06-يوليو-2021

تحالف يميني جديد في أروقة الاتحاد الأوروبي (أ.ب)

من المتوقع أن يدخل الاتحاد الأوروبي مرحلة جديدة بتسلم سلوفينيا مهام رئاسة الاتحاد للأشهر الستة القادمة خلفًا للبرتغال التي انتهت فترة ولايتها بحلول نهاية الشهر الماضي، حيثُ تتسلم الدولة الواقعة ضمن خارطة دول الكتلة الشرقية الأوروبية رئاسة الاتحاد في وقت حساس للتحالف الأوروبي، بعدما أعلنت مجموعة من أحزاب اليمين عن تأسيس تحالف مشترك يقود الجبهة المعارضة داخل البرلمان الأوروبي، في خطوة ليس مستبعدًا أن يكون لها تداعيات سلبية على الاتحاد الأوروبي الذي يكافح في ظل الأثار السلبية التي فرضتها الجائحة العالمية.

من المتوقع أن يدخل الاتحاد الأوروبي مرحلة جديدة بتسلم سلوفينيا مهام رئاسة الاتحاد للأشهر الستة القادمة خلفًا للبرتغال التي انتهت فترة ولايتها بحلول نهاية الشهر الماضي

سلوفينيا تترأس الاتحاد الأوروبي للمرة الثانية

تسلمت سلوفينيا رئاسة الاتحاد الأوروبي في ولاية تستمر حتى نهاية العام الجاري وفقًا للقواعد المتفق عليها بين الدول الأعضاء، والتي جاءت في خطوة يحاول فيها التكتل استعادة مكانته الطبيعية على الخارطة العالمية بعد فترة تهميش وصراعات عاشها خلال ولاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب (كانون الثاني/يناير 2017 – كانون الثاني/يناير 2021)، حيثُ تحول فيها الرئيس الجمهوري إلى رمز للقادة الشعبويين على مستوى العالم، بما فيهم رئيس الوزراء السلوفيني يانيز يانشا المثير للجدل، والذي سجن بتهم فساد ما بين عامي 2013 – 2014 قبل أن يعود للسلطة مجددًا.

اقرأ/ي أيضًا: مارين لوبان لولاية جديدة على رأس التجمع الوطني وعينها على الانتخابات الرئاسية

وتعتبر هذه المرة الثانية التي تتولى فيها سلوفينيا رئاسة الاتحاد الأوروبي، بعد عام 2008، حيثُ كان يُنظر للدولة الأوروبية الصغيرة حينها على أنها دخلت مرحلة جديدة بعد استقلالها عن يوغسلافيا التي كانت جزءًا منها، وكان يانشا وقتها رئيسًا للوزراء، ومنذ ذلك الحين اتخذ السياسي الشعبوي نهجًا معاديًا لما يتم اعتباره قيم الليبرالية الغربية، إضافة إلى ما رافق ذلك من اتهامات لزعيم الحزب الديمقراطي السلوفيني الحاكم بمحاولته السير على نهج الزعيم الشعبوي الذي يحكم المجر فيكتور أوربان.

ليس الهدف هنا الحديث عن السيرة السياسية للزعيم السلوفيني الذي سيقود الاتحاد الأوروبي خلال المرحلة القادمة، لكن الفترة التي تسلّمت فيها سلوفينيا الرئاسة جاءت برفقة مجموعة من التحديات التي تواجهها الدول الغربية المعنية بالدفاع عن القيم الليبرالية أمام الدول المحكومة من القادة الشعبويين الذين يُنظر إليهم على أنهم يساهمون بتقويض الديمقراطية الغربية التي من المفترض أن تقوم عليها سياسات الدول الأعضاء على المستوى المحلي.

سياسات يانشا الداعمة لليمين الأوروبي

بدأت الصحافة الغربية منذ قرابة أسبوع التركيز على الدور الذي من الممكن أن يلعبه يانشا داخل الاتحاد الأوروبي بالنظر لمواقفه المحافظة الشعبوية، بالأخص أن الرجل كان واحدًا من القادة الشعبويين القلائل الذي دعموا مزاعم ترامب المرتبطة بـ"سرقة" الديمقراطيين للانتخابات الرئاسية، وهو ما دفع بالمفوضة السلوفينية السابقة على المستوى الأوروبي فيوليتا بولتش للإعراب عن قلقها من أن تنتهي رئاسة سلوفينيا للتكتل بـ"أداء ضعيف أو فضيحة".

