24-سبتمبر-2021

خلافات حادة بين المكونين العسكري والمدني للحكومة السودانية (Getty)

الترا صوت – فريق التحرير

بعد فترة طويلة من السجالات بين المكونين المدني والعسكري في الحكومة الانتقالية في السودان، تطور الخلاف بشكل دراماتيكي وأخذ منحى سياسيًا بعد إحباط المحاولة الانقلابية الثلاثاء الماضي. فقد تبادل المكونان العسكري والمدني في السلطة الانتقالية، تحميل مسؤولية ما جرى للطرف الآخر. 

بعد فترة طويلة من السجالات بين المكونين المدني والعسكري في الحكومة الانتقالية في السودان، تطور الخلاف بشكل دراماتيكي بعد إحباط المحاولة الانقلابية

وفي تطور لافت، وجّه رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان انتقادات لاذعة للقوى السياسية، حيث اتهمهم بأن "كل همهم هو القتال من أجل الكرسي"، وقال في كلمة له خلال زيارته  لسلاح المدرعات البؤرة الرئيسية لتنفيذ المحاولة الانقلابية الفاشلة، إن "بعض القوى السياسية تتجاهل معاناة المواطن وتركز على الإساءة للقوات المسلحة". وأضاف "لن نقبل بأن تتسلط علينا أي قوى سياسية وتوجه لنا الإساءات"، مشيرًا إلى أن "شعارات الثورة ضاعت في الصراع على الكراسي والسلطة"، معلنًا أن 'السلطة ستعمل على بناء الوطن مع القوى الوطنية المؤمنة بالانتقال الديمقراطي".

اقرأ/ي أيضًا: حميدتي.. البدوي الذي لا نحبه!

وأعلن البرهان أنه مصر على إنهاء الفترة الانتقالية، مؤكدًا رغبته في إنشاء "دولة مدنية تقدّر دور العسكريين". وأضاف  "نريد الدولة المدنية والديمقراطية التي يختارها الشعب السوداني عبر الانتخابات"، ونفى البرهان صلة العسكريين بما يجري في الشرق السوداني من احتجاجات يقودها المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة، من أجل إلغاء مسار شرقي السودان في مفاوضات جوبا للسلام، وحل الحكومة الانتقالية، وتشكيل حكومة كفاءات. ووصف البرهان تلك الأحداث بـ"السياسية ويجب حلحلتها قبل أن تتفاقم"، متهمًا الحكومة "بإقصائهم من مبادرة رئيس الوزراء، الهادفة لتوحيد قوى الثورة".

بدوره اتهم نائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، السياسيين بالتسبب في وقوع محاولات انقلابية في البلاد "لانشغالهم بالصراع على الكراسي وتقاسم السلطة". وجاء ذلك في كلمة ألقاها خلال حفل تخريج لقوات عسكرية غربي العاصمة الخرطوم  يوم الأربعاء الماضي، مشيرًا إلى أن القوى السياسية "أهملت المواطنين وحاجاتهم الأساسية"، وأضاف أن "المحاولة الانقلابية الأخيرة ليست الأولى"، كاشفًا عن تصدي سلطات البلاد لعدد من المحاولات خلال الفترة الانتقالية. وأكد حميدتي أن "القوات المسلحة أفشلت المحاولة الانقلابية التي وقعت، وقبضت على مدبريها دون خسائر"، مذكرًا بدعم مبادرة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك للتوافق لكن السياسيين "مارسوا الإقصاء وكل طرف يحفر للآخر". وأردف "ينبغي أن نتوافق حول برنامج وطني ونترك أساليب التخوين"، فيما اعتبر أنّ "الأزمة في السودان لن تحل إلا عبر توحيد الكلمة والعمل بروح وطنية".

