04-مارس-2019

قوات روسية في ريف درعا (أندريه غريزينوف/تاسا)

الترا صوت – فريق التحرير

كشفت الزيارة التي أجراها رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى طهران بشكل مفاجئ الأسبوع الفائت عن حجم التفاوت في المصالح المشتركة بين الأطراف الدولية الداعمة للنظام السوري، والتي من الواضح أنها قد تكون بداية لانقسام في الموقف على الساحة الدولية، في ظل التصريحات المتبادلة إن كانت بين الأطراف الإقليمية أو الدولية، وهو ما يشير إلى تعقيدات لا تزال تؤثر سلبيًا على أي أفق يلوح بإيجاد حل نهائي للأزمة السورية الراهنة.

إن أفق بروز أي حل سياسي ينهي الانقسام الدولي حول الملف السوري يبدو صعب التحقق خلال الفترة القادمة، بعدما أعادت زيارة الأسد لطهران خلط الأوراق مجددًا على الساحة السورية

الأسد في طهران.. بعيدًا عن موسكو

الزيارة التي ألتقى فيها الأسد بالمرشد الأعلى علي خامنئي، والرئيس الإيراني حسن روحاني، يبدو أنها شكلت منعطفًا جديدًا على طبيعة العلاقة مع موسكو، التي تسعى جاهدًة منذ أيلول/سبتمبر 2015 لإدارة الملف السوري دوليًا رغم معارضة واشنطن لذلك، ومحاولتها الظهور بموقف المسيطر تجنبًا للتوسع الإيراني في المنطقة.

اقرأ/ي أيضًا: ما هي فرص استمرار التحالف الروسي الإيراني بعد انتهاء الحرب السورية؟

الأحداث التي جاءت اعتبارًا من اليوم التالي للإعلان عن زيارة الأسد لطهران، أظهرت بشكل واضح امتعاض موسكو من النظام السوري، الذي أظهر في هذه الزيارة حجم التناقض بين الأطراف الدولية التي تقاتل إلى جانبه ضد قوات المعارضة السورية، والتي بدأت بتسريب صورة للأسد ظهر فيها ضمن الوفد المرافق للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في زيارته التي أجراها لقاعدة حميميم الجوية نهاية عام 2017.

كذلك فإن الأسد قبل زيارته لطهران بأسبوع تقريبًا، جدد خلال كلمته التي ألقاها أمام رؤساء المجالس المحلية رفضه للجنة الدستورية، التي قسمها لقسمين "وطني وعميل"، وشدد فيها على أنه "لا حوار بين طرف وطني وآخر عميل"، وهو ما يضعف موقف موسكو دوليًا التي أعلنت لأكثر من مرة، كان أخرها نهاية شباط/ فبراير الماضي عن جهوزيتها مع وجود بعض التحفظات من الأمم المتحدة، فضلًا عن المخرجات التي أفضى إليها الاجتماع الأخير بين رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو مع بوتين.

كما أن الصحافة الروسية في تحليلها لزيارة الأسد إلى طهران عكست امتعاض موسكو من التقارب السوري – الإيراني الذي يتناقض مع المصالح الروسية في سوريا، والتي رأت أن هذا التقارب قد يعزز فرص الاشتباك بين إسرائيل وإيران في الساحة السورية، بعد تحقيق إيران لـ90% من أهدافها الإقليمية في سوريا، في إشارة فيما يبدو لسيطرتها على طريق بغداد – دمشق وصولًا لجنوب لبنان.

التقارب الإسرائيلي – الروسي.. توافق على المصالح

كان واضحًا أن تصدر الملف الإيراني لجدول الاجتماع بين رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتيناهو، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أن إسرائيل تخشى من تنامي النفوذ الإيراني في سوريا، وكانت طهران فعليًا شرعت خلال السنوات السبع الفائتة في تعزيز تواجدها العسكري في سوريا عبر إنشاء قواعد عسكرية في مختلف المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري، ودعمها غير المحدود لحزب الله اللبناني أو قوات الحشد الشعبي العراقي، الأمر الذي ترتب عليه تنفيذ تل أبيب لعشرات الضربات الصاروخية التي استهدفت مواقع إما للنظام السوري أو للميليشيات المدعومة من طهران في سوريا.

أفضت مخرجات الاجتماع بحسب ما نقلت وكالات الأنباء الروسية تشكيل فريق عمل بين إسرائيل وروسيا بهدف إبعاد القوات الأجنبية من سوريا، وهو ما يؤكد على مدى التضارب بين مصالح الطرفين، ففي الوقت الذي تشدد فيه تل أبيب على ضرورة الانسحاب الإيراني، تُصر موسكو على وجوب انسحاب القوات الأمريكية من المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) من شمال شرق سوريا، أو من قاعدة التنف العسكرية قرب الحدود السورية – الأردنية في جنوب البلاد.