من بين جموع القضايا التي تثير القلق لدى الدول الأعضاء داخل الاتحاد تبرز هجمات يانشا المتزايدة على الصحافة بشكل خاص، والصحفيين بشكل عام، والتي كان من بينها إلغاء التمويل العام الذي يمنح لوكالة الأنباء الحكومية بوصفها "عارًا وطنيًا" على حد تعبيره، بسبب لهجتها النقدية الحادة، فضلًا عن مقاطعته لمؤتمر بالفيديو مع نواب أوروبيين كان مخصصًا لوضع الصحافة في سلوفينيا، وهو الأمر الذي ردت عليه منظمة مراسلون بلا حدود بتحذيرها من عرقلة السياسي الشعبوي "الجهود الرامية لتعزيز حرية وسائل الإعلام" على المستوى الأوروبي.

ويضاف إلى ذلك فإن يانشا كان من بين المدافعين عن قرار البرلمان المجري الذي صادق على قانون يقيد حصول الشباب والأطفال على معلومات متعلقة بقضايا الكويريين/ات والعابرين/ات جنسيًا، وهو ما أدخل بودابست في خلاف مباشر مع غالبية الدول الأعضاء في الاتحاد دفعت برئيس الوزراء الهولندي مارك روته لمطالبة الزعيم المجري (أوربان) بإلغاء القانون أو مواجهة مخاطر الخروج من الاتحاد، وهو ما اعتبره يانشا في معرض دفاعه عن أوربان بأنه "فرض لوجهة نظر غربية"، وتابع متهمًا التكتل بـ"استخدام معايير مزدوجة".

الخلاف الآخر الذي دخله يانشا مع الاتحاد الأوروبي كان مرتبطًا بإصداره قرارًا يرفض تعيين اثنين من المدعين العامين السلوفينيين في النيابة الأوروبية، الهيئة الجديدة لمكافحة الفساد داخل الاتحاد، وهو ما رد عليه نواب التكتل الأوروبي بالدعوة إلى تعليق تمويل الاتحاد الأوروبي لسلوفينيا، بحجة أن قرار الحكومة بإلغاء تعيين المدعين العامين يمثل "انتهاكًا غير مقبول لسيادة القانون".

تحالف يميني لتشكيل جبهة معارضة داخل البرلمان الأوروبي

ليس غريبًا القول إذًا إن المرحلة القادمة للاتحاد الأوروبي من المتوقع أن تفرض عليه حسابات جديدة، خصيصًا بعد ظهور جبهة معارضة ذات صبغة يمينية – شعبوية – محافظة ستحظى بدعم من الزعيم السلوفيني الذي تحدث سابقًا عن فشل وجهة نظر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التي أكد فيها على أنه يتوّجب على الأوروبيين الدفاع عن قيمهم من خلال رفض "الديمقراطية غير الغربية"، حيثُ يتفق المحللون على أن يانشا واحد من الزعماء الذين يحاولون استغلال الفرص لإظهار أنفسهم على أنهم من الأصوات المدافعة عن الأحزاب اليمينية الأوروبية بشكل عام.

يقودنا هذا النقاش فعليًا للحديث عن التحالف المشترك الذي أعلن عنه 16 حزبًا يمينيًا داخل البرلمان الأوروبي قبل بضعة أيام، بقيادة حزب التجمع الوطني الفرنسي الذي ترأسه السياسية الشعبوية مارين لوبان، إلى جانب زعيم حزب القانون والعدالة البولندي ياروسلاف كاتشينسكي، الذي يوصف بأنه الحاكم بأمر الواقع في بولندا، ويشترك معهم زعيم حزب الرابطة الإيطالي ماتيو سالفيني، وزعيمة حزب فراتيلي ديتاليا جورجيا ميلوني التي يتوقع أن تقود اليمين الأوروبي خلال المرحلة القادمة، ومن المفيد الذكر بأن حزب فيدس الذي يقوده أوربان ضمن التحالف.

