13-سبتمبر-2017

كشفت تسريبات عن تآمر عسكريي تحرير الشام على شرعيي مجلس شورى الهيئة (فادي الحلبي/ أ.ف.ب)

في تسريب من ضمن عدة تسريبات صوتية لقياديين من هيئة تحرير الشام (هتش)، نشرت خلال قبل أيام على موقع يوتيوب، طالب القياديين باعتقال الشرعيين بسبب موافقهم الرافضة للهجوم على حركة أحرار الشام الإسلامية للقضاء عليها في شمال سوريا، ما يزيد من الضغوطات على هتش التي تحاول فرض نفوذها على كامل المنطقة، رغم معارضة معظم فصائل المعارضة المسلحة.

تشهد تحرير الشام خلافات داخلية بين الشرعيين والعسكريين، على خلفية الحرب التي تخوضها ضد حركة أحرار الشام

فتوى لاعتقال الشرعيين باجتهاد شخصي!

نشرت قناة خالد الشمالي على موقع يوتيوب، عدة تسجيلات كشف أحدها مطالبة مجموعة من قادة القطاعات في هتش، السماح لهم باعتقال الشرعي عبدالله المحيسني لمعارضته تنفيذ الهجوم الأخير على مقرات أحرار الشام. وفي إحدى التسجيلات المسربة، طلب أبو حمزة بنش، أمير قاطع إدلب دون تشفير للأسماء، من أبي محمد الجولاني القائد العسكري لهتش؛ أن يسمح له باعتقال عبدالله المحيسني ومن معه، وأنه سيقوم بتحمل مسؤولية ذلك على اعتبار أنها "اجتهاد شخصي".

قناة الشمالي الذي يُعتقد أنه أحد القياديين المنشقين عن هتش، نشرت تسجيلات منفصلة تُظهر وضع خطة بين قياديين عسكريين في هتش لمحاصرة مقرات حركة نور الدين الزنكي في ريف حلب الغربي، تمهيدًا للقضاء عليها، حيثُ يشهد الشمال السوري توترًا بين الفصيلين بعد انسحاب الزنكي من تحالف هتش، رفضًا للهجوم المنفذ على مقرات أحرار الشام، وإعلان دخولها المعارك بقوات فصل بينهما.

اقرأ/ي أيضًا: "تحرير الشام".. مصير مجهول في شمال سوريا بحثًا عن إدارة ذاتية

وبعد انسحاب مقاتلي أحرار الشام لجنوب إدلب، بدأت هتش هجومًا على مقرات الزنكي بريف حلب الغربي وريف إدلب، ليتصاعد الخلاف بين الطرفين، فتتهم الزنكي الأربعاء الماضي هتش باختطاف القيادي العسكري أشرف رحيم بريف إدلب، بعد فشل محاولة اغتياله، كما أن الشرعي في الزنكي حسام الأطرش، قال إن أبا محمد الجولاني تحدث خلال اجتماعيين عن إمكانية "فتح علاقات سياسية مع إيران"، وهو ما نفاه شرعي هتش عبد الرحيم عطوان.

المحيسني يرد على التسريبات بثلاثة مطالب

وردًا على التسريبات الصادرة عن قياديي هتش، طالب عبدالله المحيسني بإعادة الاعتبار لمن أسماهم "أهل العلم" وحفظ مكانتهم، وتفعيل ملف القضاء الداخلي وزيادة صلاحيته، فضلًا على تشكيل لجنة بصلاحيات عالية تفوض في التصالح بين تحرير الشام والعامة (المواطنين)، وبينها وبين مختلف الفصائل. ويُعد عبدالله المحيسني من أهم الشرعيين الذين رافقوا صعود الفصائل الإسلامية المتشددة منذ بداياتها التأسيسية في سوريا.

ويتوقع أن لعبدالله المحيسني دورًا في إعلان الفصائل القوقازية، التزام الحياد في القتال الدائر بين هتش وباقي الفصائل المسلحة، وهو الذي نشر عبر قناته الرسمية على تطبيق تيليغرام، رسالة حدد فيها ثلاثة أسباب لتحييد الفصائل القوقازية في الاقتتال الدائر، بعد نحو شهر من إصدار فصائل قوقازية تسجيلًا مصورًا أكدت فيها التزامها الحياد في الاقتتال بين فصائل الشمال السوري.

وكان عبدالله المحيسني، وهو سعودي الجنسية، قد قدم إلى شمال سوريا نهاية عام 2013، ليصبح من أبرز منظري التنظيمات الجهادية، وأحد أهم شرعيي جبهة النصرة التي بدلت اسمها إلى "جبهة فتح الشام"، وأعلنت مطلع العام الجاري اندماجها ضمن تحالف هتش. وأصبح المحيسني عضوًا في مجلس الشورى، وكان من أبرز الداعمين لتحالف جيش الفتح الذي سيطر على مدينة إدلب وغالبية الريف في 2015.

عبدالله المحيسني (مواقع التواصل الاجتماعي)
عبدالله المحيسني (مواقع التواصل الاجتماعي)

ونجا عبدالله المحيسني خلال حزيران/يونيو الماضي من محاولة اغتيال، عندما انفجرت سيارة مفخخة أثناء خروجه من مسجد أبي ذر في مدنية إدلب، وقبلها أصيب بطلق ناري خلال اشتباكات بين هتش وفيلق الشام بريف إدلب، قتل فيها مرافقه والد أمير فتح الشام في معرة النعمان، وهو ما اتخذته هتش حجة لشن هجومها على أحرار الشام كون الفيلق من الفصائل المندمجة ضمنها.

