1. سياسة
  2. سياق متصل

بنك أهداف مختلف.. ماذا تريد إسرائيل وإيران من وراء هذا التصعيد؟

14 يونيو 2025
قصف طهران
رجال إطفاء إيرانيون في مبنى سكني مدمر نتيجة الهجمات الإسرائيلية على طهران (Getty)









عماد عنانعماد عنان

منذ فجر الجمعة 13 حزيران/يونيو، اندلعت مواجهة غير مسبوقة بين إسرائيل وإيران، استخدمت فيها تل أبيب الطائرات الحربية، وردّت طهران بوابل من الصواريخ والطائرات المسيّرة. وبينما يتسارع تبادل الضربات، تتابع دول المنطقة التطورات بقلق شديد، وسط مخاوف من اتساع دائرة المواجهة وتداعياتها الإقليمية والدولية.

وفي ظل هذا التصعيد غير المسبوق، تتزايد المخاوف الدولية من خروج المواجهة عن السيطرة، بعدما تجاوزت الحسابات التقليدية التي كانت تحكم الصراع بين الطرفين. وقد اتخذت التطورات الأخيرة مسارًا مختلفًا، ابتعد عن أدوات الضغط الدبلوماسي، سواء الناعم أو الصلب، ما يثير القلق من احتمالات الانزلاق نحو حرب مفتوحة قد تجر أطرافًا إقليمية ودولية إلى الانخراط فيها بشكل مباشر أو غير مباشر.

وبينما تهدد تل أبيب بسحق طهران بشكل كامل إذا ما استمرت في رشقاتها الصاروخية، يلوح قادة الجيش الإيراني بأن القصف لن يقتصر على العمق الإسرائيلي وإنما ستتوجه الصواريخ الإيرانية خلال المرحلة القادمة لضرب القواعد الأميركية في المنطقة، واستهداف أي دولة تحاول الدفاع عن "إسرائيل"، وهو ما يعني أن ساحة المواجهة ربما تتجاوز الجغرافيا المحدودة.

في ظل هذا التصعيد غير المسبوق، تتزايد المخاوف الدولية من خروج المواجهة عن السيطرة، بعدما تجاوزت الحسابات التقليدية التي كانت تحكم الصراع بين الطرفين

وفي الوقت الذي أعلنت فيه الولايات المتحدة دعمها الكامل لدولة الاحتلال في تلك المعركة، ومن خلفها فرنسا، دخلت باكستان، الدولة النووية المنتشية مؤخرًا بالتصدي للاعتداءات الهندية، على خط الأزمة، معلنة دعمها وتأييدها المطلق لإيران، تبعتها في هذا الموقف أفغانستان، لتتدحرج كرة النار خارج سياقها الضيق.

وتدخل كل من طهران وتل أبيب هذه الجولة الاستثنائية من المواجهات بأجندات متباينة، وبنك أهداف مختلف، يخضع لحزم من المقاربات والاعتبارات في ظل التطورات الأخيرة والتي دفعت كل طرف نحو التصعيد الإجباري في سياق صراع النفوذ الإقليمي والدفاع عن المكتسبات التي تحققت على مدار العقود الماضية.

تصعيد استثنائي

استيقظ الإيرانيون فجر الثالث عشر من حزيران/يونيو الجاري على عملية عسكرية إسرائيلية واسعة، حملت اسم "عملية الأسد الصاعد"، شاركت فيها أكثر من 200 طائرة مقاتلة من طرازات "F-15I " و" F-35" و"F-16I"، واستهدفت الغارات منشآت نووية مركزية، أبرزها موقع نطنز لتخصيب اليورانيوم، إلى جانب مقار أمنية وعسكرية حساسة في العاصمة طهران، ومواقع يشتبه بأنها تضم منظومات صاروخية تحت الأرض في عدد من المحافظات.

