08-مايو-2019

بعد عام من الانتخابات النيابية لم تحقق حكومة الحريري أي من طموحات اللبنانيين (Getty)

قبل حوالي سنة، كانت اليافطات والأعلام الحزبية تملأ شوارع لبنان وجدرانه، وكانت الهتافات والشعارات الحزبية تصدح من مكبرات الصوت، والمسيرات الانتخابية تجول في الشوارع لتحض المواطنين على انتخاب هذه اللائحة  أو تلك. حيث إن الانتخابات النيابية التي تأجلت لعدة سنوات بسبب فشل الساسة في الاتفاق على نمط محاصصة يرضي تطلعاتهم، أقيمت في السادس من أيار/مايو 2018، وقد نجحت أحزاب السلطة في الحصول على الغالبية العظمى من المقاعد، بالرغم من اعتماد القانون النسبي للمرة الأولى.

أطفأ المجلس النيابي اللبناني إذًا شمعته الأولى وأنهى سدس ولايته. أما الوعود التي قطعها النواب على محازبيهم ومواليهم فلم تتحقق بالمجمل تقريبًا، والمشاكل لا تزال نفسها

وقد عكست انتخابات 2018 ارتهان القسم الأكبر من اللبنانيين للأحزاب التي تمثل طوائفهم ومذاهبهم، وأظهرت أن التذمر الذي يبدونه طوال الوقت، والسخط من الوضع الاجتماعي والاقتصادي الذي أوصلتهم إليه الطبقة الحاكمة، لم يكن فاعلًا أو مؤثرًا عند الصناديق على الأقل.

إقرأ/ي أيضًا: أبرز 10 فضائح فساد في لبنان

نجح فريق 8 آذار في تحقيق الأغلبية النيابية، على حساب فريق 14 آذار الذي دفع ساسته ثمن هفواتهم وحساباتهم الخاطئة، وخاصة سعد الحريري الذي كان قد احتجز في السعودية قبل التصويت بأشهر، قبل أن يعود ويخوض الانتخابات ويخسرها. وبالرغم من الخسارة، فقد كلَف سعد الحريري بتشكيل الحكومة من غالبية النواب، كما حصل نبيه بري على غالبية الأصوات لترؤس المجلس النيابي، الأمر الذي يؤكد ويثبت مرة أخرى، بعد تجربتي 2005 و2009 أن لبنان لا يُحكم بمنطق الموالاة والمعارضة والاحتكام لنتائج الانتخابات، بل يخضع للتوازنات السياسية والإملاءات الخارجية.

حكومة عاجزة عن مواجهة التحديات

بعد مخاض عسير، وأشهر من التعطيل والفراغ الحكومي، أبصرت حكومة سعد الحريري النور، وقد تألفت من 30 وزيرًا تقاسمتهم الكتل النيابية بالتناسب مع حجم كل كتلة، فأصبح الجميع في الحكم، وغاب أي نوع من المعارضة الوازنة التي من شأنها أن تراقب عمل الحكومة وتحاسبها. وقد وضعت الحكومة في بيانها الوزاري عناوين براقة، فأطلقت على نفسها اسم حكومة كلنا للعمل، ووضعت مشروع مكافحة الفساد وكشف مكامن الهدر على سلم أولوياتها، فيما كان التحدي الأبرز أمامها، هو إقناع المجتمع الدولي بجديتها في ما يخص الإصلاحات الإدارية والمالية المزعزمة، لكي يفرج هذا الأخير عن أموال مؤتمر سيدر المخصص لدعم لبنان.

أطفأ المجلس النيابي إذًا شمعته الأولى وأنهى سدس ولايته. أما الوعود التي قطعها النواب على محازبيهم ومواليهم فلم تتحقق بالمجمل تقريبًا، والمشاكل لا تزال نفسها، بل إن الوضع ينحو نحو الأسوأ على كافة الصعد. لا ساعات التغذية الكهربائية ازدادات، ولا البنى التحتية تم إصلاحها، فيما يستمر رفع أسعار المحروقات أسبوعيًا منذ عدة أشهر، وتفرض الدولة الضرائب بمناسبة أو بدون، وهي ضرائب تطال بمعظمها ذوي الدخل المحدود.

هل ينهار الاقتصاد اللبناني؟

في ظل الحديث المتزايد انهيار اقتصادي وشيك في لبنان، والمترافق مع تسريبات وتحليلات صحفية محلية وعالمية، في نفس الاتجاه، استفاق اللبنانيون صبيحة السادس من شهر مايو/أيار على أخبار هزت البلد، متعلقة جميعها بالوضع المالي والنقدي، وإشاعات عن انخفاض قيمة الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأمريكي، وإققال لبورصة بيروت، بالتزامن مع إضراب موظفي مصرف لبنان الرافضين بأي شكل أن تمس رواتبهم وامتيازاتهم في الموازنة المزمع إقرارها قريبًا. وساهمت مواقع التواصل الاجتماعي في سرعة انتشار أخبار زادت الهلع بين اللبنانيين، مع نصائح بسحب أموالهم من المصارف.

وفيما كانت الإضرابات تعم البلاد، من موظفي المصرف المركزي إلى موظفي الضمان الاجتماعي، وإعلان أساتذة الجامعة اللبنانية عن إضراب مفتوح، أصدر رئيس الحكومة مذكرة طلب فيها من الإدارات الرسمية تنفيذ القوانين والتعليمات التي تؤمن استمرار عمل السلطة، والحيلولة دون شلها أو تعطيلها، وبما يحظر على الموظف أن يضرب عن العمل، أو أن يحرض على الإضراب. وقد رفض الكثير من الحقوقيين والناشطين قرار الحريري، ورأوا فيه انتهاكًا لحق الموظف في الإضراب للمطالبة بحقوقه، وهو حق تحفظه اتفاقيات العمل الدولية التي وقع لبنان عليها.

اقرأ/ي أيضًا: الفساد يلاحق المواطنين إلى قبورهم في لبنان

وقد اجتمع الرؤساء الثلاثة في قصر بعبدا ليلًا  بشكل مفاجئ، لبحث التطورات الأخيرة وخاصة  فيما يتعلق بإقرار الموازنة، وبالإضرابات المتنقلة ولا سيما إضراب موظفي مصرف لبنان الذي من شأنه أن يحدث أزمة مالية كبيرة في البلاد في ما يخص السيولة وتداول العملات وما إلى ذلك.

بعد شتاء قارس عاشه اللبنانيون، ها هي التهديدات بصيف ساخن على المستوى الأمني، تترافق مع غلاء أسعار مستمر ومخاوف جدية من انهيار العملة

بعد شتاء قارس عاشه اللبنانيون نتيجة لانخفاض درحات الحرارة بشكل كبير، ها هي التهديدات بصيف ساخن على المستوى الأمني، تترافق مع غلاء أسعار مستمر ومخاوف جدية من انهيار العملة أو فشل الدولة في دفع مستحقاتها، وتقض مضاجع اللبنانيين، خاصة في ظل تردي العمل السياسي وغياب آليات المراقبة والمحاسبة، والتهاء كل كتلة بالحصول على أكبر حصة لها قبل انهيار الهيكل.

 

اقرأ/ي أيضًا:

القطاع الصحي الحكومي في لبنان.. اختلاسات وفساد!

خصخصة الكهرباء في لبنان.. فواتير اللحم الحيّ