ولم تنكر هتش ما تضمنته التسريبات، وإنما أدانت في بيان لها "التطاول على شرعيي الهيئة"، لكنها في مقابل ذلك اعتبرت أن التسريبات "محاولة يائسة من أعدائها للنيل من صمودها وقوتها"، قبل أن تعود للمطالبة بإحالة المسيء للقضاء الداخلي. ووجه أبو حسين الأردني قائد الجيش المركزي اعتذارًا للشرعيين بعدما أظهرت التسريبات تأييده اعتقالهم.

كل شيء مباح لإدارة الشمال

تشير التطورات المتسارعة في شمال سوريا، إلى أن هتش تعاني مشاكل داخلية بين فريقين، الأول يؤيد مواقف الجولاني الرامية للقضاء على كامل فصائل المعارضة، والثاني يعارض بشدة القضاء عليها لأسباب "شرعية"، غير أن قيادييْ هتش، يبدو وفق ما تضمنت التسريبات، أظهرا مدى امتعاضهما من سطوة الشرعيين، كونهم يقفون عائقًا أمام خطط العسكريين، كما أظهر أحد التسجيلات استياء القيادييْن من القائد العام لهتش أبي هاشم الشيخ.

ربما يكون التشبيه الأنسب لما تحاول هتش القيام به في شمال سوريا، هو استنساخ تجربة حركة طالبان في أفغانستان

وبدأت هتش منذ مطلع الشهر الماضي، محاولاتها للسيطرة على المؤسسات الخدمية في محافظة إدلب، وتحكمها بمفاصل القرار المدني في محاولة لتمكين نفوذها في المنطقة، بعد أن كانت بوادرها بتشكيل تحالف هتش بين خمسة فصائل، لقطع الطريق أمام محاولة الاندماج التي كانت تقودها حركة أحرار الشام مطلع العام الفائت.

اقرأ/ي أيضًا: الجولاني... طالبان ع البال

ولعل التشبيه الأنسب لما تحاول هتش تأسيسه في شمال سوريا هو استنساخ تجربة حركة طالبان، إذ إن جبهة النصرة، المكون الأكبر لهتش، منذ تأسيسها أعلنت أنها لن تنفذ أي هجوم خارج الأراضي السورية، وهو ما تتبناه فعليًا طالبان في حربها ضد القوات الأمريكية بأفغانستان، وانفصالها عن تنظيم القاعدة منتصف 2016، يُظهر أن هدفه الأساسي كان تجنيب التنظيم مسؤولية اعتداءاتها على فصائل المعارضة كون الشمال السوري يؤوي قيادات من القاعدة، ثبُت وجودها بعد تكثيف التحالف الدولي لغاراته الجوية.

كما أن هتش تصطدم بمعارضة جميع الفصائل لبسط نفوذها على شمال سوريا، خاصة بعد موافقة كافة الفصائل على مبادرة المجلس الإسلامي السوري لتشكيل وزارة دفاع تشرف عليها الحكومة السورية المؤقتة، والذي تبنته الأخيرة بتعيين رئيسها جواد أبو حطب وزيرًا للدفاع، وتشكيل لجنة من الفصائل مهمتها اختيار رئيس هيئة الأركان للجيش الموحد.

 كذلك فإن تحرير الشام لا يزال قياديوها ومقراتها تتعرض للاستهداف بالعبوات الناسفة أو الاغتيال بإطلاق النيران، وكان آخر تلك الاستهدافات الخميس الماضي، بمقتل أبو حسيبة التونسي، أمير قاطع الحدود، بإطلاق النيران عليه من قبل مجهولين، وهو ما يُعقّد من مسألة إمكانية بسط نفوذها فعليًا على المنطقة، فهي على الرغم من تنامي نفوذها، إلا أنها في نفس الوقت نمّت العداوة مع كافة الفصائل، بقضائها على أكثر من 15 فصيل عسكري في شمال سوريا.

تكشف التسريبات الأخيرة عن عزم هتش المضي قدمًا في هجماتها على مقرات الفصائل القوية في الشمال السوري

ورغم أن التسريبات الأخيرة لن تؤثر على علاقة المحيسني مع الجولاني كشخص، كما يمكن التقدير خلال الفترة القادمة، إلا أنها كشفت عزم هتش المضي بهجماتها على مقرات الفصائل القوية، والأغلب أنها تخطط في بداية الأمر لإضعاف قوتها، وإبرام اتفاق معها لفض الخلاف، يقضي بتسليم بعض مقراتها، ومن ثم القضاء عليها نهائيًا على غرار ما حدث مع الفرقة 13 مؤخرًا.

اقرأ/ي أيضًا: "تحرير الشام" على خطى جبهة النصرة في حربها ضد الجميع بسوريا

وعليه فإن الاحتمالات المتوقعة لفصائل المعارضة في الشمال السوري أصبحت متعددة، بعد موافقتها الاندماج ضمن وزارة الدفاع، لذا ليس مستغربًا أن نشهد انشقاقات داخلية خلال الأيام القادمة بعد موجة التسريبات الأخيرة التي أثبت تنامي الاستياء بين القياديين من الشرعيين، ما وضعها أمام خيارين، إما قبول حل نفسها واندماجها دون شروط مسبقة ضمن جسم عسكري واحد مع باقي الفصائل، أو الاستمرار في توسيع نفوذها إلى أن يتحدد مصيرها وفقًا لاتفاقات بين الدول الإقليمية يحمل مضمونها سيناريوهات متعددة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

حروب الإخوة الأعداء.. صراع المفاهيم في ريف إدلب

وزارة دفاع للمعارضة السورية.. اصطدام بعناد روسيا وتشدّد "هتش"؟