31-أكتوبر-2022
بهاء طاهر

الروائي الراحل بهاء طاهر

"مات بهاء طاهر. كان من كوابيس جيلي الثقافية. لو جاملناه نقول: روائي متوسط الموهبة. استحل لنفسه جوائز كثيرة مُغتصبة ممن كانوا أحق".

بهذه الكلمات، هاجمت الكاتبة المصرية صافي ناز كاظم، الأديب الراحل بهاء طاهر فور وفاته يوم الخميس الماضي، وإنه لأمر معيب أن يصدر مثل هذا الفعل من كاتبة لها اسم وتاريخ ككاظم، ولكن المعيب أكثر كان التطاول والسب الذي طالها من جمهور القرّاء ومحبي بهاء طاهر، لإبدائها رأيًا خاب توقيته.

هاجمت الكاتبة المصرية صافي ناز كاظم الروائي بهاء طاهر فور وفاته يوم الخميس الماضي، فأثارت جدلًا كبيرًا بين قراء الراحل، ثم وجدت نفسها في موقف الدفاع والاستمرار في إساءتها

ومع تعرض كاظم للهجوم والسب من القرّاء، وجدت نفسها في موقف الدفاع لتستمر في إساءتها وتكتب بسخرية "لا يدهشني الإعجاب الهادر النازل على بهاء طاهر، فقد سمعت مرة أحدهم يقول: احنا من غير شادية ولا حاجة". وهكذا تسيء كاظم إلى فنانة راحلة أخرى لا علاقة لها بما يحدث ولا موقع لها من الإعراب.

ليس المعيب في كلام كاظم هو رأيها، ففي النهاية هو رأي يخضع للنقاش، وقد أرى أديبًا ما أعظم ما أنجبت الدنيا ويراه آخر أحط من أن يُقرأ له، تلك طبائع الأمور. فالكاتب الروسي العظيم ليو تولستوي، صاحب آنا كارنينا، إحدى كلاسيكيات الرواية العالمية، لم يقتنع بكتابات رائد المسرح وليم شكسبير، ولم يعترف به كأديب من الأساس. الأصل في الأشياء الاختلاف، ومساحة النقد والتسفيه متاحة في الأوساط الثقافية والأدبية.. إذن ما المعيب في كلام كاظم؟.

إن المعيب في كلام كاظم هو توقيت الكلام نفسه، وكأنها انتظرت أن يموت طاهر كي تصفّي الحسابات وتتطهر من سوءاته، ولو تجاوزنا عن التوقيت، فإن الهجوم نفسه جاء ساذجًا بلا نقد موضوعي وهي الناقدة الكبيرة، لا بأس أن ترى في طاهر روائي متوسط الموهبة، ولكن فلتشرح لنا كيف استحل لنفسه جوائز كثيرة مُغتصبة ممن كانوا أحق؟ هل منح الجائزة لنفسه؟

لعل الجائزة التي تعنيها كاظم هي الجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) والتي فاز بها طاهر في نسختها الأولى عام 2008 عن روايته "واحة الغروب"، وقيل في حينها من البعض أن الجائزة ذهبت إلى طاهر مجاملة تقديرًا لمجمل أعماله، ولكنها محض تكهنات في النهاية.

بشكل شخصي لي رأي في الجوائز الأدبية ليس محل توضيحه الآن، ولكن لا دور لطاهر في منحه جائزة ما، فكيف الاتهام باستحلال الجوائز واغتصابها؟

كانت رواية "تغريدة البجعة" للروائي والقاص مكاوي سعيد ضمن القائمة النهائية لجائزة البوكر في تلك السنة، وقلت كثيرًا في مناسبات مختلفة أن تغريدة البجعة أحق بالجائزة من واحة الغروب، خاصة أن واحة الغروب ليست أفضل ما كتب طاهر، ولكنه يظل رأي شخصي وللجنة التحكيم رأي آخر، حتى أن مكاوي نفسه لم يقل أي شيء مشابه عن المحاباة أو أحقيته للجائزة بعد خسارتها.

عندما ازداد الهجوم على كاظم، تحولت من مهاجمة طاهر إلى مهاجمة القرّاء، في سقطة أخرى لا يجب أن تقع فيها. كتبت كاظم "اللي خلف لم يمت حقًا. شاهدوا بأنفسكم كم السفالات التي تنهال من أتباعه. لا أندهش. هو سيدهم"، وأضافت بعد ذلك "مبسوطة لأن أتباعه أظهرت أظافرها القذرة حتى يعرف الجميع قدرهم"، واتهمت كاظم من يهاجمها بأنهم "لم يقرأوا بهاء طاهر، وأنهم حشرات زاحفة".

في سجن طره تحقيق، قرأت لبهاء طاهر روايات: واحة الغروب، الحب في المنفى، خالتي صفية والدير، وكتاب في مديح الرواية، كان طاهر رفيقًا في فترات كثيرة من ظلمات الزنزانة، مهوّنًا للأوقات العصيبة بما تصنعه كلماته من عوالم متجانسة من صنع خالق متدبر. واللافت في الأمر أن روايات طاهر تحديدًا على قلتها كانت ضمن الأكثر تداولًا -من بين الكتب القليلة المتاحة- بين المحبوسين في السجون التي سكنتها. هناك تميمة ما ربطت بين القرّاء في السجون على مختلف ثقافاتهم ومرجعيتهم وبين كتابات طاهر القليلة، لم يكن طاهر رفيقًا لي وحدي ولكن لكثيرين مثلي، وهذا يكفيه.