03-فبراير-2017

مرشح اليسار الفرنسي للانتخابات الرئاسية بونوا هامون (ستيفاني دو سكوتين/أ.ف.ب/Getty)

قبل أسبوعين لم يكن مرشّحًا للمرور للدورة الثانية في الانتخابات التمهيدية لليسار الفرنسي، واليوم هو المرشّح الفائز ببطاقة الترشيح بعد حلوله في صدارة الترتيب في الدورة الأولى وثم فوزه بقرابة 60 بالمائة على الوزير الأول السابق فالس في الدورة الثانية، هو بونوا هامون، أو "بلال" كما يسمّيه نكاية خصومه من اليمين المتطرّف، وهو اسم قال سابقًا أنه يفتخر به.

قبل أسبوعين لم يكن مرشحا للمرور للدورة الثانية في الانتخابات التمهيدية لليسار الفرنسي، واليوم فاز ببطاقة الترشيح هو بونوا هامون

لم يبدو هامون حينما أعلن ترشّحه في الصيف الفارط كمنافس جدّي في انتخابات اليسار، فبخلاف الرئيس هولاند الذي أعلن لاحقا عدم ترشّحه، تضمّ قائمة المرشّحين أسماء أكثر ثقلا وخبرة منه في الحزب الاشتراكي على غرار الوزير الأول مانويل فالس الذي ظلّ للساعات الأخيرة قبل الانتخابات المرشّح الأول للفوز، وآرنو موتبورغ وزير الاقتصاد السابق والذي ينتمي للجناح اليساري في الحزب. خلافا للتوقعات، تتكرّر موضة الاجتياح المباغت مرّة أخرى داخل اليسار الفرنسي، بعدما تحقّقت قبل أسابيع داخل اليمين حينما فاز فيون بورقة الترشيح على حساب الرئيس السابق ساركوزي والوزير الأول السابق آلان جوبيه.

اقرأ/ي أيضًا: من يفوز ببطاقة ترشيح اليسار للانتخابات الفرنسية؟

بونوا هامون الذي انتخبه قرابة 1.2 مليون في الدورة الثانية، هو من أكثر الشخصيات يسارية داخل الحزب الاشتراكي، خلافًا لفالس الذي ظهرت أطروحاته الاقتصادية وحتى الاجتماعية أقرب لليمين، وفوز هامون على حساب فالس بفارق مريح جدّا يبين الحركية التي يعيشها الحزب الاشتراكي الذي يعاني كثيرًا مع انخفاض شعبية الرئيس هولاند وهو ما جعله يحفظ ماء وجهه بعدم الترشح لانتخابات الربيع القادم. حيث ترجّح عديد استطلاعات الرأي هزيمة قاسية لمرشح الحزب منذ الدورة الأولى لتكون المنافسة بين اليمين واليمين المتطرف أي بين فيون ولوبان في الدورة الثانية، في تكرار مرّجح لسيناريو انتخابات 2000 بين جيراك ولوبان الأب.

لتفادي هذه الهزيمة الموعودة، يريد هامون توحيد اليسار المفتّت بطبعه، حيث يترشح للانتخابات المنتظرة ماكرون الشاب اليساري المرتدّ، إضافة لميلونشون عن أقصى اليسار التقليدي. يصعب على هامون إقناع ماكرون وزير الاقتصاد السابق بدعمه، فمكارون رفض حتى المشاركة في الانتخابات التمهيدية، واستطلاعات الرأي تجعله دائمًا في المقدمة أمام مرشح الحزب الاشتراكي، بل إنهما يختلفان بشدّة في المسألة الاقتصادية.

غير أن هامون يطمع في خطف دعم من ميلونشون، فمرشح الحزب الاشتراكي هو الأكثر يسارية داخل الحزب، وهو غير داعم لهولاند وحكومته منذ 2014. وبالتالي، وأمام الطوفان اليميني، ربما يقتنع ميلونشون بعدم الترشح لصالح اليساري الشاب، وبالتالي يقع توحيد اليسار الكبير في فرنسا لضمان المرور للدورة الثانية. فالس المرشح الخاسر كان لا يؤمن بتوحيد يسارين مختلفين، ولكن هامون يؤمن بذلك والأهم أنه الأقدر على فعلًا على تحقيق ذلك.

