي صوت عليها الكونغرس، بوتين يطرد الدبلوماسيين الأمريكيين

ويظهر أن بوتين – الذي يحكم روسيا بقبضة من حديد منذ عام 2000 –  قد نفد صبره من العقوبات الأمريكية التي طالت دبلوماسيين روس، ومؤسسات مالية وعسكرية وإعلامية مقربة من الكرملين عام 2014، بعد الاستفتاء الذي نظمه سكان شبه جزيرة القرم المطلة على البحر الأسود جنوب أوكرانيا، وأفضى بضمها لروسيا ما أدخل بوتين في صراع دبلوماسي مع الاتحاد الأوروبي وواشنطن.

اقرأ/ي أيضًا: المخابرات الأمريكية: بوتين أطلق حملة لدعم ترامب

وبدا المشهد الدبلوماسي بين قطبي الحرب الباردة مخالفًا للتوقعات بعد القمة التي جمعت الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره بوتين في هامبورغ الألمانية في وقت سابق من الشهر الجاري، وأثمرت وقتها عن توقيع اتفاقية لوقف إطلاق النار في جنوب سوريا، وإرسال موسكو قوات روسية لمراقبة الهدنة في المنطقة التي يقلق واشنطن تواجد مقاتلين من الميليشيات الإيرانية فيها.

لكن صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية قللت من حجم الرد الروسي معتبرًة أن الدبلوماسيين الأمريكيين الذي طلب منهم مغادرة روسيا أقل بكثير من الرقم المحدد بـ755 موظفًا في السفارة الأمريكية بموسكو، والقنصليات الأمريكية في مدن سان بطرسبورغ، وفلاديفوستوك، ويكاترينبورغ الروسية، وقالت إن أغلب الموظفين العاملين مع البعثات الدبلوماسية في روسيا يحملون الجنسية الروسية، ومهمتهم المساعدة في حصول المواطنين الروس على تأشيرات السفر للولايات المتحدة، والترجمة والأمور اللوجستية.

وجاء قرار بوتين الأخير بعد سلسلة العقوبات الجديدة التي وافق عليها مجلس الشيوخ الأمريكي بأغلبية ساحقة قبل أربعة أيام ضد روسيا، وذلك بعد أن تمت الموافقة عليها من قبل 419 عضوًا في الكونغرس وسط مخاوف من استخدام ترامب حق النقض لمنع العقوبات، غير أن البيت الأبيض بدد مخاوف أعضاء الشيوخ عندما قال في بيان إن الرئيس ترامب "يعتزم التوقيع على مشروع قانون يفرض عقوبات على روسيا وإيران وكوريا الشمالية".

وكانت إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما اتخذت إجراءات مماثلة نهاية العام الفائت عند أغلقت مجمعات تتبع للبعثة الدبلوماسية الروسية في ولايتين أمريكيتين، وطالبت 35 دبلوماسيًا روسيًا بمغادرة أراضيها بعد ظهور تقارير تشير لتلاعب موسكو بنتائج الانتخابات الأمريكية لصالح ترامب، إلا أن الكرملين رد على قرار واشنطن ببيان لم يحمل لهجة تصعيدية في محاولة لرأب الصدع بين البلدين حال وصول ترامب للبيت البيضاوي.

طبول الحرب الباردة تقرع من جديد

"إنه ينظر إلى محاوره بشكل ملائم ويجيب سريعًا على الأسئلة التي تطرح" بهذه الكلمات وصف بوتين شخصية ترامب في أول لقاء يجمع بين رئيسي قطبي الحرب الباردة التي كانت بداية نهايتها بتوقيعهما على معاهدة حظر الأسلحة النووية المتوسطة المدى لتي يتراوح مداها بين 500 و5,500 كم، وانتهت بانهيار الاتحاد السوفياتي وانفصال دول الكتلة الشرقية عنه عام نهاية كانون الأول/ ديسمبر 1991.

وصف ترامب بوتين، بعد أول لقاء، بأنه ينظر إلى محاوره بشكل ملائم ويجيب سريعًا على الأسئلة

وتعرض ترامب فور صدور التقارير الصحافية التي وصفت لقاء ترامب وبوتين بالإيجابية لانتقادات حادة من أعضاء في الكونغرس الأمريكي، وقال ترامب إن بلاده تتجه لإنشاء "وحدة أمن معلوماتي" مع موسكو لمنع أي تدخل مستقبلًا في الانتخابات، بيد أن تصريحات ترامب قابلها رئيس لجنة الشؤون العسكرية في مجلس الشيوخ جون ماكين بسخرية شديدة عندما قال: "أنا متأكد من أن فلاديمير بوتين يمكن أن يقدم مساعدة هائلة في تلك الجهود، لأنه هو نفسه الذي يقوم بالقرصنة".

