22-نوفمبر-2018

الطواحين الهولندية تحتفل بهدفيها في المنتخب الفرنسي (Getty)

لم يواجه أي منتخب كرة قدم في العالم، حظًا عاثرًا في المسابقات القارية والدولية، كالذي واجهه المنتخب الهولندي. فقد رافق المنتخب البرتقالي في المرات الثلاث التي وصل فيها إلى المباراة النهائية، سوء حظ غريب، وخسرها جميعًا بصعوبة بالغة.

لم يواجه أي منتخب كرة قدم في العالم، حظًا عاثرًا في المسابقات القارية والدولية، كالذي واجهه المنتخب الهولندي

واثنتان من هذه المباريات، كانتا في سبعينات القرن الماضي، وفي الفترة الذهبية للكرة الهولندية، مع الكرة الشاملة التي ابتكرها وطبّقها يومها المدرب مارينوس هندريكوس، المعرون  باسم رينوس ميشال. فخسر المنتخب الهولندي آنذاك نهائي الـ74 أمام ألمانيا المضيفة 2-1 وبصعوبة بالغة، ثم خسر نهائي الـ78 أمام الأرجنتين المضيفة أيضًا، بعد مباراة مثيرة ومجنونة، حيث حرم القائم الأيمن للمرمى الأرجنتيني، المنتخبَ الهولندي من الفوز في الثواني الأخيرة، قبل أن تعود الأرجنتين وتفوز في الوقت الإضافي وتتوج بنجمتها الأولى.

وبعد 22 سنة، خسر المنتخب الهولندي، النهائي الثالث أما إسبانيا وجيلها الذهبي، وفي اللحظات الأخيرة من الوقت الإضافي، وذلك بهدف إنييستا القاتل. فيما وقفت الضربات الترجيحية إلى جانب الأرجنتين في مونديال البرازيل 2014، وخرج منتخب لويس فان غال من نصف نهائي المونديال.

اقرأ/ي أيضًا: نهاية عصر الطواحين؟

4 سنوات عجاف وشح في المواهب

وشكل مونديال البرازيل 2014، والذي فازت هولندا بميداليته البرونزية، المحطة الأخيرة لجيل من اللاعبين، مثل روبن فان بيرسي، وستيكلنبرغ، وويسلي شنايدر، ودي يونغ. ثم دخل المنتخب بعدها فترة فراغ كبيرة، فتراجعت نتائجه بشكل مخيف، وغابت الطواحين عن نهائيات يورو 2016 في فرنسا، وعن نهائيات مونديال 2018 في روسيا. وتراجع مستوى المنتخب في تصنيف الفيفا، كما انخفض تصنيف الدوري الهولندي في البطولات الأوروبية.

وفي السنوات الأخيرة، ابتداءً من العام 2014، وبعكس ما اعتدناه دائمًا، لم نعد نرى الكثير من المواهب الهولندية في الدوريات الأوروبية الكبرى، في حين أنه في مطلع التسعينات، قاد الثلاثي الذهبي الهولندي فان باستن ورايكارد ورود غوليت، فريق ميلان الإيطالي إلى صناعة المجد، فيما طبق يوهان كرويف الفلسفة الهولندية في الفترة نفسها مع برشلونة، مع تواجد النجم رونالد كومان. 

وتميزت هولندا في العقدين الأخيرين بتخريجها لنخبة من أفضل المهاجمين في العالم، من دينيس بيركامب وباتريك كلويفرت، مرورًا بفان نيستلروي وهانتيلار وروي ماكاي، ووصولًا إلى روبن فان بيرسي.  فيما تألق بشكل لافت ثنائي الوسط دايفيدز وسيدورف، إضافة إلى الجناح المتألق آريين روبن والنجم ويسلي شنايدر وعشرات المواهب الأخرى.

