02-سبتمبر-2018

مخاوف من تصعيد أمني في العراق (Getty)

قبل ساعات قليلة من جلسة البرلمان الأولى وفق نتائج الانتخابات التشريعية العراقية، تصاعدت حدة الصراع السياسي بين القوائم الرئيسية الفائزة بالانتخابات إلى حد غير مسبوق، ومن ورائها حراك محموم بين مندوبي واشنطن وطهران، بريت ماكغورك وقاسم سليماني، وبشكل علني.

على غير العادة منذ 2003، فإن القوائم السياسية الرئيسية في العراق ستتوجه إلى الجلسة الأولى دون اتفاق حتى الآن يمكنّها من تشكيل الكتلة الأكبر

قبيل منتصف ليل الأحد الثاني من أيلول/سبتمبر، أعلن محور الصدر والعبادي والحيكم وعلاوي، تشكيل الكتلة الأكبر تحت اسم كتلة "الإصلاح والبناء" من منزل عمار الحكيم زعيم تيار الحكمة وسط العاصمة بغداد، بتوقيع أكثر من 180 نائبًا، مع نشر صور أظهرت حضور بعض الزعماء السنة ومن بينهم سليم الجبوري ومحمد الحلبوسي، لكن ذلك لم يكن الحدث الفارق الوحيد، ولم ينه مشوار الاصطفافات والصراع على الكتلة الأكبر.

فعلى بعد مئات الأمتار فقط شهد منزل زعيم تحالف الفتح المقرب من إيران هادي العامري، اجتماعًا مثيرًا استمر حتى ساعات الفجر الأولى، تمخض عن كتلة تحت اسم "البناء" تضم 145 نائبًا وبزعامة نوري المالكي رئيس الوزراء السابق، المقرب من طهران.

ضمت الكتلة بحسب وثيقة نشرت، ائتلاف دولة القانون وتحالف الفتح وقوى شيعية أخرى أبرزها المنشقون عن تحالف النصر، ويمثلون نحو نصف مقاعد التحالف على رأسهم فالح الفياض، وحركة إرادة بزعامة المثيرة للجدل حنان الفتلاوي، فضلًا عن قوى سنية يمثلها زعماء من بينهم خميس الخنجر وأحمد الجبوري.

وعلى غير العادة منذ 2003، فإن القوائم السياسية الرئيسية ستتوجه إلى الجلسة الأولى دون اتفاق حتى الآن يمكنها من تشكيل الكتلة الأكبر، وهو ما تشترط تحققه السلطة القضائية خلال الجلسة لترشيح رئيس الحكومة المقبلة، حيث لا تحالفَ شيعيًا موحدًا، ولا الحال بأفضل مع العرب السنة، وسط ترقب كردي للاختيار بين المحاور المتنافسة وفق ما تقدمه من امتيازات أو تنازلات لأربيل.

طهران تتحرك بصمت!

قبل أيام معدودة سربت مصادر قضائية معلومات عن اعتقال قاضٍ كبير متورط في ترتيبات قانونية تتولى طهران تخريجها، بهدف إجراء تعديلات في آليات تشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر التي ستتولى تسمية رئيس الحكومة، لصالح كتلتي الفتح ودولة القانون.

في الأثناء، أصدرت مفوضية الانتخابات لائحة بضوابط تشكيل التحالفات وأطلقت إجراءات واستمارات خاصة بذلك، وفق قانون أعدته هي خصيصًا لهذا الغرض، وهو ما يأتي ضمن ذات الترتيبات القانونية التي تخدم المحور المقرب من طهران، حسب أطراف سياسية ومراقبين.

من جانبه سارع رئيس مجلس الوزراء، حيدر العبادي، الطامح إلى ولاية ثانية، لإصدار قرار عبر مجلس الوزراء يقضي باستمرار تجميد عمل مفوضية الانتخابات، لحين اكتمال نتائج التحقيق باتهامات تورطها بعمليات تزوير للنتائج، ليأتي الرد سريعًا من قادة تحالف الفتح المقربين من طهران قيس الخزعلي وهادي العامري، واللذين رفضا القرار خلال زيارة إلى مقر المفوضية في بغداد.

