05-ديسمبر-2016

مناصران لحزب الله على مشارف الضاحية الجنوبية (هيثم الموسوي/أ.ف.ب)

لم تدخل فيروز عنوةً إلى الجامعة اللبنانية. ولم تتسلل إليها لتحكم قبضتها عليها بحكم "الأمر الواقع" فتفرض "شريعتها" وأحكامها التي تنهى وتبيح، تُحاسب وتُجزي. "حزب الله" فعل. وكذا تعبئته التربوية التي تنامت في كليات الجامعة الرسمية لتُهيمن عليها.

لم تهبط فيروز من السماء فجأةً لتدخل إلى أروقة الحرم. ولم تكن أغنياتها يومًا محرمة في الاحتفالات التي أقامها الطلاب إحياءً للمناسبات الوطنية كل بحسب انتمائه السياسي (بعض الانتماءات وليس جميعها). ففي الانتخابات الطلابية "اليتيمة"، التي جرت قبل أعوام، غنّت فيروز عبر إحدى الإسطوانات وضخّت الحماسة في القلوب. وفي المعارض "الفكرية" التي أقامها الحزبان "الشيوعي" و"القومي" تناوبت جوليا وفيروز على الغناء للأرض والوطن.

حزب الله يمنع بث أغاني فيروز في حرم الجامعة اللبنانية

من مدخل الجامعة الرئيسي حيث السلم الطويل الذي يفضي إلى الباحة التي تتوسط الكليات وتشكّل فسحةً للتلاقي في المبدأ، للاشتباك والتعارك بالتطبيق، هبط صوت فيروز في كل يوم. صباحًا عبر الهواتف الذكية لتطرب الطلاب في انطلاقة يومهم الدراسي. ومساءً في طوابير السيارات الآفلة نحو البيوت مغطيّةً على إيقاعات الرعود وطرطقة حبات المطر.

قدّر للجامعة اللبنانية بأكبر تجمع لكلياتها أن تُبنى بالقرب من الضاحية الجنوبية لبيروت، (أكبر تجمع لـ "حزب الله")، فما عادت لسمائها نجوم تسبح في فضائها بحرية. فهل تدخلها سفيرة النجوم؟ ما حدث في الجامعة، التي منح أحد مدراء كلياتها مجموعة من طلابه إذنًا لإحياء ذكرى زميل قضى قبل أيام بحادث سير عبر إطلاق البالونات في الهواء على وقع أغنيات فيروز التي أحبها الراحل، فقام طلاب "المقاومة" بمقاومتهم ومنعهم من التعبير عن حزنهم بحجة أن الأغاني "حرام"، ما أثار موجةً من الاستنكار والتنديد بـ "بلطجة" طلاب "حزب الله".

اقرأ/ي أيضًا: جنوب لبنان تحت سطوة المطاوعة

لم يكن أوّل ملامح تحويل الجامعة الرسمية إلى "وقفٍ" لممارسة الشعائر الدينية والاستعراضات القتالية عبر التهديد وغرف التحقيق، فقوى الأمر الواقع، التي تعمل على تغييب العلم اللبناني عن الجامعة اللبنانية قدر الإمكان لترفع مكانه أعلام الأحزاب والرايات المذهبية، كانت تمعن في البدء بكم الأفواه المعارضة والأصوات التي تجاهر بالرأي الآخر. وحين تمكنت من إحكام السيطرة "على الأرض" ومنع طلاب الأحزاب المناوئة لسياسة الحزب من ممارسة أي نشاط سياسي في الجامعة، انصرفت إلى ممارسة فئويتها في الجامعة التي لم تعد جامعة. مظاهر حسينية ولطميات هنا، ومنع وزجر باسم المذهب والمعتنق هناك.

حتى تحوّلت الجامعة من معقل للعلم إلى معتقل للفكر والرأي والكلمة ومؤخرًا الشعور بالحزن كان أم بالفرح. هل كانت ما ستغنيه فيروز إحياءً للذكرى سيزعج الطلاب في قاعات دراستهم؟. بالتأكيد لا، فهدهدة صوتها ستكون ألطف بكثير من أناشيد الحزب وطبول الحرب التي تُقرع فيها. هل ستحمل كلماتها ما يتنافى مع قيم الجامعة وأهدافها؟. حتمًا لا، وهل رقي أعمالها، الذي وحّد اللبنانيين في السراء والضراء، يُقارن بالعبارات المذهبية التي تُصنف الجامعة وفيها الطلاب بين "أشرف الناس" ومن هم غير ذلك؟.

كان حزب الله قبل فترة يحتفي بأغاني فيروز في احتفالاته التعبوية، فماذا تغير؟

ما حدث في الجامعة اللبنانية في مجمّع الحدث، وما يحدث فيها كل يوم، وتُلام عليه رئاسة الجامعة أولًا ومن ثم إدارة الكليات التي ترضخ وتُذعن للأمر الواقع، يجعل من الجامعة صورة "مكثّفة" لواقع وطن. واللبنانيون الذين يتداعون أمام كل مظهر شاذ وممارسة غير مقبولة في الكليات إلى المطالبة بـ "تحرير الجامعة اللبنانية" أعربوا بالأمس عن أسفهم للحال الذي بلغه ما وصفوه بـ حكم "القمصان السود" و"التشبيح"، الذي يُمارس على الطلاب اللبنانيين في جامعتهم الرسمية، التي لم يعد للفقير من ملاذ إلاها.

وبما أن الحراك الطلابي كان طُمس منذ عقود، وبما أن الساسة يتغاضون عمّا يدور في جامعة الوطن، فإن وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي كانت صوت الناس في رفضهم للممارسة القمعية التي تداعت على وقعها إلى المشهد كل ممارسات الإقصاء والإفساد في المجمّع الجامعي والتي تشوّه الذوق العام والقيم العامة والحياة العامة بين الطلاب على اختلاف طوائفهم وانتماءاتهم. التعليقات التي استهجنت الوضع، تساءل بعضها: "هل يكون صوت فيروز حرام ويُعتبر قتل الشعب السوري حلالًا؟". وبعضها الآخر علّق ساخرًا "استمعنا وعلى مدى 40 عامًا لفيروز وحان الوقت لنتطور ونستمع لعلي بركات (منشد حزب الله)".

ناشطون آخرون في "فيسبوك" جاءت تعليقاتهم لتؤكد أن "حزب الله" جسم غريب عن المجتمع اللبناني ولا بد من مواجهته حفاظًا على الهوية اللبنانية، فيما ذهب أحد التعليقات إلى حد اعتبار أنه "لا بد أن يحكم "حزب الله" قبضته على كل المجتمع اللبناني وأن يمنع إقامة الحفلات وعروض المسرح والسينما وأن يفرض نظام ولاية الفقيه كاملًا على لبنان.. لعلّ الشعب اللبناني يثور مرة فيكون الخلاص إلى الأبد".

اقرأ/ي أيضًا:

ميليشيا وئام وهّاب: استعراض الضعف في دولة الطوائف

فيروز و"الشّراع" المكسور والصحافي المغمور