بماذا رد نجيب محفوظ على استطلاع بشأن نوبل للآداب في الثلاثينيات؟
8 أكتوبر 2025
قد يتعجب القُراء إذا علموا أنّ واحدًا من أقدم السِجالات التي دارت حول أحقية كاتب أو شاعر عربي للفوز بنوبل للآداب بدأت في مرحلة مبكرة وتحديدًا في النصف الأول من القرن العشرين. فقد أوردت مجلة الهلال (نيسان/أبريل 1932) استطلاعًا للرأي بعنوان "هل بين أدباءنا من يستحق جائزة نوبل؟".
كانت الإجابة الأولى من نصيب شاعر القطرين خليل المطران الذي رأى أن الأديب في بلاد العرب مغبون حقه، ولا تهتم الحكومات لأمره ولا يحتفي الجمهور به. فإذا كان هذا حال الأديب بين أهله، فما بالنا بالأجانب؟ وذهب إلى أهمية أن تكون حياة الأديب رغيدة وميسرة قبل أن نشرع في التفكير بشأن نوبل.
لم يختلف الأمر كثيرًا بالنسبة إلى الأديب د. محمد حسين هيكل والذي رأى أن رجال التعليم في المدارس والجامعة يقع عليهم العبء الأكبر في إنصاف الأديب من عدمه، وكذلك ضمان وجود ناشرين يتحمسون للطباعة وإعطاء مكافآت مجزية مقابل النشر. كما أن الأدب على عكس الإنتاج العلمي، يقوم على تضحية رجاله. لفت هيكل الانتباه إلى نقطة جوهرية، ألا وهي الترجمة. إذ أن غياب الأدب المحلي المكتوب بالعربية عن لغات الأمم الأخرى يجعله بعيدًا عن أعضاء الأكاديمية، ناهيك عن عدم وجود أي أندية أو مراكز ثقافية مخصصة للأدباء من أجل احتواء نتاجهم الأدبي والفكري.
أما أنطون بك الجميل، فكان رأيه أنّ البلاد لم تحظَ بعد بذلك الأديب القادر على التعبير عن خلجات النفوس البشرية وشخصية أمته. فلا بد أن يكون الأديب أو الشاعر فذًا في نتاجه المكتوب، والذي يختلف عما قدمه الأقدمون والمحدثون. فلا شك أن شخصية الكاتب تلعب دورًا حاسمًا في نيله للجائزة. ويرى أن العلة ليست في شخصية الأدباء، إنما في تلك الأفكار التي ترّسخت في النفوس عبر أجيال وبيئات، مما يعيق من حركية الابتكار والتجديد.
اختتم صاحب الاستطلاع حديثه مع الأديب إبراهيم عبد القادر المازني والذي كان رأيه يخالف من سبقوه، حيث يعتقد أن الجائزة لا يجب أن تُعطى سوى لهؤلاء الذين مضى على وفاتهم خمسون عامًا. وذلك لأن المعاصرين لا يقدرون المعاصرين من الكُتّاب والشُعراء. وضرب مثالًا للشاعر توماس هاردي الذي توفي دون أن يحصل عليها، رغم استحقاقه لها. ولذا فالجائزة في النهاية يجب أن تكون من نصيب الورثة.
إن الحيادية يجب أن تكون هي المعيار الذي يحدد أحقية فوز هذا الكاتب أو ذاك من عدمه، دون اعتبارات أُخرى
قبل أن يحصل عليها نجيب محفوظ بعامين، كان الأديب د. يوسف إدريس قد أجرى حوارًا مع مجلة الهلال (أيلول/سبتمبر 1986) أعلن فيه أنّ كل من نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم أحق منه للفوز بها، لكنّه يرى أن الجائزة لن تُمنح لأي عربي سواء في الوقت الحالي أو المستقبل!
بعيدًا عن رأي إدريس، كان محفوظ نفسه قد تجاوب مع الأسئلة التي طرحتها مجلة الهلال في الماضي. إذ وجهّت إليه الكاتبة الصحفيّة ميرفت عبد التواب (الأهرام، 28 تشرين الأول/أكتوبر 1990) الأسئلة ذاتها.
اتفق محفوظ في الرأي مع مطران، لكنّه أشار إلى أن الجائزة لا يجب أن تكون غاية الكاتب أو الشاعر فالصدق يتنافى مع المكسب المادي.
وفي رده على هيكل قال محفوظ إنه محقّ، فلا بد للأديب أن يكمل موهبته بالثقافة والدرس لاستيعاب جميع الآثار العالمية، والاعتماد قبل ذلك كله على تراثه.
وعن شرط الجميل، قال محفوظ إنه كلامه ينطبق على واقع أيامهم فعمل الرواد كان شديد الخطورة، لكن ثماره لا تنضج إلا في أجيال لاحقة، وهذا ما حدث مع توفيق الحكيم. كما بدأ بعض الأدباء في التطوع إلى نقل هذه الآداب إلى لغات أُخرى.
واختتم محفوظ حديثه عن المازني بالقول إن الحيادية يجب أن تكون هي المعيار الذي يحدد أحقية فوز هذا الكاتب أو ذاك من عدمه، دون اعتبارات أُخرى. ولو كان المازني قد تفرّغ للفن والكتابة لكان من أعظم كُتّاب عصره واستحق الجائزة.