كما أن تل أبيب ترى بعد فشل مؤتمر وارسو الذي عقد منتصف شباط/فبراير الماضي لمواجهة النشاط الإيراني "المزعزع للاستقرار" في المنطقة، أنه لا بد من التقارب مع موسكو في ظل التأرجح في قرارات الإدارة الأمريكية التي أعلنت عن سحب قواتها من سوريا، قبل أن تتراجع عن قرارها لاحقًا، فيما لا تزال المنطقة الآمنة التي تسعى الدول الفاعلة في الأزمة السورية لإنشاءها في شمال شرق سوريا محط تجاذبات سياسية، وتواجه معارضة شديدة من النظام السوري وحليفته طهران، ما يضعف صورة موسكو دوليًا.

الأسد أقرب إلى طهران من موسكو

فيما حددت تل أبيب موقفها من التواجد الإيراني في سوريا خلال الاجتماع الأخير في موسكو، فقد ظهرت الأخيرة بموقف واحد من القوات الأجنبية دون أن تحدد دولًة معينة، فهي ترى أنه في حال كان لا بد من انتشار قوات تركية في المنطقة الآمنة فيجب أن تحصل على موافقة النظام السوري بالإضافة للقوات الأمريكية، وهي بالوقت ذاته لا تزال تتجنب الحديث عن الميليشيات المدعومة من إيران.

على الرغم من محاولات موسكو تجنب بروز أي تصريحات قد تثير مخاوف لدى الجانب الإيراني، فإن صراعًا داخليًا على النفوذ بين قوات النظام السوري المدعومة من الطرفين نشب خلال الفترة الماضية، بعد حادثة الاشتباك بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة بين قوات الفرقة الرابعة التي تدعمها طهران بقيادة ماهر الأسد، وقوات النمر التي تدعمها موسكو بقيادة العقيد سهيل الحسن، الذي كان حاضرًا إلى جانب الأسد في زيارة بوتين الأخيرة إلى قاعدة حميميم الجوية، ويلقى حفاوًة من الصحافة الروسية التي تصفه برجل بوتين الأول في سوريا.

علاوًة على ذلك فإن موسكو تستند في ضرورة انسحاب كافة القوات الأجنبية من سوريا إلى الاتفاقيات التي وقعتها مع النظام السوري خلال الأعوام السابقة، لضمان فترة تواجد قواتها في سوريا على المدى البعيد، وهو عكس التواجد الإيراني الذي تصر طهران على أنه يقتصر على المستشارين العسكريين، رغم توقيعها اتفاقية تعاون دفاعي مشترك مع النظام السوري، أو القوات الأمريكية أو التركية التي ترى بأنه تواجد غير شرعي كونه لم يلقى موافقة من النظام السوري، وفي كلا الأمرين فإن موسكو تدرك جيدًا أن التواجد الإيراني في سوريا يعيق أي تقدم في المفاوضات بين النظام والمعارضة السورية، ولن يلجم إسرائيل عن تنفيذ ضربات صاروخية للنظام السوري رغم امتلاكه لمنظومة الدفاع الجوي الصاروخية إس-300.

اقرأ/ي أيضًا: البوصلة نحو موسكو.. هكذا أصبح بوتين الزعيم الجديد للشرق الأوسط

ولعل أكثر ما يهم موسكو من التوصل لحل سياسي في سوريا يحصل على توافق دولي، هو ملف إعادة الإعمار الذي تؤكد الدول المانحة بالاشتراك مع الأمم المتحدة على أنه لن يتم في حال لا يزال الصراع العسكري دائرًا، وهو ما يشير لمحاولات طهران إعاقة أي حل سياسي قبل أن يستعيد النظام السوري السيطرة على كافة الأراضي الخارجة عن سيطرته، الأمر الذي يعيق محاولات موسكو لإيجاد تفاهمات مشتركة مع الجانب التركي لضمان الاستقرار في شمال سوريا أو شمال شرق سوريا رغم التواجد الأمريكي فيها.

لعل أكثر ما يهم موسكو من التوصل لحل سياسي في سوريا، هو ملف إعادة الإعمار الذي تؤكد الدول المانحة والأمم المتحدة  أنه لن يتم في حال لا يزال الصراع العسكري دائرًا

وعلى ضوء ذلك، فإن أفق بروز أي حل سياسي ينهي الانقسام الدولي حول الملف السوري يبدو صعب التحقق خلال الفترة القادمة، بعدما أعادت زيارة الأسد لطهران خلط الأوراق مجددًا على الساحة السورية، وأظهرت بشكل واضح تذمر موسكو من الزيارة التي اعتبرتها بمثابة ضربة لها، ما دفعها للتشديد على انسحاب القوات الأجنبية من سوريا، أو التوافق مع تل أبيب على تجنب حدوث أي تصادم عسكري مستقبلًا في حال أرادت تنفيذ ضربات صاروخية للمواقع الإيرانية في سوريا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

 الأسد.. مصيرٌ تصنعه تحالفات روسيا