02-فبراير-2021

صعد أليكسي نافالني كمنافس بارز لبوتين (Getty)

يواجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين واحدة من أكبر الاحتجاجات الشعبية للأسبوع الثاني على التوالي، يمكن القول إنها من أوسع الاحتجاجات على مستوى الاتحاد الروسي في خارطته الجديدة منذ انهيار الاتحاد السوفييتي في عام 1990، كان الاسم البارز فيها المعارض الروسي أليكسي نافالني. والاحتجاجات قابلتها السلطات الروسية بحملة مكثفة من القمع والاعتقالات، مما دفع الدول الغربية إلى جانب واشنطن إلى تهديد موسكو بفرض حزمة جديدة من العقوبات الاقتصادية، والتي فيما يبدو قد تستهدف مسؤولين في إدارة بوتين الحالية، ورجال أعمال مقربين من الكرملين.

من المتوقع أن يؤثر اعتقال أليكسي نافالني على الأزمة الدبلوماسية الروسية – الأمريكية المتفاقمة أصلًا بعد مطالبات للرئيس الأمريكي بفرض عقوبات اقتصادية على مقربين من الكرملين

على الرغم من الإجراءات الأمنية المشددة التي فرضتها السلطات الروسية بالإضافة إلى تهديدها المشاركين في الاحتجاجات التي شهدتها مدن روسية عديدة يوم الأحد الماضي، بما فيها العاصمة موسكو، فإن عشرات الآلاف من الروس الغاضبين تجاهلوا تحذيرات السلطات الروسية بخروجهم إلى الشوارع للمطالبة بالإفراج عن زعيم المعارضة الروسية أليكسي نافالني (44 عامً) المعتقل منذ قرابة أسبوعين، مرددين شعارات تطالب بتنحي بوتين عن السلطة، ردت عليها السلطات باستخدام العنف المفرط لقمعها، مما أسفر عن اعتقال أكثر من خمسة آلاف شخص، بمن فيهم مقربون من نافالني.

اقرأ/ي أيضًا: 5 آلاف معتقل.. الشرطة الروسية تواجه الاحتجاجات ضد بوتين بالقمع

واعتقلت السلطات الروسية زعيم المعارضة الروسية في أحد مطارات موسكو عند عودته من برلين يوم 17 كانون الثاني/يناير الماضي، حيثُ كان يخضع للعلاج في إحدى مستشفياتها بعد تعرضه لمحاولة تسميم بغاز الأعصاب نوفيتشوك الذي يعود للحقبة السوفيتية، وقالت السلطات الروسية إنها أوقفت أليكسي نافالني عند عودته من ألمانيا بسبب انتهاكه لشروط الإفراج المشروط، فيما وصف نافالني الاتهامات الموجهة إليه بأن "دوافعها سياسية".

وكانت النيابة العامة الروسية قد أيدت تحويل الحكم الصادر بحق أليكسي نافالني بالسجن لمدة ثلاث سنوات ونصف مع وقف التنفيذ الصادر عام 2014 إلى عقوبة السجن بالنفاذ، وفي حال أقر القضاء الروسي تنفيذ الحكم فإن نافالني يواجه عقوبة السجن ما بين عامين ونصف حتى ثلاثة أعوام، وقال مكتب المدعي العام الروسي إنه طلب من دائرة مصلحة السجون تسليم المعارض الروسي الحكم الصادر بحقه واصفًا قراره بأنه "قانوني".

من المتوقع أن يؤثر اعتقال أليكسي نافالني على الأزمة الدبلوماسية الروسية – الأمريكية المتفاقمة أصلًا، وذلك بعدما طالب فلاديمير أشوركوف – حليف نافالني – في رسالة موجهة للرئيس الأمريكي بفرض عقوبات اقتصادية على رجال الأعمال والمسؤولين المقربين من الكرملين، الأمر الذي استثمره المتحدث باسم الكرملين ديميتري بيسكوف لتجديد وصفه مركز مكافحة الفساد الروسي المستقل الذي يديره نافالني بأنه "عميل أجنبي".

في السياق، كان الكرملين قد وصف على لسان بيسكوف الاحتجاجات الشعبية على مستوى الاتحاد الروسي بأنها "غير مرغوب فيها"، مبررًا حملة الاعتقالات التي نفذت في صفوف المعتقلين بأنها جاءت ردًا على "تحدي (المحتجين) لعناصر الأمن"، وأضاف المتحدث باسم الكرملين بأن موسكو "ليست مستعدة لقبول تصريحات الممثلين الأمريكيين بشأن الأعمال غير القانونية في روسيا" أو حتى "الاستماع إليها"، وذلك في معرض رده على الانتقادات الغربية – الأمريكية التي لاستخدام موسكو للعنف المفرط خلال قمع الاحتجاجات.