اقرأ/ي أيضًا: هولاند..نهاية فاترة لرئيس ضعيف

هامون هو حاليًا مرشح الحزب الاشتراكي، ولكنه حقيقة ليس مدافعًا عن حصيلة الحزب طيلة السنوات الخمسة الفارطة، ذلك أنه أحد قيادات الحزب المعارضة لخطّ الثنائي هولاند وفالس خاصة فيما يتعلق بالمسألة الاقتصادية. انضمّ هامون في البداية مع انتخاب هولاند في 2012 لحكومته الأولى التي ترأسها ايرولت كوزير مفوّض في الاقتصاد التضامني، ثمّ عُيّن في حكومة فالس الأولى كوزير للتربية سنة 2014 ولكّنه لم يلبث في منصبه إلا خمسة أشهر حيث وقع إعفاءه قبيل أيام من العودة المدرسية مع رفيقه وزير الاقتصاد موتنبورغ، وذلك بسبب رفضهما للسياسة الاقتصادية لحكومة فالس. وبعد خروجه من الحكومة، عاد للبرلمان ليقود مع كتلة نيابية معارضة لحكومة حزبه.

هامون هو حاليًا مرشح الحزب الاشتراكي الفنرسي، ولكنه ليس مدافعًا عن حصيلة الحزب في السنوات الماضية لمعارضته لسياسة هولاند

هذه النقطة هي مفيدة جدًا لهامون في حملته الانتخابية ذلك أنه لا يتحمّل مسؤولية حصيلة يصفها الكثير من الفرنسيين بالكارثية. حيث رفض قوانين الحكومة المتعلقة بالاقتصاد، وعارض قرار منع البوركيني، وأعلن رفضه بشدّة لمقترح إسقاط الجنسية عن المتورطين في قضايا إرهابية، كما تصدّر قائمة النواب الذين صوتوا لصالح الاعتراف بدولة فلسطين.

في هذا الجانب، لم يعلن هولاند بعد دعمه لمرشح حزبه الفائز رغم استقباله بعد إعلان نتيجة الانتخابات التمهيدية، فهما على مفترق طرق في ملفات عديدة، فهامون كان أحد أكثر الشخصيات التي انتقدت بشراسة هولاند إذ اتهمه في إحدى المناسبات بأنه فاقد لإرادة تنفيذ التزاماته الانتخابية.

يتحدث هامون، الذي كان كذلك الناطق الرسمي باسم الحزب بين 2008 و2012، في برنامجه الانتخابي عن ضرورة دعم الاقتصاد الاجتماعي والبيئي، وبناء اقتصاد "سخي" تكون فيه للدولة دورًا فاعلًا، وبجمهورية لا تتسامح مع العنصرية، وبمنح حق الانتخاب للأجانب في الانتخابات المحليّة. يقدّم هامون اختزالا برنامجًا انتخابيًا ليسار اجتماعي وإنساني، يصفه البعض بالحالم، ويصفه الخصوم بأنه مهادن في القضايا الوطنية ومنها قضية الأمن، فلم يكن من فراغ أن يسمّيه أنصار لوبان بأنه "بلال" بل ويوصف بأنه صديق الإسلاميين.

حاليًا، باغت الأربعيني هامون الجميع في الانتخابات التمهيدية واستطاع اقتلاع ورقة الترشيح، ولكن لازالت المهمّة الأصعب في نيسان/أبريل القادم، وهي مهمّة ليست مستحيلة على الأقل في المرور للدورة الثانية. فبعد فضيحة الفساد المالي لمرشح اليمين فيون، بيّن باروماتر شهر فبراير نشرته جريدة لوفيغارو، ارتفاعًا صاروخيًا لهامون بلغ 14 نقطة مما جعله يحلّ في المرتبة الثانية بعد ماكرون، بيد أنه لا زال متأخرًا في استطلاعات الرأي في الانتخابات الرئاسية. ويأمل هامون أن يحقّق اختراقًا للمشهد السياسي الفرنسي في الفترة القادمة على غرار الاختراق الذي حقّقه داخل اليسار.

اقرأ/ي أيضًا: 

استيقاظ "الموتي الأحياء الكاثوليك" في فرنسا

اليمين الفرنسي ينادي فيون من بعيد: فخامة الرئيس