03-أغسطس-2018

تعاني المرأة المغربية من التحرش بشكل علني وفي الفضاء العام (Getty)

"الزين فاين"، "مانشوفوكش"، "تيتيز منعرفوكش".. كلها عبارات تكاد لا توجد أي فتاة أو شابة إلا وتسمعها في كل مرة تخرج إلى الشارع في معظم المدن المغربية، حتى صار التحرش سلوكًا "شبه طبيعي" يتعايش معه الناس دون أن يفعلوا شيئًا لمنع فاعله، وحتى أصبحت النساء المغربيات يتعاملن معه كضريبة لا مفر منها مقابل الخروج من البيت.

ظهر شريط فيديو لأربعة فتيان يمزقون ملابس فتاة من ذوي الاحتياجات الخاصة، وهم يتحسسون جسدها في حافلة عامة في الدار البيضاء

في الصيف الماضي، ظهر شريط فيديو لأربعة فتيان تتراوح أعمارهم بين 15 و17 عامًا يمزقون ملابس فتاة من ذوي الاحتياجات الخاصة، وهم يتحسسون جسدها في حافلة عامة في الدار البيضاء، وفي نفس الصيف صدم الرأي العام المغربي بعد تداول مقطع فيديو لحشد من الشباب يتحرشون جماعيًا بفتاة في الشارع العام بمدينة طنجة. كانت الحادثتان، بالإضافة إلى حوادث أخرى حالفها الحظ بالظهور على الشبكات الاجتماعي صوتًا وصورة،  بمثابة ناقوس خطر سعار التحرش الذي أصاب البلاد.

ولذلك لم يكن مستغربًا أن مجلة فوربس الأمريكية صنفت المغرب عام 2017 كثاني أخطر بلد في العالم على النساء المسافرات، مباشرة بعد مصر التي احتلت المركز الأول عالمًيا. كما أن وزارة الخارجية الأمريكية عادة ما تحذر رعاياها السياح في المغرب من "العنف، والنشل، ومضايقة النساء".

أمام هذا المدى الفاضح الذي وصلت إليه ظاهرة التحرش وشكوى المنظمات الحقوقية النسائية، لم تجد الحكومة المغربية بدّا من إخراج قانون "العنف ضد المرأة"، الذي تمّ إقراره في مستهل هذا العام، لأجل حماية النساء من كل أشكال العنف، والعنف الجنسي واحد منها.

اقرأ/ي أيضًا: المرأة في ريف المغرب.. طبقات القهر المركب

ينص القانون على السجن لمدة تتراوح بين شهر وستة أشهر وغرامة تتراوح بين 2000 و10 آلاف درهم (211 دولار إلى 1054 دولار) لأي شخص يُدان بالتحرش الجنسي في مكان عام. ومع أنه لا يبدو كافيًا، غير أن الأصوات الحقوقية وصفته بأنه "بداية جيدة" لحماية النساء في الشارع. وبالفعل منذ ذلك الحين يبدو أن الوضع تحسن قليلًا، إذ بات الشباب المتحرشون يأخذون أمر إدانتهم في الاعتبار قبل شروعهم في التحرش، مثلما باتت النساء، البعض منهن على الأقل، أكثر ثقة للذهاب إلى مراكز الشرطة للشكوى ضد التحرش، فضلًا عن الأحكام القضائية التي لم تعد تتساهل جزئيًا مع مثل هذه السلوكيات.

لكن المدافعين عن حقوق المرأة يقولون إن القانون لا يفي بالغرض في مكافحة التحرش الجنسي، حيث لا تزال هناك ثغرتان رئيسيتان تحولان دون الوصول إلى هذا الهدف. أحدهما هي عدم جدية قسم من أجهزة القضاء والشرطة في التعامل مع قضايا التحرش المبلغ عنها، فقد ينتهي المطاف بكثير من المتحرشين، خاصة من ذوي النفوذ، إلى البراءة، نظرًا لشيوع نهج "الإفلات من العقاب" عندما يتعلق الأمر بأبناء النخبة السياسية والمالية والتكنوقراطية. وبالتالي عدم معالجة الظاهرة كما يجب. أما الثغرة الثانية فهي ترتبط بالعامل الثقافي.

تقول ستيفاني ويليم بوردات، التي عملت مع منظمات غير حكومية لأزيد من 17 عامًا لتعزيز حقوق المرأة في أنحاء المغرب، "إن الرجال هنا يشعرون أنهم يستحقون أجساد النساء، ويتعين عليهم أن يعبروا عن ذلك شفهيًا وإلا فلن يكونوا رجوليين".

اقرأ/ي أيضًا: المغربيات ينتفضن ضد التحرش الجنسي في وسائل النقل العمومي

ويمكن للتصورات المغلوطة حول الجنس والمرأة أن تكون حافزًا لممارسة العنف الجنسي، فبحسب دراسة أصدرتها هيئة الأمم المتحدة بشأن موضوع المساواة بين الجنسين في المغرب، فإن 78% من المغربيات يعتقدن أن المرأة التي ترتدي ملابس مثيرة تستحق ما يقع لها من تحرش ومضايقة، وهو ما يراه أيضًا الرجال بنسبة 72%.

إن بعض الرجال في المغرب يشعرون أنهم يستحقون أجساد النساء، ويتعين عليهم أن يعبروا عن ذلك شفهيًا وإلا فلن يكونوا رجوليين

وهكذا فإن ظاهرة التحرش تجد لها التبريرات الثقافية اللازمة لكي تصبح "جرمًا أبيض"، وتتحول إلى سلوك "طبيعي" في نظر الناس، ناهيك عن أن النساء لا يتجرأن في معظم الوقت للتبليغ عن التحرش خوفًا من الفضيحة، المرتبطة بثقافة الردع الاجتماعي، بدون نتيجة.

هذا يعني أن العنف الجنسي بشكل عام في المغرب، سواء تمثل في التحرش أو الاغتصاب، يرجع في أحد أسبابه الأساسية إلى خلل في التصورات الاجتماعية والثقافية السائدة حول المرأة والمساواة بين الجنسين، ومن ثم فإن سن هكذا قانون لن يحد من الظاهرة بدون معالجة جذور المشكلة في محتوى التعليم والقانون والإعلام، الذي يرسخ صور "الهيمنة الذكورية".

 

اقرأ/ي أيضًا: 

المغرب.. إعلام يهين المرأة

المغرب.. موجة غضب ضد "ماكياج" العنف المنزلي