صعود أليكسي نافالني كزعيم للمعارضة الروسية

على عكس  المعارضين الروس الذين اختاروا توجيه الانتقادات للكرملين من الدول الغربية، فإن أليكسي نافالني قرر البقاء في روسيا منذ صعوده كمعارض لسياسات الكرملين على المستوى الشعبي في عام 2008، عندما بدأ بنشر تقارير عبر المنصات الإلكترونية تتحدث عن الفساد المتفاقم داخل المؤسسات التي تسيطر عليها الحكومة الروسية، الأمر الذي جعله معروفًا على مستوى الاتحاد الروسي.

Anti-Kremlin blogger Alexei Navalny speaks during a rally against the December 4 parliament elections in Moscow, on December 24, 2011. Tens of...
اعتمد نافالني على وسائل التواصل الاجتماعي للوصول إلى أكبر قدر من الجمهور (Getty)

تشير التقارير إلى محاولة نافالني استخدام تكتيك منذ صعوده سياسيًا يتمثل بشرائه لأسهم الأقلية من شركات النفط والبنوك التي تملك فيها عادة الحكومة الروسية الحصة الأكبر، وتطرح جزءًا صغيرًا منها للمستثمرين من الناس، مما يساعده على طرح الأسئلة المرتبطة بتقارير الفساد والتمويلات المشبوهة للحكومة الروسية، غير أنه لم يتمكن من النجاح عبر هذا التكتيك.

كما أنه استخدم تكتيكًا آخر متمثلًا بتعزيز حضوره الناقد لسياسات الكرملين من خلال منصات التواصل الاجتماعي، بعدما تعذّر عليه استخدام وسائل الإعلام الحكومية التي يديرها الكرملين، وساهم لجوء نافالني لمنصات التواصل بوصوله لغالبية الشباب الذين يستخدمون مثل هذه المنصات، والتي زاد منها استخدامه لخطاب سياسي ناقد وساخر في مهاجمته الكرملين والشركات التي يديرها رجال أعمال مقربون من بوتين.

برز دور أليكسي نافالني كمعارض سياسي بشكل أوضح في الانتخابات البرلمانية لعام 2011، عندما طالب الناخبين الروس بعدم التصويت لحزب روسيا الموحدة الحاكم الذي وصفه بأنه "حزب المحتالين واللصوص"، وبعد خروجه من السجن في عام 2013 ترّشح لمنصب رئيس بلدية موسكو، والتي حصل فيها على المركز الثاني بنسبة 27 بالمائة، على الرغم من اعتماده على وسائل التواصل الاجتماعي والخطابات الشفهية خلال حملته الانتخابية، بعدما تعذّر عليه استخدام وسائل الإعلام الحكومية.

تعرض نافالني لأكثر من محاولة اغتيال خلال الأعوام الماضية، كان من بينها إصابته بـ"التهاب الجلد التماسي" أثناء وجوده في السجن في عام 2019، وشخّص طبيبه الخاص إصابته بأنها ناجمة عن تعرضه لـ"عامل سام"، إضافة لإصابة إحدى عينيه بحروق كيميائية بعد استهدافه مرتين بمادة خضراء مطهرة تعرف بـ"زيليونكا" مما عرض إحدى عينيه لحروق كيميائية.

وكان لنافالني تأثير واضح خلال الانتخابات المحلية التي نظمت قبل عامين، وذلك على الرغم من عدم مشاركته فيها بصفة مرشح، إلا أن تأثيره انعكس من خلال مطالبته أنصاره بالتصويت لأي مرشح يجدون أنه يملك فرصة لهزيمة مرشح الحزب الحاكم، سواء أكان المرشحين ينتمون للأحزاب الشيوعية أو الأحزاب اليمينية، وهو ما جعل الحزب الحاكم يخسر عددًا من المقاعد في بعض المدن الروسية.

