08-ديسمبر-2018

امرأة صومالية أمام ناقلة جند أمريكية أثناء مجاعة 1992 وعملية "إعادة الأمل" الأمريكية (بيتر تيرنلي/كوربي/Getty)

تسعى الولايات المتحدة الأمريكية للعودة مجددًا إلى الصومال، عبر بوابة دبلوماسية هذه المرة، وذلك بعد خيبة أمل عسكرية كانت تنزع لاحتواء الإقليم الصومالي بالقوة الجبرية، ولربما تضمنت أجندة العودة مطامع خفية استيقظت مع تنصيب محمد عبد الله فرماجو الحاصل على الجنسية الأمريكية رئيسًا للصومال في العام 2017.

لا شك أن موقع الصومال الاستراتيجي الذي يشرف على مضيق باب المندب،حفز العديد من الدول الكبرى على إيجاد موطئ قدم لها في هذه البلاد التي تشهد انقسامات سياسية

أعلنت الإدارة الأمريكية عن استئناف وجودها الدبلوماسي بشكل دائم في الصومال بعد انقطاع دام نحو 30 عامًا، ونصبت السفير دونالد يومامتو مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الأفريقية سفيرًا لها في الصومال، لا سيما وأن يوماتو نشط مؤخرًا في جهود إعادة ترتيب أوراق القرن الأفريقي وفقًا لمصالح بلاده .

سقوط الصقر الأسود

كان دافع خطوة العودة للصومال وافتتاح السفارة الأمريكية في مقديشو بعد إغلاقها عام 1991 بحسب بيان الخارجية الأمريكية، هو "التقدم الإيجابي الذي تحرزه  ‎الصومال  في السنوات الأخيرة"، إلا أن ذلك التقدم لم ينه موجة العنف المستمر الذي اندلع بشدة عقب إدخال الولايات المتحدة الأمريكية نحو 30 ألف جندي إلى العاصمة مقديشو تحت مظلة الأمم المتحدة في العام 1994، لإنهاء حركة المقاومة الوطنية بقيادة الضابط الصومالي الراحل محمد عيديد، والانسحاب بعد مقتل عشرات الجنود الأمريكيين ودمار العديد من السفن الحربية ومروحيات الجيش الأمريكي، كما هو مصير معظم الحروب التي خاضتها أمريكا في فيتنام والعراق وأفغانستان، وبات المستنقع الصومالي يشكل هاجسًا للأمريكيين منذ معركة مقديشو أو ما عرف بسقوط الصقر الأسود.

اقرأ/ي أيضًا: صفعة صومالية لمشروع الإمارات لتقسيم البلاد.. موانئ البحر الأحمر ثمن التدخل

لا شك أن موقع الصومال الاستراتيجي الذي يشرف على مضيق باب المندب، المنفذ الجنوبي للبحر الأحمر، حفز العديد من الدول الكبرى على إيجاد موطئ قدم لها في هذه البلاد التي تشهد انقسامات سياسية وحروب أهلية طاحنة، منذ سقوط حكم الرئيس محمد سياد بري بصبغته الثورية في تسعينات القرن المنصرم. وشكل توسع المحور الصيني الروسي في أفريقيا تهديدًا للمصالح الأمريكية، بجانب المحور السعودي الإماراتي الذي سعى هو الآخر للهيمنة على موانئ البحر الأحمر، وحصد خيبة أمل كبرى بطرد شركة موانئ دبي من قبل البرلمان الصومالي لانتهاكها سيادة البلاد ووحدتها. بينما تجاهد الولايات المتحدة إلى تعزيز وجودها في الصومال للتحكم بحركة النفط القادم من بلدان الخليج، ونتيجة لذلك شيدت قواعد عسكرية شمالي الصومال.

حصد المحور السعودي الإماراتي خيبة أمل كبرى في الصومال بطرد شركة موانئ دبي من قبل البرلمان لانتهاكها سيادة البلاد ووحدتها

استراتيجية تغذية العنف

منذ البداية اعتمدت الإدارات الأمريكية استراتيجية تغذية العنف والفوضى في الصومال بهدف ايجاد مبررات للتدخل العسكري، وخلق ذلك العديد من حركات المقاومة، بجانب من تصفهم أمريكا بالمتشددين، علاوة على حركة الشباب الصومالي، التي نجحت في استقطاب بقايا المقاتلين من صفوف المحاكم الإسلامية، والذين كانوا قد تصدوا للغزو الإثيوبي الأمريكي للبلاد، ونجحت جبهة المحاكم الإسلامية في طرد أمراء الحرب المدعومين من قبل الـ CIA من مقديشو في صيف عام 2006، إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية كثفت من عمليات اغتيال وسجن قادتها، ومكنت القوات الإثيوبية من احتلال مقديشو لمدة عامين، لكنها أدركت متأخرًا ربما تورطها في الصراع عوض إخماد نيرانه، وسعت أطراف دولية لعقد تحالفات مع أقاليم صومالية منشقة.

