06-ديسمبر-2024
حكومة بارنييه

حجبت الجمعية الفرنسية الثقة عن حكومة ميشال بارنييه (رويترز)

لم تعمّر حكومة رئيس الوزراء الفرنسي، ميشيل بارنييه، أكثر من ثلاثة أشهر، حيث قامت الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان) في تصويت وصف بالتاريخي بسحب الثقة منها، لتكون بذلك ثاني حكومة في تاريخ فرنسا السياسي الحديث، منذ عام 1962، تتعرّض للانهيار في ظرف زمني وجيز.

وعلى الرغم من أنّ ما حدث لحكومة بارنييه كان متوقعًا بسبب غياب أغلبية برلمانية حقيقية في البرلمان، إلّا أنّ لهذا الانهيار تداعيات تتجاوز فيها تأثيرها باريس إلى حلفائها الغربيين.

تدابير التقشف تطيح بحكومة بارنييه

اتفق أقصى اليمين وأقصى اليسار على ضرورة الإطاحة بحكم بارنييه، حيث حشد تحالف الجبهة الشعبية الجديدة وحزب التجمع الوطني 331 صوتًا للإطاحة بحكومة بارنييه، وذلك على خلفية سياسة التقشف في ميزانية 2025، فبعد عجز بارنييه عن تمرير المشروع في البرلمان لجأ إلى المادة المادة 49.3 من الدستور لتمرير قانون ميزانية الضمان الاجتماعي دون تصويت برلماني، الأمر الذي أجّج غضب البرلمانيين من اليمين واليسار، وعلى الرغم من محاولة بارنييه تجنب سحب الثقة بالتراجع عن إلغاء تعويضات الأدوية، إلّا أن تلك الخطوة التي كان يريد من خلالها مغازلة اليمين المتطرف لم تكن كافية، إذ وصفت زعيمة التجمع الوطني، مارين لوبان، ما قدمته الحكومة بالـ"فتات".

حشد تحالف الجبهة الشعبية الجديدة وحزب التجمع الوطني 331 صوتًا للإطاحة بحكومة بارنييه، وذلك على خلفية سياسة التقشف في ميزانية 2025

ويرى متابعون أنّ بقاء فرنسا من دون حكومة مستقرة من شأنه أن يؤدي إلى حالة من عدم اليقين الكبير في الداخل والخارج معًا. وسيتعين على الرئيس، إيمانويل ماكرون، الذي تنتهي ولايته عام 2027، أن يبحث عن رئيس وزراء جديد للمرة الثانية على التوالي، والسبب في ذلك أنّ الانتخابات التشريعية التي جرت في تموز/يوليو الماضي أسفرت عن تشكل برلمان شديد الاستقطاب.

يشار إلى أنّ بارنييه، الذي كان كبير المفاوضين في الاتحاد الأوروبي بشأن اتفاق بريكست، حذّر نواب الجمعية الفرنسية قبل التصويت على سحب الثقة قائلا: "لن يختفي هذا الواقع بمجرد عملية حجب الثقة"، ولفت بارنييه انتباه النواب إلى أنّ "العجز المالي المتوقع بنسبة 6 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي سيظل يشكل تحديًا لأي حكومة مستقبلية"، الأمر الذي يعني أنّ الأزمة لن تنتهي عند هذا الحد.

أسماء مطروحة على طاولة ماكرون

سيكون ماكرون أمام اختبار عسير وهو العثور على شخصية تلمّ شتات البرلمان المجزّأ، ووفقًا لمجلّة "نيوزويك" الأميركية، فإن على طاولة ماكرون اسمان اثنان، هما وزير الدفاع سيباستيان ليكورنو، وزعيم حزب الحركة الديمقراطية الوسطية فرانسوا بايرو.

في المقابل يصرّ ائتلاف اليسار على اقتراح اسم الخبيرة الاقتصادية لوسي كاستيتس، كمرشحة لمنصب رئاسة الوزراء، لكنّ ماكرون سبق ورفض هذا الترشيح. وأمام هذه الوضعية قد لا يجد ماكرون حلًّا أنسب من اختيار شخصية تكنوقراطية، للقفز على التباينات الموجودة تحت قبة البرلمان. حيث يمكن أن يكون هذا الخيار هو التسوية الممكنة حاليًا، خاصةً في ظل أزمة مالية تهدّد البلاد.

التأثيرات الخارجية

سلّطت مجلة نيوزويك الضوء على التداعيات المتوقعة لحالة الاضطراب السياسي في فرنسا على أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، حيث بدأت الأسواق الفرنسية في التعرض بالفعل لتقلبات مع ارتفاع عائدات السندات، كما بدأ اليورو في التعرض للضغوط.

ومن شأن هذا الاضطراب والتقلب أن يُعقّد "استجابة الاتحاد الأوروبي للتعريفات التجارية الجديدة المتوقعة من الإدارة القادمة للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب".

كما ترى تقديرات نيوزويك أنّ "عدم استقرار فرنسا السياسي سيؤدي إلى تقليص قدرتها على التعاون في مواجهة التحديات العالمية، بما في ذلك سياسة المناخ والتزامات حلف شمال الأطلسي".

وتنقل نيوزويك عن نيك ريس، كبير محللي سوق الصرف الأجنبي في مونيكس أوروبا، قوله: "هناك قوتان رئيسيتان في أوروبا، فرنسا وألمانيا، وكلتاهما الآن ضعيفتان"، مضيفًا أن "هذه الديناميكية قد تضعف موقف أوروبا التفاوضي مع الولايات المتحدة"، كما قد تتسبب في خلق "فراغ قيادي على مستوى الاتحاد الأوروبي".