نجا أليكسي نافالني أيضًا من محاولة اغتيال مباشرة بعد استهدافه بغاز الأعصاب الكيميائي نوفيتشوك أثناء عودته على متن رحلة داخلية من سييبريا نقل على أثرها لتلقي العلاج في برلين، وقالت الحكومة الألمانية لاحقًا إن الاختبارات أظهرت "دليلًا لا لبس فيه على وجود عامل أعصاب كيميائي حربي من مجموعة نوفيتشوك"، وهو الغاز عينه الذي استخدم لمهاجمة الجاسوس الروسي السابق سيرغي سكريبال وابنته يوليا في إنكلترا في عام 2018.

طموحات سياسية بأفكار قومية متطرفة

تنظر الدول الغربية إلى جانب الولايات المتحدة إلى أليكسي نافالني على أنه المنافس السياسي الوحيد الذي قد يتمكن من هزيمة بوتين في انتخابات الرئاسة، في حال تمكن من ترشيح نفسه إذا ما سمح له بذلك طبعًا، بعد منعه من الترّشح في الانتخابات الرئاسية بسبب التهم الجنائية الموجهة إليه سابقًا في عام 2018، لكن هذه النظرة الغربية – الأمريكية الإيجابية اتجاه نافالني تقابل بمزيد من القلق لدى السياسيين الليبراليين الروس المعارضين لبوتين من طرف، والقوميين البيض الروس من طرف آخر.

يرجع الليبراليون الروس مخاوفهم من بروز نافالني كواجهة للمعارضة الروسية الداخلية إلى خطاباته التي ألقاها في مناسبات مختلفة نظمت من قبل مجموعات قومية روسية متطرفة، فيما تبرز مخاوف القوميين الروس من المعارض الروسي بسبب العلاقات التي أنشأها في الولايات المتحدة خلال فترة دراسته في جامعة ييل الأمريكية، وهو ما يثير الشكوك حول إمكانية تنظيمه لحشود كبيرة على مستوى الاتحاد الروسي.

في تقرير نشرته مجلة ذا أتلانتك الأمريكية عندما كان أليكسي نافالني ينافس في انتخابات رئاسة بلدية موسكو في عام 2013، تصف إنجلينا تارييفا المعارض الروسي بأنه "أخطر رجل في روسيا"، وتضيف تارييفا التي كانت تعمل مع نافالني عندما كان عضوًا في  حزب يابلوكو الليبيرالي الروسي المعارض موضحةً في حديثها بأنه "ليس عليك أن تكون عبقريًا حتى تفهم أن أفظع ما يمكن أن يحدث في بلدنا (روسيا) هو وصول القوميين إلى السلطة".

Russian protest leader Alexei Navalny attends the hearing of his case in a court in the provincial northern city of Kirov, on April 25, 2013. A...
تعرض نافالني لعدة محاولات اغتيال (Getty)

وكان لمواقف أليكسي نافالني القومية أثر سلبي على نشاطه داخل الحزب الليبرالي الذي قرر طرده من الحزب بسبب آرائه القومية المتطرفة في عام 2007، والتي انعكست في حملته الانتخابية لعام 2013 عندما أشار في مقابلة إلى أنها تقوم على "مكافحة الهجرة غير الشرعية"، وفرض النظام في الدول الخاضعة للاتحاد الروسي في شمال القوقاز المتنوعة عرقيًا، واصفًا إياها بأنها "مناطق خارجة عن القانون"، فضلًا عن تأييده رفع الحظر عن امتلاك المواطنين الروس للأسلحة.

ويبرز من بين ذلك أيضًا دعمه للحرب التي شنتها القوات الروسية لإخضاع جورجيا في عام 2008، ونتج عنها إعلان أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا انفصالهما عن جورجيا من طرف واحد، وطالب عبر مدونته الخاصة بطرد المهاجرين الجورجيين من الأراضي الروسية بوصفهم مجموعة من "القوارض"، ووصفه لاحقًا للمهاجرين الشيشان بـ"الصراصير"،فضلًا عن ذلك فإنه طالب أيضًا بفرض السلطات الروسية تأشيرات دخول على دول آسيا الوسطى، إضافة لمشاركته في التجمعات السنوية التي تنظمها مختلف الجماعات الروسية القومية تعبيرًا عن وحدتها.

وعبّر أليكسي نافالني عن تأييده للعملية العسكرية التي نفذتها القوات الروسية بأمر من الكرملين للسيطرة على شبه جزيرة القرم الأوكرانية في عام 2014، إذ إنه على الرغم من الانتقادات الدولية التي وجهت لموسكو بسبب استيلائها على شبه الجزيرة الأوكرانية، فإن نافالني في رده على سؤال مرتبط بالقضية ذات الصلة أشار إلى أن "الحقيقة أن شبه جزيرة القرم هي الآن جزء من روسيا"، وأضاف مؤكدًا في حواره الإذاعي بأن "القرم لنا"، في إشارة إلى أنها تخضع لنفوذ الكرملين.