العملية لم تقف عند حاجز التدمير وفقط، بل وضعت هدفًا أخر أكثر حساسية، وذلك حين استهدفت عددًا من قادة الصف الأول في قيادة الجيش الإيراني والحرس الثوري، ممن شكّلوا على مدى عقود العمود الفقري للعقيدة العسكرية والسياسية للجمهورية الإسلامية، أبرزهم القائد العام للحرس، حسين سلامي، رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية، محمد حسين باقري، قائد مقر "خاتم الأنبياء" المشترك، وأحد أبرز المنظرين الاستراتيجيين في القيادة العليا للقوات المسلحة، غلام علي رشيد، والأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للأمن القومي، ووزير الدفاع الإيراني بين 1997 و2005، وأحد أبرز المهندسين السياسيين للربط بين المؤسسة العسكرية والدبلوماسية، على شمخاني.

الاستهداف طاول كذلك العقول النووية، التي وضعت اللبنات الأولى في بناء المشروع النووي الإيراني، على رأسهم الرئيس الأسبق لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية، فريدون عباسي دواني، ورئيس جامعة آزاد الإسلامية، محمد مهدي طهرانجي، نائب مدير منظمة الطاقة الذرية ومدير معهد أبحاث العلوم والتكنولوجيا النووية، أمير حسين فقيهي، عميد كلية الهندسة النووية في جامعة الشهيد بهشتي،عبد الحميد منوشهر.

وأمام هذه الضربة الموجعة بشكل ما عاد يجدي معه الصمت ولا الردود الدبلوماسية التقليدية استنادًا لاستراتيجية (الضربة مقابل ضربة)، كان لابد من الرد، رد يتناسب وحجم الضرر، وعليه تعاملت إيران مع تلك المواجهة كـ "معركة وجود لا حدود".

ومن هنا يمكن القول بأن التصعيد هذه المرة مختلفًا تمامًا عما كان عليه في السابق،  وذلك في ضوء عدد من المؤشرات، أبرزها الإيغال الإسرائيلي في استهداف قيادات الصفين الأول والثاني في الجيش الإيراني، الأمر الذي وضع النظام الإيراني في مأزق أخلاقي وسياسي كبير أمام الشارع داخليًا والمجتمع الدولي خارجيًا.

وجاء الرد الإيراني هذه المرة مختلفًا عن سابقاته، حيث حمل اسم "عملية الوعد الصادق 3"، واستهدف تل أبيب ومحيطها بأكثر من 300 صاروخ وطائرة مسيّرة، أُطلقت على ست موجات خلال ساعات قليلة. ويُعد هذا الهجوم مغايرًا في الشكل والمضمون عن الهجومين السابقين اللذين حملا الاسم ذاته تقريبًا: "الوعد الصادق 1" في نيسان/أبريل 2024، و"الوعد الصادق 2" في تشرين الأول/أكتوبر من العام نفسه.

وفي مقابل الخسائر الفادحة التي أوقعتها الهجمات الإسرائيلية في صفوف الإيرانيين، أسفرت الضربة الإيرانية عن نتائج غير مسبوقة، إذ استُهدف العمق الإسرائيلي بعشرات الصواريخ الباليستية لأول مرة، ما أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة 172 آخرين. كما دُمّر بالكامل تسعة مبانٍ في رمات غان وسط إسرائيل، وتضررت مئات المباني الأخرى، وتم إجلاء أكثر من 100 شخص من منازلهم المتضررة. ووصفت القناة 13 الإسرائيلية حجم الدمار في منطقة تل أبيب الكبرى بأنه غير مسبوق.

تجاوز التصعيد بين إيران وإسرائيل الإطار الجغرافي المباشر والمقاربات الدبلوماسية التقليدية، إذ باتت المعركة بالنسبة لطهران معركة وجود بالدرجة الأولى. وفي هذا السياق، لوّحت طهران باستهداف القواعد العسكرية لأي دولة تتدخل دفاعًا عن إسرائيل، وأبلغت رسميًا كلًا من باريس ولندن وواشنطن بنيّتها شن هجمات واسعة ضد إسرائيل، وتوسيع نطاق عملياتها الإقليمية. كما هدّدت بإغلاق مضيقي هرمز وباب المندب، وهو ما يشكّل تهديدًا مباشرًا لحركة التجارة العالمية.

