09-يونيو-2017

جيمس كومي خلال جلسة الاستماع إلى شهادته أمام الكونغرس الأمريكي (بريندان سميالوسكي/ أ.ف.ب)

مرة أُخرى يتورط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مواجهة، هذه المرة مع من وصفته صحيفة الغارديان البريطانية بـ"أكثر رجال الدولة استقلالًا وشفافية"، إنه جيمس كومي، الرئيس السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي، أحد أكثر الأجهزة تفردًا بالاستقلالية عن البيت الأبيض. 

وبأكثر من طريقة وفي أكثر من مناسبة، طالب ترامب كومي بولاء يحمل صيغة المساومة، ما جعل كومي يشعر وكأنه محاصر، وهو ما لا يتناسب إطلاقًا مع طبيعة عمله الحساسة، ولا مع استقلالها غير القابل للنقاش.

وحرر كومي سبع صفحات قال إنها تحمل تفاصيل مثيرة حول محادثاته الخاصة مع ترامب، بما في ذلك مكالمة هاتفية وقعت في 30 من آذار/مارس، طلب فيها ترامب بشكل مباشر أن يتجاوز كومي التحقيقات في هذا الموضوع. وقد تكون هذه المذكرة دليلًا تستخدمه جهات التحقيق ضد ترامب بتهمة "عرقلة سير العدالة".

ووصلت بعض التسريبات عن إفادة كومي إلى الصحافة، وفيها كشف رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالية الذي عزله ترامب من منصبه، عن تعرضه للضغط من قبل ترامب، لإيقاف التحقيق في علاقة أحد مستشاريه الكبار مع روسيا، حيث طالب ترامب من كومي بشكل مباشر بتجاوز التحقيقات في شأن علاقة الجنرال مايكل فلين مستشار الأمن السابق مع روسيا، قائلًا: "دعه يذهب". وبعد إقالته، صرح كومي بأنه رأى في تدخل ترامب لإيقاف التحقيقات حول فلين، "أمرًا مثيرًا للقلق".

شعر كومي في مجمل أحاديث ترامب له، بمحاولة الأخيرة مساومته على منصبه مقابل "الولاء والإخلاص الصادق"، بتعبير ترامب

اقرأ/ي أيضًا: دونالد ترامب.. سيرة موجزة لممثل فاشل

ويروي كومي تفاصيل أكثر عن العشاء الذي كان في كانون الثاني/يناير الماضي، والذي ربط فيه ترامب إيقاف التحقيقات بالولاء له، قائلًا: "أحتاج إلى الولاء". كما يروي قصة من داخل المكتب البيضاوي، حين انتهى الرئيس من اجتماعٍ مع كبار المسؤولين، ليغلق باب المكتب ويبدأ بالقول: "إن فلين لم يقم بأي خطأ بتحدثه مع الروس"، مُوضحًا أن عزل فلين كان بسبب تضليله لنائب الرئيس، ولأن ترامب كانت لديه مخاوف أُخرى من فلين لم يحددها.

ومن القصص المثيرة التي أشار إليها كومي، هي أنه وفي جلسة منفردة مع ترامب، سأله بشكل مباشر: "هل تود البقاء في منصبك؟". استغرب كومي من ذلك، لأن ترامب أكّد في عدة مناسبات سابقة رغبته في أن يبقى كومي في منصبه.

ساوم ترامب كومي على منصبه مقابل الولاء له (أندرو هارير/ Getty)
ساوم ترامب كومي على منصبه مقابل الولاء له (أندرو هارير/ Getty)

على ما يبدو كان كومي بالغ الحساسية فيما يتعلق بموضوع مساومة ترامب له على منصبه، كما إن إحساسًا بداخله أخبره أن ترامب يريد أن يبقى الأمر فيما بينهما في إطارٍ غير رسمي، مُشيرًا في هذا الصدد إلى نوعية التلمحيات التي حملتها محادثات ترامب معه، التي كان يُؤكد فيها الرئيس الأمريكية على أنه "لا يريد إخلاصًا عاديًا، بل إخلاصًا صادقًا"، الأمر الذي أزعج كومي كثيرًا كما يتضح.

أهم ما جاء في شهادة كومي

في البداية أوضح كومي أن تدوينه لشهادته هذه، كان بسبب خوفه من أن يغير ترامب ما جاء فيها أو يكذبه. وبدا على كومي الارتباك فيما يخص ظروف استقالته، لكنه نفى تمامًا أن مكتب التحقيقات الفيدرالي كان في حالة فوضى، واصفًا تلك الادعاءات بالأكاذيب.

ووفقًا لكومي، فإنّ قضية فلين التي طلب منه ترامب إيقاف التحقيق فيها، كانت من بين أسباب إقالته: "ربما اعتبر الرئيس أن التحقيق في هذه القضية أمرٌ ضاغط"، يقول كومي، الذي أوضح أنه اعتبر في تلمحيات الرئيس بإيقاف التحقيقات في قضية فلين، أمرًا مباشرًا، وهو أمر سبب لكومي قلقًا كبيرًا على طبيعة عمله.

وأشار كومي أيضًا إلى مطالبة ترامب له بالولاء، ليرد عليه كومي بأنه سيكون "صادقًا"، وكيف أن ترامب ظل يتحدث معه عن "الإخلاص الصادق" الأمر الذي أشعر كومي وقتها بأنّها مساومة مقابل البقاء في منصبه.

