09-ديسمبر-2016

تشكل بواقي التصدير فرصة الغلابة الأخيرة لشراء ملابسهم (آشا كار/moment)

يعرف "الغلابة" من المصريين أن ما يريدونه من ملابس، صينية كانت أم محلية الصنع، غالبًا ما تكون سيئة، ولها آثار جانبية على الصحة بالإضافة إلى أنها لا تدوم طويلًا. يعرفون ذلك ويُقدمون على شرائها لأن ليس باليد حيلة. بالطبع يتمنون ارتداء ملابس جيدة وثمنها في متناول اليد، لكن هذا لا يحدث في بلد لا يعترف بـ"الغلابة" ولا يراهم، ولا يعنيه أن يرتدوا شيءًا إذا كان لا يهتم أصلًا برغيف الخبز. المصريون يستحقون حياة كريمة، يتمنونها ويتحايلون عليها حتى تتحقق لهم، ما إن يظهر أمامهم شيء يتوسّمون فيه الخير حتى يتمسّكوا به إلى آخر نفس محتمل.

يلجأ فقراء مصر إلى محلات بواقي التصدير لشراء ملابس أكثر جودة من المحلية الصنع رغم العلل فيها

المتابع للتغير الطارئ في أسعار الملابس في الأسواق المصرية سيلاحظ أن الأسعار الحالية يكتوي بنارها أكثر من 28% من سكان مصر، وهي النسبة الرسمية لفقراء مصر، وفقًا لإحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء. جولة سريعة على المراكز التجارية والمحال الخاصة ببيع الملابس كفيلة بإحداث صدمة كاملة، مهما اختلف المكان الذي تتجول فيه سواء كان القاهرة أو سوهاج في صعيد مصر.

في السنوات القليلة الماضية، انتشرت في الأسواق المصرية محلات، تعلن في نهاية العام بيعها ملابس "بواقي التصدير"، وهي ملابس خامتها جيدة وصناعتها راقية وألوانها رائعة، لا لشيء سوى لأنها في طريقها للتصدير للخارج. أصحاب المصانع يعلمون جيدًا أن المستورِد لن يقبل ببضاعة رديئة، وما يفيض من كميات الملابس المُصدَّرة يقوم أصحاب المصانع ببيعه للمحلات. في هذه المحلات، يمكنك أن تشتري "تي شيرت" جيد بما لا يتعدى 70 جنيهًا (حوالي 4 دولارات) أو تجد بنطلون "جينز" بسعر 90 جنيهًا (حوالي 5 دولارات)، في حين أنك لو اشتريت هذه الملابس من محلات أخرى ليست ببعيدة ستجد السعر مضاعفًا.  الإقبال على بواقي التصدير ارتفعت نسبته في الشهور الأخيرة، نظرًا لما بات يعانيه أغلب الأسر المصرية بعد القرارات الاقتصادية الغاشمة التي تقرّها الحكومة كل فترة، فالجميع يجد ضالته ويجد الذوق الذي يتمناه وبسعر في المتناول.

إقرأ/ي أيضًا: تجارب 3 دول دمر قرض "النقد الدولي" اقتصادها

سمير دياب، صاحب محل متخصص في بيع بواقي التصدير بمنطقة وسط البلد في القاهرة، يقول في حديثه إلى "ألترا صوت" إنه "يحصل على بضاعته من المصانع أو من مكاتب البيع بالجملة التي تقوم بشراء كميات كبيرة من المصانع وبسعر ممتاز ثم تقوم بتقسيمها وبيعها لأصحاب المحلات، كل حسب قدرته على الشراء واحتياجات منطقته". ويضيف دياب: "بخبرتي في هذا المجال منذ عشرة أعوام أستطيع معرفة احتياج زبون المنطقة التي أعمل بها".

ويشير دياب إلى "تميّز ملابس بواقي التصدير عن غيرها" ومعللًا ذلك بأربعة أسباب، "هذه الملابس متميزة عن غيرها، لأنها أولاً قطن 100% صحية وناعمة، وثانيًا لأن ألوانها ثابتة، وثالثًا أسعارها معقولة مقارنةً بالأسعارالمرتفعة حاليًا، ورابعًا أذواقها راقية بعكس الملابس الصينية أو المصرية العادية التي عادة ما يكون إنتاجها به نسبة كبيرة من الخيط الصناعي بالإضافة إلى أن الصبغة غير ثابتة وتبهت بسهولة". وملابس بواقي التصدير ، وفق دياب، أحيانًا ما تكون على درجات متفاوتة من الجودة، ولكن "الدرجة الثانية تكون واضحة جدًا، كأن يكون بها ثقب. وأحيانًا يلجأ صاحب المحل لشراء كمية درجة ثانية ويعرضها بخصم، ومن يقبل بالخلل يشتري. ولكن ذلك يرجع للمنطقة التي يقع بها المحل ولنوعية الزبائن".