اقرأ/ي أيضًا: ماكغورك وسليماني في العراق.. أي المبعوثين سيشكل الحكومة العراقية؟

وبالتزامن مع تلك التحركات التي تقودها إيران كما تؤكد مصادر مطلعة، فإن قاسم سليماني يواصل لعب أوراقه لإقناع السنة والكرد بالانضمام إلى محور نوري المالكي وهادي العامري.

صخب واشنطن

وعلى خلاف الحراك الإيراني الهادئ، يتواصل حراك أمريكي صاخب يقوده بريت ماكغورك لتدعيم محور حيدر العبادي ومقتدى الصدر، بالأطراف الكردية والسنية، وهو ما لا يجري كما تشتهي واشنطن حتى الآن.

حيث كشفت مصادر مطلعة، عن مشادة اندلعت بين الزعيم الكردي مسعود بارزاني بطل حراك الانفصال وبين ماكغورك، إثر ضغط من الأخير بلغة حادة لدفع الكرد نحو ما يدعى نواة الكتلة الأكبر، التي انبثقت بعد اجتماع فندق بابل وسط بغداد، والتي تضم كلًا من "سائرون" والنصر والحكمة وائتلاف الوطنية.

وتقول المصادر، إن بارزاني رفض الانصياع الى الطلب الأمريكي، مصرًا على أن الكرد سيتجهون نحو من يضمن تطبيق شروطهم، التي تأتي في مقدمتها عودة الكرد إلى كركوك والمناطق المتنازع عليها.

من جانب آخر، تشير معلومات إلى تهديد تلقاه رئيس البرلمان السابق والقيادي في المحور الوطني السني، سليم الجبوري، على لسان مبعوث ترامب. وتكشف مصادر رفيعة، أن ماكغورك أجرى قبل أيام، اجتماعًا بالجبوري، أوصاه فيه بالذهاب إلى جانب ائتلاف النصر، والابتعاد عن المحور المقرب من طهران، مؤكدًا له أن سفينة دولة القانون والفتح ستغرق عاجلًا أم آجلًا، مع تلويح بعقوبات أمريكية على العراق، ستكون أشد من العقوبات المفروضة على إيران، بحسب المصادر.

عاصفة تطيح بالفياض والخزعلي

ظهرت نتائج الصراع على الحكومة المقبلة واضحة، حيث قرر العبادي إقالة رئيس هيئة الحشد الشعبي ومستشار الأمن الوطني فالح الفياض، ثم عرض وثائق فساد ضمن رواتب منتسبي الحشد الشعبي، وهو ما أثار غضب قادة الحشد ورفض زعيمي ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، وتحالف الفتح هادي العامري.

وتعبر الإطاحة بالفياض في هذا الوقت، بحسب مراقبين، عن دعم قوي تلقاه العبادي من المبعوث الأمريكي، جعله يعلن صراحة عن أسباب الإجراءات التي اتخذها في حق رئيس الحشد الشعبي، وهي أسباب قد تؤدي إلى غضب قادة الحشد الآخرين، أو أن يبادروا إلى إجراءات انتقامية ضد العبادي.

بالتزامن مع ذلك كشفت محاضر تحقيقات أمريكية مع زعيم حركة "عصائب أهل الحق في العراق"، قيس الخزعلي، عن كيفية تجنيد إيران له ولسائر الجماعات وقيامها بتحويل العراق إلى ساحة للميليشيات المتناحرة، واندلاع الحرب الأهلية.

سربت مصادر قضائية معلومات عن اعتقال قاض عراقي كبير متورط في ترتيبات قانونية تتولى طهران تخريجها، بهدف إجراء تعديلات في آليات تشكيل الكتلة البرلمانية

وذكرت "صحيفة وول ستريت جورنال" في تقرير يوم الخميس 30 آب/أغسطس 2018، أن تقارير الاستجواب الأمريكي للخزعلي التي رفعت عنها السرية مؤخرًا بعد عشر سنوات، تلقي الضوء على دور إيران في تدريب وتسليح الميليشيات العراقية التي هاجمت القوات الأمريكية خلال حرب العراق.

وبحسب الصحيفة، يأتي نشر هذه الوثائق في حين تدرس إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، إدراج الخزعلي وعصائب أهل الحق على قائمة المنظمات الإرهابية الدولية.