وعليه فإن غياب المواهب الهولندية في السنوات الأخيرة، كان جليًا وملفتًا، ويستحق التوقف عنده، خاصةً في ظل تواجد مدارس كروية كبيرة في هولندا معتادة على تخريج النجوم كأجاكس امستردام وايندهوفن.

الاستعانة بكومان للعودة إلى الطريق الصحيحة  

بدأت ملامح الانفراج الكروي تلوح في سماء هولندا قبل سنة تقريبًا، عندما تعاقد الاتحاد الهولندي لكرة القدم، مع النجم السابق رونالد كومان، لقيادة الطواحين في الفترة القادمة. وفي الفترة نفسها كان ليفربول يفاوض المدافع الهولندي فان دايك، وينجح في ضمه، ليصبح يومها أغلى مدافع على الإطلاق.

وممفيس ديباي، الذي فشل في تجربته مع مانشستر يونايتيد، استعاد تألقه رفقة ليون الفرنسي، وعاد إلى تشكيلة الطواحين الأساسية. كما أن موهبتا أجاكس الشابتان، المدافع ماتيوس دي ليخت، ولاعب الوسط فرانكي دي يونغ، يقدمان مستويات مدهشة وتتسابق كبار فرق أوروبا للحصول على توقيعيهما.

كومان أنقذ السفينة الهولندية من الغرق ونجا بها إلى شاطئ الأمان
كومان أنقذ السفينة الهولندية من الغرق ونجا بها إلى شاطئ الأمان

بدأ الهولنديون وغيرهم من المتابعين، الشعور بأن لاعبيهم بدأوا تدريجيًا بالعودة إلى الواجهة، وأنهم بالتالي قادرين، تحت قيادة كومان، على الخروج من النفق المظلم، والعودة مرة أخرى إلى تنشق هواء المحافل الكروية الكبرى.

صدارة المجموعة الحديدية    

شاءت قرعة دوري الأمم الأوروبية في نسختها الأولى، أن توقع المنتخب الهولندي في المجموعة الأصعب، والتي تضم بطلي آخر نسختين من كأس العالم: ألمانيا وفرنسا. وتوقّع الجميع أن يكون المنتخب البرتقالي حصالة المجموعة، حيث سيواجه منتخبين يتوفقان عليه في كافة النواحي. وبالفعل فقد خسر رجال كومان مباراتهم الأولى أمام فرنسا لتتأكد بعض هذه الظنون.

لكن رجال المدرب كومان فاجأوا الجميع في المباراة الثانية، وحققوا فوزًا مبهرًا على ألمانيا 3-0، بعدما سيطروا على المباراة بشكل كامل. قبل أن يعود الفريق ويضرب بقوة، ويهزم فرنسا 2-0، في مباراة تصدى فيها الحارس الفرنسي هوغو لوريس لعشر تسديدات، ما جنّب أبطال العالم خسارة تاريخية ومذلة.

وفي المباراة الأخيرة ضد ألمانيا، عاد الهولنديون في الدقائق الأخيرة وسجلوا هدفين متأخرين، عادلوا من خلالهما النتيجة، وانتزعوا صدارة المجموعة، وتأهلوا إلى نصف نهائي المسابقة. فيما اكتفى الفرنسيون بالمركز الثاني، وهبطت ألمانيا التي تذيلت المجموعة إلى المستوى الثالث.

بدأت ملامح الانفراج الكروي تلوح في سماء هولندا قبل سنة تقريبًا، فقد استطاع  رونالد كومان إنقاذ السفينة الهولندية وإعادتها لشاطئ الأمان

نجح رونالد كومان إذن في إنقاذ السفينة الهولندية، وأعادها إلى شاطىء الأمان. لكن الاستحقاقات المقبلة ستكون الاختبار الحقيقي، فهل ستسعيد هولندا مكانتها كقوة عظمى في كرة القدم؟ فلننتظر ونرَ.

 

اقرأ/ي أيضًا:

 ألعاب الصحافة في كرة القدم.. التقرير الذي حرم هولندا مرتين من كأس العالم!