رغم الإعلان عن وقف إطلاق النار، لا تزال الجروح مفتوحة والدمار شاهدًا على ما حدث في غزة، حيث تمتزج المعاناة بالأمل. مع ذلك، لا يزال الفلسطينيون يحلمون بالعودة إلى ديارهم.
وبعد حرب استمرت 15 شهرًا، خلّفت آلاف الضحايا والكثير من القصص الموجعة، تنقل الصحفية الفلسطينية المقيمة في غزة، مها الحسيني، تفاصيل معاناة شعب يعيش بين الموت والنزوح، مع بصيص أمل بالعودة.
الصحفيون في غزة كانوا في سباق ضد الزمن، حيث أصبحت حياتهم مهددة في كل لحظة. مع كل تقرير عن انتهاكات جيش الاحتلال الإسرائيلي، ومع كل زميل صحفي يسقط شهيدًا
تبدأ الحسيني مقالها المنشور في موقع "ميدل إيست آي" بالتذكير بأنها لم تكن تتخيل أنها ستكتب يومًا عن نهاية هذه الحرب، وقد تصالحت مع فكرة أنها ربما لن تصل إلى هذه اللحظة أبدًا.
في 13 تشرين الأول/أكتوبر 2023، وبينما كانت تخلي منزلها في مدينة غزة، حملت معها حاسوبها المحمول، الذي أصبح أداة لتوثيق المجازر التي لا تُحصى. خلال تلك الفترة، لم يكن الأمل بنهاية الحرب حاضرًا، بل كان التركيز منصبًا على توثيق كل قصة وكل مأساة قبل أن تُفقد.
هكذا بدا #مخيم_جباليا بعد الحرب..
📸 خالد طعيمه@palestineultra pic.twitter.com/B3lS9uYhAN
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) January 19, 2025
توثيق المأساة في ظل الخطر
على مدى 15 شهرًا الماضية، تم تهجير الحسيني قسرًا ثلاث مرات في وسط وجنوب قطاع غزة. كان أبعد مكان عن منزلها حوالي 40 دقيقة بالسيارة. تقول: "طوال هذا الوقت، شعرت أن الموت أقرب إلي من المنزل الذي تركته ورائي".
الصحفيون في غزة كانوا في سباق ضد الزمن، حيث أصبحت حياتهم مهددة في كل لحظة. مع كل تقرير عن انتهاكات جيش الاحتلال الإسرائيلي، ومع كل زميل صحفي يسقط شهيدًا، بات البقاء على قيد الحياة لا يعني النجاة فحسب، بل كان وسيلة لنقل الحقيقة قبل أن يتوقف الوقت بالنسبة لهم أيضًا.
مع انقطاع التيار الكهربائي والاتصالات في غزة، وُضع الصحفيون في عزلة شبه تامة. ورغم كل شيء، كانت كل رسالة نصية تُرسل وكل تقرير يُنشر بمثابة انتصار صغير وسط بحر من الألم. حتى أشياء بسيطة، كتشغيل التلفاز لأول مرة بعد شهور باستخدام ألواح شمسية، أصبحت رمزًا للمقاومة ضد محاولات إسكات الصوت الفلسطيني.
تزامن إعلان اتفاق وقف إطلاق النار مع وجود الحسيني في مستشفى الأقصى بدير البلح، المكان الذي كان محفوظًا في ذاكرتها كموقع للبقاء والخسارة. هناك، جمعت شهادات الفلسطينيين الذين تعرضوا للاستهداف أو لجأوا إلى المستشفى هربًا من القصف. المستشفى نفسه لم يسلم من المجازر، حيث استهدفته القوات الإسرائيلية وقتلت مدنيين كانوا يحتمون في خيام نصبوها في ساحته.
🎥 حجم كبير للدمار.. كيف صار دوار النجمة وسط #رفح؟ pic.twitter.com/y7IxgAExuc
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) January 19, 2025
الحلم بالعودة
سألت الحسيني 9 فلسطينيين، بينهم نازحين وصحفيين ومرضى، عن أول ما يريدون فعله بعد سريان وقف إطلاق النار. كانت الإجابة واحدة: "العودة إلى منازلنا في شمال غزة".
لمن يعيش خارج هذه المأساة، قد تبدو هذه الإجابة متوقعة. لكن بالنسبة إلى شخص نزح أكثر من مرة، تصبح الرغبة في العودة أمرًا استثنائيًا، خاصةً أن إسرائيل استهدفت بوحشية من بقوا في الشمال، وأجبرت السكان على النزوح عبر أوامر الإخلاء، والتجويع، والقتل الجماعي.
حتى في اللحظات الأخيرة قبل الهدنة، لم يفقد الفلسطينيون الأمل بالعودة. في أحد أحياء دير البلح المزدحمة، مرّ سائق عربة يجرها حمار وهو ينادي على أحياء غزة، قائلًا: "إلى الشجاعية، الرمال، تل الهوى!"، وهي الأحياء التي هجر منها أهاليها قسرًا قبل أكثر من عام. كان يصرخ وكأنه على وشك أن يأخذ الناس إلى هناك، وهو سلوك شائع نشأ بين النازحين في غزة على مدى العام الماضي. بالنسبة للحسيني، هذا النداء كان تذكيرًا برغبة الفلسطينيين في العودة إلى منازلهم، رغم أن العديد منها أصبحت ركامًا.
🎥 الدفاع المدني يجوب شوارع #غزة مع بدء سريان #الهدنة.@palestineultra pic.twitter.com/fI41VM661U
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) January 19, 2025
ولعل السبب الذي جعلها تجد الأمر صادمًا للغاية، هو أنه في مواجهة الإبادة الجماعية، فإن الفلسطينيين في غزة يتمسكون بفكرة العودة.
اختتمت الحسيني مقالها بالإشارة إلى أن مفاتيح منزلها التي تحملها دائمًا في مدينة غزة، رغم أن باب منزلها دُمر بفعل القصف الإسرائيلي. ظلت هذه المفاتيح معها دومًا، وهي طريقة صغيرة غير واعية لخداع نفسها وإقناعها بأنها قد تحتاج إليها مرة أخرى ذات يوم، وفق تعبيرها.
هذه المفاتيح ترمز إلى الإيمان بالعودة، حتى بعد 15 شهرًا من الإرهاب المتواصل والقصف والتجويع وتدمير المنازل وتدمير مجتمعات بأكملها. في غزة "تأتي الصلاة من أجل العودة إلى المنزل دائمًا قبل الصلاة من أجل النجاة".