20-يناير-2023
 بلند الحيدري وديوانه

بلند الحيدري وديوانه

بلند الحيدري (1926 - 1996) شاعر عراقي، كردي الأصل واسمه يعني شامخ في اللغة الكردية.

أصدر بلند الحيدري ديوانه الأول "خفقة الطين" قبل أن يُصدر أي من روّاد الحداثة الشعرية المكرسين: السياب والملائكة والبياتي.. دواوينهم الأولى، إلا أن الدراسات النقدية والتاريخية التي تناولت الريادة الشعرية تجاهلت اسمه ودوره في ظلم واضح.

ومن المشهور قول السياب: "هناك شعراء أكن لهم كل تقدير وإعجاب، وعلى رأسهم بلند الحيدري الذي كان ديوانه خفقة الطين أول ديوان صدر من ثلاثة دواوين كانت فاتحة عهد جديد في الشعر العراقي هي عاشقة الليل لنازك الملائكة، وأزهار ذابلة للسياب".

ارتحل وعاش في دول كثيرة منها. من مجموعاته الشعرية: خفقة الطين، أغاني المدينة الميتة، حوار عبر الأبعاد الثلاثة، زمن لكل الأزمنة.


قلت لكم.. مرات.. مرات وأعدت مرارا

قلت لكم سيموت.. لقد.. مات.. لقد..

- مت جيفارا.. مت جيفارا

- قل يحيا

- من يحيا

- قل يحيا.. يحيا تروتسكي.. يحيا

مت.. يحيا.. مت.. يح

مت.. يحيا.. فارا.. تسك

مت.. يحيا.. فارا.. تسكي

*

ضحك تروتسكي

رزمت ضحكته الخرساء

شحنت في علب ملساء

ختمت

.. يحيا

.. يحيا

زارت كل مواني الدنيا

صارت في هذا الميناء

بيتا

صارت في عنف مدينتا قديسة حب

وفداء

ـ يحيا تروتسكي.. يحيا.. يحيا

بيعت في أقداح الويسكي

فشربنا نخب تروتسكي

وسكرنا

صرنا

أغنية

حانات قيثارا

لنغني في موتك جيفارا

يحيا.. مت يحيا.. مت

ـ قلت لكم سيموت.. لقد..

ـ كلا.. كلا

ـ قلت لكم سيموت.. لقد..

ـ إلا.. إلا.. جيفارا

يولد جيلًا جبارا

وسنعبد في البيت المحروق الموتى

وسنعبد حتى النار

كي نولد جيفارا

*

 

جيفارا يضحك خلف الباب الموصد

جيفارا يعبد

جيفارا يوقد في المعبد

قنديلا أسود

والناس تمر صغارا

وتمر كبارا

والجسد الموقد

يتململ في ضوء القنديل ظلالا

تلتف على الدنيا

يحيا.. يحيا

تبعث في أرض أشجارنا

تبعث في أخرى نارا

تبعث حينا رملا وحجارا

وتصير هنا

في حانة ضيعتنا قيثارًا مبحوحا

فجرًا مجروحا

وسكارى

مت.. يحيا

مت.. يحيا

*

 

مت.. يحيا.. مت.. يحيا

قلت لكم سيموت.. لقد مات..

- تروتسكي

- جيفارا

ـ كلا.. كلا..

ـ قرنكم العشرون.. وجهكم المجنون

ـ كلا.. كلا..

زرعونا في نقمة شمس ظهيرتنا ظلا

فبقينا في البيت الأول والثاني

في الثالث والرابع

في الخامس والسادس و.. و..

أطفالا مصلوبين على الجدران

وجه الانسان بلا انسان

*

 

طفت الحي

أسأل عن بيت امرأة يعرفها الحي

كل الحي

وطرقت الأبواب طرقت الأبوا.. بابا.. بابا

وكللت سؤالًا وجوابا

ما ردّ علي.. أحد

ودروب الليل تثرثر في الهجس

ولا تعد

أتعبكما يا رجلي

وتعبت وما صار لدي

أكثر من درب يلتف يثرثر في الهجس

ولا يعد

هل ابحث عن جيفارا..؟

كلا.. كلا.. قريتنا ماتت

هل يعرفني تروتسكي؟

كلا.. كلا

فمدينيه المهجورة في رحلة شمس

هربت كل شوارعها من بين أصابعي الخمس

هل ابحث عن مجنون

قال: أنا القرن العشرون

كلا.. كلا.. قال: أنا الحاضر

لا آت يحويني ولا أمس

زمن لا يمتدّ

ولا يرتدّ

ولا يغرق إلا في ظل منسي

كلا.. كلا

في وجهي شيء منه.. لكني لن أبحث عنه

كلا.. كلا فأنا غابات

أصنع من جذعي فأسي

أنا لا أسأل إلا عن بيت امرأة

يعرفها الحي كل الحي

يعرفها اللزج المتبقي في نفسي

أعرفها امرأة في الحي

وستبقى امرأة

يجتر مع الصمت مع الموت ليال العرس.