اقرأ/ي أيضًا: ما الذي يريده بوتين حقًا من اتفاقه مع ترامب حول سوريا؟

وكانت التقارير التي نشرتها صحف أمريكية في وقت سابق من الشهر الجاري تتحدث عن لقاء جمع دونالد ترامب الابن عن لقاء جمعه مع صحفية روسية مقربة من الكرملين خلال حملة ترامب الأب للانتخابات الأمريكية، عززت من إمكانية ضلوع تدخل روسيا في قرصنة نتائج الانتخابات الرئاسية لصالح ترامب على حساب المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون التي تتخذ موقفًا متشددًا من السياسة الروسية، الأمر الذي من الممكن أن يصل لعزل ترامب من منصبه الرئاسي رغم أنه لا يزال مستبعدًا.

وحذر بوتين خلال حديثه التلفزيوني من أن بلاده قد تتخذ مواقف أكثر تصعيدًا في حال استمرت واشنطن بسياستها العدائية، وقال في هذا الصدد: "إذا حان هذا اليوم، فإننا قد ننظر في خيارات رد أخرى، ولكنني آمل أن ذلك لن يحصل. واليوم لا زلت معارضًا للوصول إلى تلك المرحلة"، ما يعكس نفاد صبر موسكو إزاء العقوبات الأمريكية، وأن انتظاره لإعادة بناء العلاقات الدبلوماسية المضطربة منذ 2014 انتهى.

موسكو تستعيد نفوذها العسكري دوليًا

وكشفت روسيا نهاية أيلول/ سبتمبر 2015 عن طموحها في اتباع نهج سياسة الكرملين التوسعية في الشرق الأوسط عندما أعلنت رسميًا دعمها للنظام السوري – حليف إيران – ضد فصائل المعارضة السورية، وساعد التدخل الروسي عسكريًا باستعادة النظام السوري السيطرة على مناطق واسعة كانت تحت سيطرة المعارضة السورية، وخلال عام 2016 قام رئيس النظام السوري بشار الأسد بإجراء زيارة إلى موسكو التقى فيها بوتين، وتعتبر الزيارة الوحيدة التي أجراها الأسد منذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية ضد نظام حكمه منتصف آذار/ مارس 2013.

ولأكثر من مرة انتقدت موسكو التدخل الأمريكي في سوريا معتبرًة أنه "غير شرعي" كونه جاء دون التنسيق المباشر مع النظام السوري، ورفعت موسكو من تهديدها للقوات الأمريكية في سوريا بعدما أعلنت حزيران/ يونيو أن أي جسم عسكري غريب في الأجواء السورية غربي الفرات ستعتبره هدفًا معاديًا ردًا على إسقاط مقاتلة سورية في المنطقة عينها من قبل مقاتلات التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، قبل أن تخف حدة التصريحات بين البلدين على أثر اللقاء الذي جمع بوتين وترامب.

ترامب ملزم بالتوقيع على العقوبات التي أقرها الكونغرس بحق روسيا، لينفي تهمة الدعم الروسي في الانتخابات الأمريكية

وفيما كانت التوقعات تشير إلى انفراج في العلاقات الروسية – الأمريكية بعد إعلان ترامب إيقاف برنامج سلفه أوباما لدعم المعارضة السورية المسلحة، جاءت العقوبات الجديدة لتفاقم من الخلاف بين البلدين، الشيء الذي يدل على أن ترامب ملزم بالتوقيع على قائمة العقوبات حتى يبدد من التقارير التي تتحدث عن تعاون حملته الانتخابية مع روسيا، وحصولها على دعم معلوماتي مكنه من الفوز بالانتخابات الأمريكية.

اقرأ/ي أيضًا: ترامب في السعودية.. ركضًا وراء المليارات وهربًا من الفضائح

كذلك فإنه لا يمكن فصل الموقف الإيجابي الذي تتخذه موسكو بخصوص الأزمة الكورية الشمالية – الأمريكية في الوقت الذي تثير نتائج تجارب البلد الشمالي للصواريخ الباليستية العابرة للقارات بنجاحها، وهاجم وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون قبل يومين روسيا متهمًا إياها بدعم بيونغ يانغ اقتصاديًا للبرنامج النووي الباليستي، وترتبط الخارطة الجغرافية في أقصى شرق روسيا بحدود برية مع البلد الشمالي.

ومن المتوقع أن تدعم موسكو جارتها الشمالية في حال تعرضها لهجوم محتمل تشنه الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية على منشآت نووية في بيونغ يانغ، فضلًا على أن روسيا ضمنت تواجدها في سوريا لخمسين عامًا قادمًا بعد توقيعها اتفاقيات مشتركة مع النظام السوري لإنشاء قاعدتين عسكريتين في مدينتي اللاذقية وطرطوس الساحليتين المطلتين على البحر المتوسط ما يزيد من نفوذها العسكري دوليًا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

كيف تحاول روسيا التأثير في الانتخابات الأمريكية؟

هل صممت المنظومة الأمريكية لتحمّل رئيس مثل ترامب؟