ردًا على سؤال حول مزاعم تدخل روسيا في سير الانتخابات الأمريكية التي أوصلت ترامب للحكم، قال كومي: "نعم لروسيا يد في الأمر"

وكشف كومي أيضًا عن أن هناك حالة من الجدل في أوساط مكتب التحقيقات الفيدرالي، حول ما إذا كان ترامب واقعًا تحت مظلة التحقيقات فيما يتعلق باتهمامه بـ"عرقلة سير العدالة"، أم لا، مُوضحًا أنه لم يصدر حتى الآن إعلان عام بذلك، كما هو الحال في قضية الرسائل الإلكترونية لهيلاري كلينتون

اقرأ/ي أيضًا: لماذا يخشى بوتين من فوز هيلاري كلينتون؟

أخيرًا، وإجابة على سؤال وجه إليه حول مزاعم تدخل روسيا في سير الانتخابات الرئاسية التي أوصلت ترامب إلى سدة الحكم، قال كومي: "نعم لروسيا يد في ذلك"، لافتًا أيضًا إلى أن ترامب "استهان" بالتحقيقات حول تدخل روسيا في الانتخابات، معتبرًا إياها "مضيعةً للوقت والجهد"، بتعبير كومي.

هجوم مضاد على شهادة كومي  

في المقابل، وعقب شهادة جيمس كومي أمام الكونغرس الأمريكي، أمس الخميس، أصدر المحامي الخاص بترامب بيانًا ردًا على شهادة كومي، نقلته صحيفة واشنطن بوست الأمريكية.

وقال محامي ترامب في البيان، إنه "على عكس كثير مما جاء في التسريبات التي تخص شهادة كومي، فإنّ ترامب لم يكن ابدًا محل تحقيق يخص التدخل الروسي"، مُشيرًا إلى أنه لا دليل على أنّ صوتًا واحدًا تغيّر نتيجة لأي تدخل روسي مزعوم.

واعتبر محامي ترامب، أن شهادة كومي دليل على أنّ ترامب لم يسع إلى عرقلة سير العدالة في قضية التدخل الروسي. وفي هذه النقطة على وجه التحديد، يستفيد محامي ترامب من دقة شهادة كومي التي قال فيها الأخير إنه لا يشهد أبدًا على أن ترامب طلب منه بشكل مباشر "وقف التحقيقات في قضية التدخل الروسي"، وإنما كانت طلباته تلميحات حول "تقليصها". كما أضاف المحامي أن ترامب لم يقل أبدًا، نصًا، لكومي: "أنا أريد الإخلاص"، رغم أن ترامب كرئيس للدولة، يحق له، وفقًا للمحامي، أن يتوقع ممن يعملون معه الإخلاص.

جيمس كومي يدلي بشهادته أمام لجنة الاستخبارات في الكونغرس الأمريكي (كريس ماي/ Getty)
جيمس كومي يدلي بشهادته أمام لجنة الاستخبارات في الكونغرس الأمريكي (كريس ماي/ Getty)

كذلك اعتبر محامي ترامب أن تسريب شهادة كومي للصحافة أمرٌ غير قانوني، بل يستحق كومي بسببه أن يخضع للتحقيق، وفقًا للمحامي، الذي ركز في نهاية بيانه على ما أشارت إليه لجنة المخابرات في مجلس الشيوخ، وهو أنّ ترامب "لم يكن سببًا في عرقلة سير العدالة".

ما الذي سيفعله ترامب بعد شهادة كومي؟

ليس لدى ترامب الكثير من الخيارات في هذا الشأن، فعلى الرغم من قدرته على استخدام صلاحياته كرئيس في منع كومي من الإدلاء بشهادته، إلا أنه لم يفعل ذلك، وما كان عليه أن يفعل، إذ إنها في حال وقعت ستكون سابقة من نوعها. أمر ثانٍ كان ليستخدمه ترامب، وهو أن القانون ينص على منع الموظفين الحكوميين من الإفصاح عن أية تفاصيل تخص محادثاتهم مع الرئيس، ولكن ما حدث هو أن كومي أُقيل من منصبه، وأصبح مواطنًا عاديًا.

هذا بالإضافة إلى أن الأمر التنفيذي الذي يمنح الرئيس صلاحية منع كومي للإدلاء بشهادته، لا يمكن استخدامه لإخفاء نشاط غير شرعي أو محظور ارتكبته الإدارة الأمريكية.

لعل أكثر ما يتمناه ترامب الآن، ألا يلقى نفس مصير نيكسون، خاصةً وأنه لا زال في شهوره الأولى من الحكم

لذا يبدو أن البيت الأبيض غير مستعد لدفع تكلفة عرقلة شهادة كومي، الذي تحول موضوع عزله إلى قضية رأي عام في المجتمع الأمريكي. كما أن الاتجاه العام بمجلس الشيوخ الأمريكي يحفز كومي على الإدلاء بشهادته في ظل تناقص واضح لشعبية الرئيس داخل المجلس، ودعوة صريحة لكومي للإدلاء بشهادته.

اقرأ/ي أيضًا: المخابرات الأمريكية: بوتين أطلق حملة لدعم ترامب

ولعل أكثر ما يتمناه ترامب الآن، هو ألا يلقى مصيرًا كمصير نيكسون، خاصة وأن ما حدث مع نيكسون كان بعد سنوات من حكمه، وليس في الشهور الأولى كما الحال مع ترامب المثير للجدل من قبل وصوله للبيت الأبيض، لكن تبقى مقولة اللوبيات الكبيرة شاخصة " ترامب سيئ للسمعة جيد للمصالح" في ظل شعبية انتخابية جمهورية لم تفتر!

 

اقرأ/ي أيضًا:

ترامب.. النسخة الأكثر فشلًا من نيكسون

من الملام على فوز ترامب؟