يحتفل العالم في الثالث من أيار/مايو من كل عام باليوم العالمي لحرية الصحافة، وهو اليوم الذي حددته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو"، لتحيي من خلاله ذكرى اعتماد إعلان "ويندهوك" التاريخي الذي تم في اجتماع للصحافيين الأفارقة في 3 أيار/ مايو 1991.
ويتمثل الهدف من الاحتفاء بهذا اليوم في تذكير الحكومات بضرورة احترامها للصحافة وحريتها، هذا بخلاف العمل من أجل ضمان بيئة إعلامية حرة وآمنة للصحافيين، إذ يمثل هذا اليوم من كل عام فرصة للتناقش حول قضايا حرية الصحافة وأخلاقياتها والعمل على تعزيز المهنة وتوفير مظلة آمنة للعاملين فيها.
يتزامن هذا اليوم مع فوز مرشح المعارضة المصرية، ممثل التيار اليساري، خالد البلشي، في انتخابات التجديد النصفي لنقابة الصحفيين المصريين التي جرت الجمعة الثاني من الشهر الجاري، بعد اكتساحه لمنافسه، ممثل الحكومة، عبد المحسن سلامة، الرئيس الأسبق لمؤسسة "الأهرام"، في مفاجأة من العيار الثقيل.
جاء الفوز الكاسح الذي حققه خالد البلشي، بحصوله على 3346 صوتًا مقابل 2562 صوتًا لعبد المحسن سلامة، حاملًا في طياته الكثير من الرسائل
وتعد هذه المرة هي الثانية التي يطيح فيها البلشي بمرشح الحكومة وذلك بعد إطاحته في الانتخابات السابقة التي جرت قبل عامين، بمنافسه خالد ميري، رئيس التحرير السابق لصحيفة "الأخبار" الحكومية، وإن كان الفوز هذه المرة استثنائيًا سواء من حيث النتائج أو حالة الحشد والتجييش التي سبقت الماراثون والتي غلب عليها الخطاب الشعبوي.
وتُجرى انتخابات التجديد النصفي في نقابة الصحفيين المصريين، كل عامين على مقعد النقيب، و6 من مقاعد أعضاء المجلس، بما يمثل نصف عدد المقاعد البالغ عددها 12 مقعدًا، وتبلغ دورة كل عضو في المجلس 4 سنوات، وكان مقررًا لتلك الانتخابات إجرائها في آذار/ مارس الماضي إلا أنها أجلت لعدم اكتمال النصاب القانوني، وهذا أمر معتاد في كل جولة انتخابية، إذ من الصعب اكتمال النصاب مع دعوة الانعقاد الأول.
وبلغ عدد المرشحين على مقعد النقيب في تلك الانتخابات 6 مرشحين، أبرزهم النقيب الحالي، خالد البلشي، أحد أبرز قيادات ما يعرف بـ"تيار الاستقلال النقابي" صاحب الفكر اليساري المعروف، والنقيب الأسبق، ورئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام الحكومية، عبد المحسن سلامة، المحسوب على الدولة.
وعلى مقاعد عضوية المجلس الستة تنافس 43 مرشحًا، على رأسهم رأسهم رئيس تحرير مجلة "الأهرام الرياضي" سابقًا، وعضو مجلس الشيوخ محمد شبانة، ورئيس تحرير موقع "روزا اليوسف" وعضو المجلس أيمن عبد المجيد، ووكيل النقابة ورئيس لجنة الشؤون العربية بها، حسين الزناتي.
فوز مستحق ورسائل بالجملة
جاء الفوز الكاسح الذي حققه خالد البلشي، بحصوله على 3346 صوتًا مقابل 2562 صوتًا لعبد المحسن سلامة، حاملًا في طياته الكثير من الرسائل؛ أبرزها التأكيد على وحدة الصحفيين وصعوبة تفتيت لحمتهم، ورسالة رفض قوية لسياسة الإغراء واللعب على وتر أزمات الصحفيين المعيشية وتوظيفها انتخابيًا عبر إلقاء الفتات من الوعود والمكاسب المادية، إلى جانب التأكيد على أن السير عكس المزاج العام – مهما كانت الأدوات – وتجاهل إرادة الصحفيين، مغامرة فاشلة من الصعب تحقيق أي من نتائجها، وهو ما تحقق بشكل كبير.