في الجانب الآخر، سارع المكون المدني للرد على تلك الاتهامات الموجهة إليه بالحديث عن دوره بالكشف باكرًا عن المحاولة الانقلابية وإدانتها، عن طريق استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام للدعوة إلى التصدي لها وحماية الانتقال الديمقراطي، بينما كانت محاولة تنفيذ الانقلاب قائمة. حيث أعلن رئيس الحكومة السوداني عبد الله حمدوك، أن المحاولة الانقلابية الفاشلة "كانت من تخطيط فلول النظام السابق"، ونوّه إلى أنه "سبقت المحاولة تحضيرات واسعة، تمثلت في الانفلات الأمني في المدن واستغلال الأوضاع في الشرق ومحاولات قطع الطرق القومية وإغلاق الموانئ وتعطيل إنتاج النفط والتحريض المستمر ضد الحكومة"، مؤكدًا أن "الانقلاب يستدعي مراجعة كاملة لتجربة العملية الانتقالية بكل شفافية ووضوح، للوصول إلى شراكة مبنية على شعارات ومبادئ الثورة، وطريقًا يؤدي إلى الانتقال المدني الديمقراطي لا غيره". بدوره اتهم  وزير الإعلام السوداني حمزة بلول مجموعة من ضباط القوات المسلحة "من فلول النظام البائد" بالقيام بهذه المحاولة، وتعهد بمواصلة ملاحقة المشاركين.

التجمع الاتحادي، الشريك الرئيسي في الحكم، لوح بالعودة للشوارع في حال نكوص العسكريين عن تعهداتهم، وجاء ذلك في بيان صادر عن التجمع خصصه بالكامل للرد على تصريحات كل من رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان ونائبه حميدتي عقب فشل المحاولة الانقلابية الأخيرة. وذكر البيان الموقع باسم الناطق الرسمي للتجمع جعفر حسن، أن "البرهان لم يدن حتى اللحظة المحاولة الانقلابية، وأنه ذهب في تصريحاته للهجوم على المدنيين"، مبينًا أن "المحاولة الانقلابية نفسها جاءت لعدم إنجاز ملف إصلاح المؤسسات العسكرية". وانتقد تباهي البرهان بكشف القوات المسلحة وتصديها للمحاولة الانقلابية، مشيرًا إلى "أن ذلك في الأصل هو مهمة العسكريين من واقع امتلاكهم لأجهزة الاستخبارات والمعلومات". كما انتقد  اتهام الحكومة بالفشل في المجالات الاقتصادية، مبينًا أن "التدهور الاقتصادي ورثته الحكومة من النظام البائد، وأن الاقتصاد يمضي الآن في الاتجاه الصحيح".

وأشار الناطق الرسمي إلى أن "العسكريين جربوا من قبل الشارع بعد فض الاعتصام، وجربوا إلغاء الاتفاق مع المدنيين"، مشددًا على "أن أبناء الشعب السوداني موجودون، ويمكن أن يعودوا للشوارع من جديد"، كما قال إن هناك تدخلات أجنبية تُملى على بعض الناس، مستدلًا بما يحدث في شرق السودان.

بدوره نشر وزير شؤون مجلس الوزراء السوداني خالد عمر يوسف في صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" مقتطفات من حواره مع قناة "الجزيرة"، عدد فيه ما ورد من تصريحات للعسكريين والتي اعتبرها "تهديدًا للتحول الديمقراطي، وأن البرهان وحميدتي تناسيا أن الوضع الأمني مسؤولية المكون العسكري". وأشار إلى أن "بعض الجنرالات يقرأون من الكتاب القديم"، وأن "الفترة الانتقالية ستنتهي بانتخابات حرة وهيكلة المؤسسة العسكرية".

من جانبه، وصف عضو تجمع المهنيين السودانيين طه عثمان تصريحات البرهان وحميدتي بأنها" أخطر من المحاولة الانقلابية نفسها"، مستنكرًا "تحميل المدنيين المسؤولية، وتقديم خطاب عاطفي للقوات المسلحة لابتدار معركة في مُواجهة شعبها"، مشيرًا إلى "أن ليس للمدنيين أي نية أو توجه سيئ تجاه العسكريين او المؤسسة العسكرية فهم أبناء قوات الشعب.. الشعب السوداني وليس قوات ملك لأحد أو تتبع لشخص". وأكد على أنه إن "كان هنالك أزمة بين الأطراف يجب التعامل معها بمسؤولية للوصول لحل لمصلحة البلاد وهذا لن يحققه خطاب التهديد والوعيد".