تتميز ملابس بواقي التصدير بأنها صحية وناعمة وألوانها ثابتة وأسعارها معقولة مقارنة بأسعار أخرى في السوق

ويؤكد دياب أنه أحيانًا ما تكون التشكيلة محدودة حسب "طالب الخارج" أي حسب طلب الدول المستورِدة، فمثلًا قد يتفقون على 20 ألف قطعة ملابس من موديل معين فإذا لم تكن درجة لون الملابس هي الدرجة المتفق عليها يرفضون أخذ الطلبية، كما تنص بنود العقد، فيلجأ المصنع إلى بيعها للمكاتب المتخصصة والتي تبيعها بدورها لأصحاب المحلات. ويشير دياب إلى أن "نسبة الربح في هذه التجارة ليست كبيرة كما يتصور البعض نظرًا لحجم المنافسة وعدد المحلات التي تعمل في بواقي التصدير حاليًا، بالإضافة إلى أن غالبية الموديلات تتكرر في كل المحلات تقريبًا. ربما يكون هناك فارق طفيف في السعر تبعًا للمنطقة التي بها المحل، ولكن الرابح الأكبر في العملية هو مصنع الملابس"، يقول دياب. وبسؤاله عن سبب ذلك، يجيب دياب: "المصنع الذي يعمل في هذه المهنة يكسب مكاسب مهولة، ويحرص على ألا يخسر المستورد، فقد يعيد الطلبية بأكملها إذا اعترض عليها المستورِد، وهو المستفيد. كيف؟ يقوم ببيع ما رفضه المستورِد للمكاتب التي تبيعه للمحلات، والإقبال على هذه النوعية من الملابس مرتفع جدًا، والظروف الحالية للبلد كفيلة ببيعها جميعًا".

إقرأ/ي أيضًا: أهلًا بكم في جمهورية المتاريس!

الكلام ذاته يمكن أن تسمعه من الزبائن أنفسهم وفي مكان يبعد كثيرًا عن القاهرة، مثل السيدة نسرين أمين (37 سنة، موظفة في وزارة التربية والتعليم)، التي أكدت في مقابلة مع "ألترا صوت"، في أحد محلات ملابس بواقي التصدير بمحافظة المنوفية، أن "سوق الملابس أصبحت فوضى مثلما هي حال البلد ككل. لا وجود لقوانين تحكم السوق ولا وجود لرقابة على الأسواق، ولذلك تجد الفرصة سانحة للتجار الجشعين لاستغلال غياب الدولة وأجهزتها الرقابية. في مثل هذه الظروف، تكون بواقي التصدير فرصة مثالية لتدبير احتياجات الملبس بما يتوافق مع ميزانية الأسرة". وتكشف أمين عن أنها صارت في السنوات الأخيرة زبونة دائمة ووفية لمحلات بواقي التصدير، مرجعة ذلك إلى أن "البضاعة حلوة، والأسعار معقولة"، ولكنها لا تخفي شكوكها في ألا تستطيع مستقبلًا حتى الحصول على هذه الملابس "كل يوم الحكومة تخرج بقرارات وضرائب جديدة، حتى أصبحت العيشة لا تحتمل"، تقول أمين بنبرة غاضبة ويائسة.

ويرى خبراء اقتصاديون أن "القطاع الصناعي في مصر متناهي الصغر وفقير"، بل هو "لا يخضع للأسس العلمية في الإنتاج" ولا يستخدم الفنون التكنولوجية الحديثة، فغالبية أصحاب المصانع ليسوا على مستوى خبرة ولا علم ولا يعرفون المواصفات العالمية التي يجب أن تكون عليها صناعة الملابس. وهم حتى لا يهتمون بتدريب العمال في المصانع على استخدام أحدث الأساليب في الصناعة ولا على كيفية انتقاء الخامة المطلوبة. وبما أن التقدم في مجال صناعة الملابس يجتاج لجهد كبير ولتمويل ضخم، فإن المنتج المصري لا يستطيع الصمود حتى داخل بلده، بالإضافة إلى عدم قدرته على الوصول للأسواق العالمية.

يعاني قطاع الصناعة في مصر من عجز ولا يخضع لمعايير علمية في الإنتاج

في حديثه إلى "ألترا صوت" يقول هشام نوّار، أستاذ الاقتصاد في جامعة النهضة إن "ملابس بواقي التصدير التي تشهد مصر انتشار منافذ بيعها في السنوات الأخيرة تعد "لُقْطة" من حيث الخامة والمواصفات لأن تصنيعها يكون طبقًا للمواصفات الأوروبية، وكذلك من حيث السعر لأن المنتج (صاحب المحل) قد سبق وحقق أرباحه التي تتخطى 100% وبالتالي فهو يريد التخلص من الملابس التي تبقت لديه حتى لا يتحمل مصاريف تخزينها. والبيع هنا بالنسبة له وسيلة من وسائل التخلص من البضاعة".

ويشير نوّار إلى انعكاس ذلك على صناعة الملابس المصرية بقوله إن "ذلك يؤثر على سوق الملابس المصرية والعادية بشكل سلبي، لأن إنتاج الملابس بصفة عامة يخضع لقانون العرض والطلب، ولكنه في مصر في حاجة إلى تحديث وتطوير من ناحية، وتدعيم حتى تصبح الأسعار في متناول الجميع من ناحية أخرى. ويختم نوّار حديثه بالتنبيه إلى ضرورة معالجة الأسباب التي أدت بالمصريين إلى استجداء فائض ملابس التصدير بدلًا من توفير ملابس تناسب احتياجاتهم وتتوافق مع مستوى معيشتهم، الذي يبدو في مرحلة خطيرة بسبب الأوضاع الاقتصادية المتأزمة والسياسات الحكومية الفاشلة"، على حد تعبيره.

إقرأ/ي أيضًا:

لماذا لن يحل تعويم الجنيه الأزمة في مصر؟

تعويم الجنيه المصري.. خلفيات ونتائج القرار