ويرى مراقبون، أن ملف الفساد الذي فتحه العبادي وتحركه واشنطن ضد الخزعلي، قد يؤدي بالضرورة إلى انسحاب الأطراف الموالية لإيران من السباق نحو رئاسة الوزراء، وهو ما يتطلب موافقة إيرانية، قد لا تأتي إلا بعد أن تتأكد طهران من الحصول من الجانب الأمريكي على ما يعوضها خسارتها.

استياء شعبي

على المستوى الشعبي، أبدى مواطنون استياءهم من تحول الصراع السياسي الى أروقة الأجهزة الأمنية، حيث تشهد البلاد هدوءًا أمنيًا حذرًا، يخشى العراقيون فقدانه لأسباب سياسية، ما قد يعيدهم إلى مربع التفجيرات والهجمات الدموية.

وكانت مصادر أمنية قد أبلغت "ألترا صوت" أن عبوتين ناسفتين قد انفجرتا في بغداد بالتزامن مع انعقاد اجتماعي كتلتي "الإصلاح والبناء" في منزل الحكيم و"البناء"، في منزل العامري وسط العاصمة، دون أن تسفرا عن سقوط ضحايا.

ويقول أحد المواطنين العراقيين ويدعى علي فالح، إن "البلاد تواجه من الأزمات ما يفوق قدرة أبناء الشعب على التحمل في ظل نقص الخدمات والمآسي التي تصيب المواطنين في البصرة"، مبديًا خشيته من "انفلات الوضع الأمني في البلاد بسبب الصراع السياسي الذي يغذيه كل من واشنطن وطهران، لضمان مصالحهما على حساب العراقيين".

اقرأ/ي أيضًا: بعد تطابق نتائج الانتخابات وشروط الصدر.. ما فرص تشكل الحكومة العراقية؟

من جانبه قال الصحافي أحمد الحسيني لـ "الترا صوت"، إن "حركة العبادي الأخيرة هي محاولة للتقرب أكثر للمعسكر الأمريكي بعد سلسلة إجراءات تصب بذات الهدف، لتأمين ولايته الثانية مقابل أي ثمن كان".

ويستبعد الحسيني، أن تلجأ القوى الشيعية المتخاصمة إلى استخدام التفجيرات كورقة ضغط ضد بعضها البعض، لكنه يشير إلى إمكانية لجوء تلك الأطراف إلى "عمليات التصفية الجسدية".

سيناريو محتمل

وبالعودة إلى جلسة البرلمان الأولى، تحدثت مصادر سياسية عن سيناريو تحيكه جهات سياسية لتأجيلها، مع عدم وجود نص قانوني يحول دون مثل هذه الخطوة، أو لجوئها إلى منع اكتمال نصاب الجلسة المنتظرة، في حال عدم تمكّنها من إخراج الكتلة النيابية الأكبر إلى دائرة الضوء قبيل ذلك الموعد.

وفي الحالة الأولى، تدور التوقعات حول تأجيل الجلسة إلى ما بعد الـ 15 من شهر أيلول/سبتمبر الجاري، بهدف منح المكونات الوقت الكافي لحسم توجهاتها بشأن "الكتلة الأكبر"، علمًا أن مصدرًا مطلعًا على مسار المفاوضات استبعد، الأسبوع الماضي، ولادة هذه الكتلة قبيل منتصف الشهر المقبل.

 أما في الحالة الثانية، فسيتم رفع الجلسة إلى ما بعد أسبوع، أملًا بأن تكون العقد المتصلة بمنصبَي رئاسة البرلمان ورئاسة الحكومة قد تحلحلت.

وتشهد الساحة السياسية العراقية محادثات مكثفة بين معسكرين متنافسين، الأول يتمثل بتحالف سائرون بزعامة مقتدى الصدر والنصر برئاسة العبادي والحكمة برئاسة الحكيم والوطنية بزعامة علاوي، فيما يتشكل المعسكر الثاني من تحالف الفتح برئاسة العامري ودولة القانون بزعامة المالكي والعصائب بزعامة الخزعلي. فيما تنتظر القوائم الكردية والسنية الدخول في مفاوضات تشكيل الحكومة المقبلة بعد الإعلان عن الكتلة النيابية الأكبر، من قبل أحد المعسكرين الشيعيين.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الهلال الشيعي.. مشروع إيراني أم أمريكي؟ (1/3)