فيما قال وزير التجارة والصناعة السابق مدني عباس على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" إن "فشل القيادات العسكرية في تطهير المؤسسة العسكرية من العناصر المغامرة، ومحاولة تحميل الأزمة للقوى السياسية بؤس عجيب"، وأضاف "تتناسل الأزمات الأمنية يومًا بعد يوم، ويعمل الاقتصاد العسكري بمعزل عن ولاية وزارة المالية على المال العام، ثم يتحدث قادتهم عن أزمة سياسية واقتصادية سببها المؤسسة السياسية".

وكان  تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير قد عقد اجتماعًا طارئًا أمس الخميس وأصدر بيانًا شديد اللهجة، عدّ فيه خطابي البرهان وحميدتي حول المحاولة الانقلابية نكوصًا عن التحول الديمقراطي وضد أجندة الثورة. وأوضح البيان أن "الحديث حفل بمغالطات واتهامات لا أساس لها من الصحة ضد قوى الحرية والتغيير"، مشيرًا إلى "أن ثورة كانون الأول/ديسمبر  2018 المجيدة رسمت مسارًا واضحًا للانتقال الديمقراطي، توافقت عليه قوى الثورة والتغيير في الوثيقة الدستورية". واعتبر البيان أن "لا مجال لإجهاض هذا المسار، أو خطفه بأي قوة كانت"، مستنكرًا القول إن "القوات المسلحة وحدها التي أجهضت المحاولة الانقلابية"، ومؤكدًا أن "إحباط الانقلاب هو نتاج يقظة أبناء الشعب السوداني الوطنيين في القوات المسلحة وحيوية وقوة قوى الثورة السودانية، والتي لن تسمح لأي انقلاب بالتسلّط على رقاب الشعب، مرة أخرى".

واعتبر البيان أن "حديث رئيس مجلس السيادة الانتقالي ونائبه هو تهديد مباشر لمسار الانتقال الديمقراطي ومحاولة لخلق شرخ بين قوى الثورة المدنية وقوات الشعب المسلحة، وتقويض للأسس التي قامت عليها المرحلة الانتقالية والتي لا تعرف سوى طريق واحد هو التحول المدني الديمقراطي، الذي يريد رئيس مجلس السيادة ونائبه النكوص عنه، وهو ما لن نسمح به وسنتصدى له بكل قوة وصرامة".

وظهرت بوادر الخلاف بين المكونين العسكري والمدني للعلن مع توقيع أكثر من 30 حزبًا وجماعة على إعلان سياسي جديد لتوحيد قوى الحرية والتغيير في 7 أيلول/سبتمبر  الجاري، في احتفالية تعمد البرهان وحميدتي وبقية المكون العسكري الغياب عنها، في حين حضرها رئيس مجلس الوزراء عبد الله حمدوك. وحسب قيادات في قوى التغيير، فإن العسكريين فشلوا في إدخال اللجنة الفنية لإصلاح قوى الحرية والتغيير الفصيل المنشق ضمن الموقعين على الإعلان السياسي.

وصف عضو تجمع المهنيين السودانيين طه عثمان تصريحات البرهان وحميدتي بأنها" أخطر من المحاولة الانقلابية نفسها"

ويمر السودان بفترة انتقالية من 3 سنوات مناصفة بين العسكر والمدنيين والحركات المسلحة الموقعة على اتفاق سلام، وينتظر أن يترأس المدنيون النصف الثاني من الفترة الانتقالية. وبحسب مصادر مطلعة فقد تزايدت مخاوف العسكر مع تزايد استفسارات طرحها مسؤولون أمريكيون وأوربيون عن ترتيبات انتقال رئاسة المجلس السيادي الانتقالي إلى المدنيين.