إطالة أمد المواجهة كان هو الأخر عامل استثنائي في هذه الجولة، إذ لم يعد الأمر مقتصرًا على ضربة في مواجهة ضربة، سرعان ما تنقضي في غضون ساعات قليلة، كما حدث في المرتين السابقتين، إذ تشير التقديرات إلى احتمالية استمرار هذا التصعيد بتلك الوتيرة المتسارعة قرابة أسبوعين أو عشرة أيام، وهو ما يعني احتمالية تدحرج كرة النار واتساع رقعة الاحتراق التي قد تطال بعض الدول والقوى الإقليمية وفي القلب منها دول الخليج بطبيعة الحال.

بنك أهداف إسرائيلي يتجاوز المألوف

يُرجَّح أن يكون الهدف الأساسي لإسرائيل من استهداف إيران المتكرر هو تعطيل مشروعها النووي، أو على الأقل عرقلته في هذه المرحلة، تمهيدًا للتوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة يقيّد قدرات طهران النووية ويمنعها من الوصول إلى مرحلة امتلاك السلاح النووي.

لكن ومع اتساع نطاق الضربات الإسرائيلية وظهور مؤشرات على ضعف في منظومة الدفاع الإيرانية، التي سمحت للطيران الإسرائيلي بتنفيذ عمليات جوية متقدمة داخل العمق الإيراني، يبدو أن الأهداف الإسرائيلية تطورت لتتجاوز الملف النووي. فقد بدأت تل أبيب تركز على أهداف سياسية، من بينها زعزعة استقرار النظام الإيراني، عبر تغذية الانقسامات القومية، وتشجيع الشارع الإيراني على الخروج ضد النظام.

هذا التوجه ظهر بوضوح في تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي، الذي قال إن "الظروف مهيّأة لانتفاضة شعبية"، بينما دعا رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الإيرانيين صراحة إلى التظاهر لإسقاط النظام.

ومن خلال التصعيد مع طهران، تهدف تل أبيب لاستثمار المشهد لفرض شروطها في ملف قطاع غزة وتحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب على طاولة المفاوضات، كل هذا يقود في النهاية إلى هندسة شرق أوسط جديد، على المقاس الأميركي والبوصلة الإسرائيلية، شرق أوسط تكون فيه الهيمنة المطلقة لإسرائيل، وهو ما سيفتح الباب تلقائيًا أمام التطبيع الإجباري بعد تدشين معادلة قوى مغايرة تفرض فيها تل أبيب كلمتها على الجميع.

إطالة أمد المواجهة كان هو الأخر عامل استثنائي في هذه الجولة، إذ لم يعد الأمر مقتصرًا على ضربة في مواجهة ضربة، سرعان ما تنقضي في غضون ساعات قليلة، كما حدث في المرتين السابقتين

طهران ومساعي استعادة الردع المفقود

وعلى الجانب الأخر لم يكن لدى إيران أي رفاهية في الاختيار، حيث وضعتها إسرائيل في حجر زاوية ضيق، وقلصت أمامها كافة الخيارات، وأغلقت كل الأبواب إلا باب واحد ذو اتجاهين، إما الرد الانتقامي القوي والتعامل مع المشهد كمعركة وجود لا رد فعل، أو كتابة السطر الأول في وفاة النظام الإيراني وإشعال الشارع الداخلي.

وهذا ما أكد عليه الباحث في الشأن الإيراني، أسامة الهتيمي، الذي وصف الرد الإيراني بـ "الحتمي" حيث لا خيار أخر أمام نظام الإيراني الذي "يدافع عن رقبته في المقام الأول، ويسعى جاهدًا عبر تلك الضربات الصاروخية المتتالية لحفظ ماء الوجه، بعدما تحولت الجمهورية الإسلامية إلى ساحة تنزه أمام الطيران الإسرائيلي ومسرح عريض تعربد فوقه الاستخبارات الإسرائيلية كيفما شاءت".