خسائر أفريكوم وفوز إلهان

تكبدت القيادة العسكرية الأميركية لأفريقيا أو ما يعرف بـ"أفريكوم" المزيد من الخسائر في الصومال، وفشلت في التعامل مع ضربة حاسمة لحركات التمرد التي توصف بارتباطها بالقاعدة، وهى تقريبًا الجهود غير الفعالة التي تحاول أمريكا استبدالها اليوم بجهود دبلوماسية على ذات أرض الصومال، وأيضًا داخل المؤسسات الأمريكية، كما بدا من فوز اللاجئة الصومالية إلهان عمر بمقعد داخل الكونغرس، وقد سبقت ذلك محاولات للتعامل مع رؤساء حكومات انتقالية في الصومال، مثل حكومة الرئيس عبد قاسم صلاد حسن، عبد الله يوسف أحمد، وغيرهم وصولًا إلى الرئيس الحالي فرماجو، رجل أمريكا في الصومال، وحليف القيادة الإثيوبية الإرترية الحالية.

اقرأ/ي أيضًا: سواكن السودانية.. محطة جديدة لحروب الإمارات لاستعمار موانئ البحر الأحمر

في هذا السياق، وصفت الخارجية الأميركية  الخطوة الجديدة بأنها "حدث تاريخي يعكس التقدم الذي أحرزه الصومال في السنوات الأخيرة"، وهي خطوة أخرى نحو الأمام في إضفاء الطابع الرسمي على العمل الدبلوماسي الأميركي في مقديشو منذ الاعتراف بالحكومة الفدرالية الصومالية عام 2013″. وأضافت الخارجية في بيانها، أن "عودتنا تظهر التزام الولايات المتحدة بالمزيد من تعزيز الاستقرار والديمقراطية والتنمية الاقتصادية" .

منذ البداية اعتمدت الإدارات الأمريكية استراتيجية تغذية العنف والفوضى في الصومال بهدف ايجاد مبررات للتدخل العسكري

فتح البوابة الدبلوماسية

في فترة حكم الرئيس السابق باراك أوباما تعاظم الاهتمام الأمريكي مجددًا بالصومال، مع الاعتراف بالحكومة الصومالية في مقديشو، وذلك بعد أن الانسحاب قبل عقدين من الزمان والاكتفاء بإدارة الأزمة مع الصومال عبر حلفاء أمريكا في إثيوبيا وكينيا، وتوجيه الأعمال العسكرية من خلالهم، لكن ظهور الجماعات الإسلامية التي اكتسبت قوة شعبية وعسكرية هائلة دفع الولايات الأمريكية إلى العودة، إبتداءً من إدارة الصراع عبر البعثة الأمريكية في نيروبي، وإرسال المساعدات العسكرية والمالية التي قدرت بنحو أكثر من مليار دولار لحلفاء أمريكا في الصومال، وتعيين مبعوث أمريكي في الشأن الصومالي عام 2012، ومن ثم فتح البوابة الدبلوماسية لتحقيق نصر سياسي بعد فشل العمل العسكري، ولعل النصر السياسي الذي تسعى له أمريكا يستلزم، على الأقل، التعاون مع كل الأطراف كما يرى بعض المراقبين.

وبالمقابل جاء دونالد ترامب ليعزز ذلك المجهود، بالرغم من أنه انتهج في الأول سياسة معادية للصوماليين، وأصدر مرسومًا في كانون الثاني/ يناير2017، قضى بمنع دخولهم إلى الولايات المتحدة، ورحّل عشرات الصوماليين إلى بلادهم في دفعتين، بالإضافة إلى تشديد الخناق على الصوماليين حاملي الجنسية الأمريكية، وهذا يعني بالضبط أن نهج إدارة ترامب تجاه الصومال غير واضح بالمرة، كما لو أنه يريد القفز فوق ظروف سياسية أكثر تعقيدًا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

هرغيسا ومقديشو.. الوحدة الرومانسية

كيف أفلست دبلوماسية الإمارات وتحولت إلى مادة للسخرية؟