تحولات السياسة الاستراتيجية لنافالني

ساهمت التصريحات القومية التي أطلقها نافالني قبل أكثر من 15 عامًا بتراجع شعبيته داخل روسيا، بدون أن يظهر تأثيرها على علاقته مع الدولة الغربية وواشنطن معًا، كما أنها منحت الصحفي الموالي للكرملين فلاديمير سولوفيوف فرصة لانتقاد نافالني عبر وسائل الإعلام الحكومية خلال الأشهر التي استبقت ترشحه لانتخابات رئاسة بلدية موسكو، وتكرار وصفه من قبل وسائل الإعلام الحكومية بأنه "أداة" للولايات المتحدة.

Circled by reporters and supporters Russian protest leader Alexei Navalny looks on after walking out of prison in Moscow, on May 24, 2012. Navalny,...
تبنى أليكسي نافالني مواقف قومية متطرفة (Getty)

ويوضح المحللون أن آراء أليكسي نافالني القومية أو مشاركته في التجمعات التي كانت تنظمها المجموعات اليمينية المتطرفة تعتبر واحدةً من أسباب خسارته انتخابات عام 2013، نظرًا لأن المكاسب السياسية التي يحصل عليها صاحب المنصب تساهم بصعوده سياسيًا كمسؤول فيدرالي في المستقبل، فقد دفعت مواقفه المتطرفة التي عبّر عنها خلال حملته الانتخابية إلى خسارته قاعدته الشعبية الشابة في الأماكن الحضرية التي قررت عدم التصويت له، والتي زاد عليها استثمارها من قبل الموالين للكرملين في وسائل الإعلام المحلية مما ساهم بتشويه صورته بين الروس المناهضين للجماعات القومية.

يقول المحللون إن أليكسي نافالني بعد خسارته لانتخابات عام 2013، عمل على تطوير استراتيجة تتكون من ثلاثة نقاط رئيسية، تتمثل بدايتها بالتركيز في رسالته على مكافحة الفساد  – دون أن يتراجع عن مواقفه القومية السابقة – والكشف عن أسماء المسؤولين ورجال الأعمال المقربين من بوتين المرتبطين بملفات فساد مختلفة، وكان آخرها التحقيق المتعلق بقصر بوتين السري على البحر الأسود، مما ساعده على زيادة شعبيته بين مختلف الشرائح المجتمعية الروسية، بعدما كانت تجتذب القوميين الروس فقط.

ودعم أليكسي نافالني استراتيجيته الجديدة من خلال تكثيف ظهوره الناقد لسياسات الكرملين عبر منصات التواصل الاجتماعي، وتوظيفه لمهاراته في الخطاب الشعبي بزيادة نسبة قاعدته الشعبية، بعدما تمكن من استثمار الفائدة السياسية التي قدمها موقع يوتيوب لمستخدميه، إضافة لاستخدامه المواقع الإباحية من أجل نشر مقاطع الفيديو المرتبط بفساد الطبقة الحاكمة بهدف وصولها للجميع بدون استثناء.

يوضح المحللون أن آراء نافالني القومية أو مشاركته في التجمعات التي كانت تنظمها المجموعات اليمينية المتطرفة تعتبر واحدةً من أسباب خسارته انتخابات عام 2013

ويرى المحللون أن النقطتين السابقتين ساعدتا أليكسي نافالني على تنفيذ النقطة الثالثة من استراتيجيته عبر تشكيل تحالف من السياسيين المعارضين عوضًا عن تركيز جهوده داخل المدن الكبرى، بما في ذلك العاصمة موسكو، فقد افتتح مكاتب على مستوى الاتحاد الروسي لمساعدة السياسيين المحليين على هزيمة مرشحى الحزب الحاكم في الانتخابات المحلية، وهو الأمر الذي نجح في الانتخابات الإقليمية التي نظمت في عام 2019، وكان من بينها خسارة الحزب الحاكم لثلث مقاعده في مجلس موسكو وحدها، وسط توقعات بأن يمتد تأثيره للانتخابات التشريعية المتوقع تنظيمها في أيلول/سبتمبر القادم.