كما عبّرت النتائج عن فشل سياسة "الحشد القطيعي"، حتى وإن نجحت في الانتخابات البرلمانية، لكن الجمهور المستهدف مختلف هذه المرة، وبالتالي فإن الإصرار على استخدام الأدوات ذاتها هو إصرار على الفشل. ومن بين الرسائل أيضًا ضرورة أن تراجع الحكومة نفسها فيما تطرحه من مرشحين، ليكونوا متوافقين مع إرادة العقل الجمعي الصحفي، حيث يكون العمل من أجل المهنة وتطويرها لا من أجل خدمة السلطة، أيًا كانت هويتها. وتبقى الرسالة الأهم في هذا الاكتساح هي الانتصار لصحافة حرة، ولمهنة ذات كرامة، لا تنتقص من هيبة وسمعة وعزة الصحفيين.
أربعة ملفات مُلحة
يواجه البلشي في ولايته الثانية قائمة طويلة من التحديات التي تضع الصحافة المصرية في مأزق حقيقي، وتُفقدها كثيرًا من تأثيرها وحضورها على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية، بعدما كانت تهيمن على المشهد الإعلامي العربي لعقود طويلة، قبل أن تسقط في فخاخ التأميم والاستقطاب والأدلجة.
هناك أربعة ملفات رئيسية من المؤكد أن تكون حاضرة بقوة على طاولة النقيب مع اليوم الأول في دورته الجديدة:
الحريات: وهو الملف الأبرز والشعار الأكثر حضورًا في برنامج البلشي الانتخابي، وهو ما أكد عليه في تصريحاته الأولى بعد الإعلان عن فوزه رسميًا، حيث هتف قائلًا "نريد صحافة حرة"، مضيفًا أن أولوياته تتضمن ضمان قدرة مهنة الصحافة على التعبير، بجانب استكمال جعل النقابة بيتًا لكل الصحفيين، مؤكدًا أن الجمعية العمومية تريد خدمات بكرامة وهو ما يمثل الرسالة الأهم.
حجب المواقع: ربما يميل البعض إلى أن هذا الملف لا يبتعد كثيرًا عن ملف الحريات، غير أنه يمثل نقطة مفصلية في التعاطي مع صورة الصحافة المصرية دوليًا، فمنذ عام 2017 وهناك العشرات من المواقع والمنصات لا تزال محجوبة، دون إبداء أسباب، ورغم تأكيد الحكومة بعدم مسؤوليتها عن هذا الحجب الذي وصل في بعض الأحيان إلى 500 موقع ومنصة، إلا أن هذا المشهد قدم صورة مخزية عن واقع الصحافة في مصر وهو ما انعكس على ترتيبها على مؤشر الحريات العالمي.
حبس الصحفيين: حسب التقرير العام لنقابة الصحفيين عن الفترة من آذار/ مارس 2023 حتى شباط/ فبراير 2024، فهناك أكثر من 19 صحفيًا على قوائم الحبس الاحتياطي (7 منهم نقابيين و12 من غير المقيدين بالنقابة) هذا بخلاف ثلاثة صحفيين صادرة بحقهم أحكام قضائية، في ظل تصاعد الخطاب الصحفي بضرورة منح هذا الملف أولوية قصوى.
أوضاع الصحفيين المعيشية المتدنية: يستهل البلشي ولايته الجديدة وهناك ما يزيد عن 72% من الصحفيين المصريين فيما دون الحد الأدنى للأجور المُحدد من الدولة بـ 7000 جنيه شهريًا (نحو 138.6 دولارًا أميركيًا) منهم 40% يعيشون بأقل من نصف الحد الأدنى، مقابل 28.2 % يلامسون الحد الأدنى أو يزيدون عليه، وفق ما كشفه الاستبيان الذي أجرته نقابة الصحفيين المصريين قبل أشهر قليلة.
هناك أربعة ملفات رئيسية من المؤكد أن تكون حاضرة بقوة على طاولة النقيب مع اليوم الأول في دورته الجديدة
وكان الاستبيان قد كشف أن 40.1% من الصحفيين يلجأون للعمل الإضافي بشكل دائم، للوفاء بالتزامات الحياة، ونحو 24.4 % يضطرون للعمل الإضافي أحيانًا، بخلاف 30% يلجؤون لأعمال غير صحفية لتحسين أجورهم، ما يعني أن قرابة ثلثي الصحفيين المصريين غير قادرين على تلبية احتياجاتهم المعيشية، مما يدفعهم للبحث عن عمل إضافي.
وكان المرشح المنافس، المدعوم من الحكومة، قد جاء ببرنامج مٌغري للأسرة الصحفية، زيادات كبيرة في البدل الصحفي، وآلاف من الشقق والوحدات السكنية بأسعار جيدة، وأراض زراعية رخيصة، وهو ما رفضه الصحفيون انتصارًا لحرية الصحافة ورفضًا لسياسة "إلقاء الفتات" لشراء أصواتهم، وهي الرسالة الأكثر حضورًا التي تضمنتها الانتخابات الحالية.