ويضيف الهتيمي في حديثه لـ "الترا صوت" أن "قادة إيران بهذا الرد، الذي يبدوا للبعض استثنائيًا، يجهضون صدامًا مرتقبًا بينهم وبين الشارع، ويسعون جاهدين لترميم العلاقة المشوهة بين الإيرانيين والنظام، وهي العلاقة التي تعرضت لشروخات عدة خلال الآونة الأخيرة، بدءً من اغتيال قاسم سليماني في 2020 وحتى اليوم".

ورغم مقتل عدد من كبار القادة الإيرانيين في الضربة الإسرائيلية، اكتفى النظام الإيراني بخطابات حادة ووصفٍ للهجوم بـ"العدوان الغاشم"، دون اتخاذ خطوات انتقامية فورية. هذا الغياب لردّ فعل نوعي شجّع إسرائيل، وفق مراقبين، على مواصلة نهجها التصعيدي، خاصة بعد استهدافها قيادات من الصفين الأول والثاني في وقت واحد.

كلمات مفتاحية
دونالد ترامب

صناعة السجون: لماذا تحرص الشركات الخاصة على إبقاء الزنازين ممتلئة؟

تتّجه الولايات المتحدة إلى زيادة عدد السجون وذلك تحت ضغط الأعداد المتزايدة للنزلاء، حيث ارتفعت أعداد المعتقلين بشكل قياسي منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض واستئناف سياسة مكافحة الهجرة

سد النهضة

الانتهاء رسميًا من بناء "سد النهضة".. أي خيارات متاحة أمام القاهرة؟

في 29 حزيران/يونيو، أعلن وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي فشل مفاوضات "سد النهضة"، مؤكدًا تمسّك القاهرة بحصتها من مياه النيل واحتفاظها بحق الدفاع عن مصالحها المائية

ترامب ونتنياهو

لقاء ترامب ونتنياهو: الغموض الإسرائيلي يُعقّد طريق الهدنة في غزة

في ثالث زيارة له إلى البيت الأبيض خلال أقل من ستة أشهر، التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مساء الإثنين، الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في وقت تتسارع فيه التحركات الدبلوماسية للتوصل إلى هدنة في قطاع غزة، وسط استمرار العمليات العسكرية وتصاعد التوترات الإقليمية

المهرجان الوطني للفنون الشعبية بالمغرب (وزارة الثقافة المغربية)
فنون

اختتام الدورة الـ 54 للمهرجان الوطني للفنون الشعبية بالمغرب

حضور ملفت للجمهور المغربي في ختام الدورة 54 للمهرجان الوطني للفنون الشعبية بالمغرب

دونالد ترامب
سياق متصل

صناعة السجون: لماذا تحرص الشركات الخاصة على إبقاء الزنازين ممتلئة؟

تتّجه الولايات المتحدة إلى زيادة عدد السجون وذلك تحت ضغط الأعداد المتزايدة للنزلاء، حيث ارتفعت أعداد المعتقلين بشكل قياسي منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض واستئناف سياسة مكافحة الهجرة

سد النهضة
سياق متصل

الانتهاء رسميًا من بناء "سد النهضة".. أي خيارات متاحة أمام القاهرة؟

في 29 حزيران/يونيو، أعلن وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي فشل مفاوضات "سد النهضة"، مؤكدًا تمسّك القاهرة بحصتها من مياه النيل واحتفاظها بحق الدفاع عن مصالحها المائية

الذكاء الاصطناعي
تكنولوجيا

من الغش إلى الفهم.. ميزة جديدة من ChatGPT قد تغيّر طريقة التعلم

ميزة "الدراسة معًا" لا تعتمد على تقديم الإجابات الجاهزة كما هو معتاد في ChatGPT، بل تقوم بطرح الأسئلة على المستخدم وتشجعه على التفكير والإجابة بنفسه