البيان الذي نشر عبر الموقع الرسمي لحزب التجمع أشار إلى أن الهدف من الإعلان عن التحالف "إصلاح أوروبا"، موضحين في بيانهم أنهم "في وقت يطلق فيه دعاة العولمة والأوربة، وممثلهم الرئيسي في فرنسا إيمانويل ماكرون، مؤتمر مستقبل أوروبا الذي يهدف إلى زيادة سلطة الهيئات الأوروبية، فإن اتفاق اليوم هو الحجر الأساس نحو تشكيل تحالف واسع في البرلمان الأوروبي"، وأضافوا بأن سياسات الاتحاد الحالية "تواصل السير في المسار الفيدرالي الذي يبعده بشكل محتوم عن الشعوب التي هي القلب النابض لحضارتنا".

لكن السؤال هل يصمد تحالف اليمين؟

في هذا السياق يمكن الإشارة إلى التقرير الذي نشر في مجلة فورين بوليسي الأمريكية قبل أسابيع، والذي أشار إلى أن الأحزاب المحسوبة على اليمين الأوروبي تعيش حالة من النمو والازدهار على المستوى الأوروبي، بعدما أكدت على مواقفها المناهضة لسياسة الهجرة، تطور كان من ضمنه تنظيم اجتماع ثلاثي جمع بين أوربان، كاتشينسكي، وسالفيني، بصفتهم ممثلين عن أحزابهم لمناقشة تشكيل تحالف يعزز من وجودهم على المستوى الأوروبي قبل نحو شهرين

 ونقل التقرير على لسان عضو البرلمان الأوروبي عن حزب رابطة الشمال اليميني الإيطالي ماركو زاني أن "الأحزاب الثلاثة تعمل على وضع برنامج سياسي يتضمن حماية جذور أوروبا من التعددية الثقافية عديمة الروح وتجفيف منابع الهجرة والدفاع عن الشكل التقليدي للأسرة. كما تعمل على تحسين عملية التنسيق فيما بينها عند التصويت على هذه القضايا في مقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل"، حيثُ توقع التقرير أن يكون الهدف من التحالف توحيد صوت الأحزاب اليمينية، والدفع بالمزيد من قدرتها على التأثير في السياسة على الساحة الأوروبية.

وفعليًا يبرز ما نقله التقرير في العبارات التي تضمنها بيان التحالف اليميني عندما اتهم الدول الغربية في الاتحاد بأنها أصبحت "أداة للقوى الراديكالية التي ترغب في إحداث تحول ثقافي وديني" يؤدي إلى انهيار الدول والقيم الأوروبية، غير أن ما كان لافتًا في الأحزاب التي وقعت على البيان أنها جاءت من معسكرات سياسية مختلفة، كما الحال مع التجمع الوطني الذي يعد من أبرز حلفاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على عكس حزب القانون والعدالة البولندي الذي يملك موقفًا متشددًا من روسيا.

وما كان لافتًا في التحالف اليميني عدم انضمام حزب البديل من أجل ألمانيا إلى الأحزاب الموقعة على البيان، على الرغم من أن أحد أهداف التحالف يتمثل بالإعلان عن تشكيل مجموعة سياسية جديدة في البرلمان الأوروبي، بالأخص بعد انسحاب نواب فيدس من كتلة حزب الشعب الأوروبي في آذار/مارس الماضي، ردًا على اتهامات الكتلة البرلمانية للحزب المجري بتقويض الديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون، وهو ما مهد لمهاجمة أوربان مؤسسات الاتحاد الأوروبي مع اتجاه حزبه لتبني الأيديولوجيا الشعبوية المتطرفة.

وجاء الانسحاب على خلفية التقرير الصادر عن اتحاد الحريات المدنية في أوروبا الذي أشار إلى أن تدابير السلامة التي فرضتها الدول الأوروبية لمكافحة الفيروس استخدمت عن غير قصد أو عن قصد "كذريعة" لإضعاف المؤسسات الديمقراطية، والذي كان مصحوبًا بإيضاح من كبيرة مستشاري المنظمة ليندا رافو، بعدما اتهمت دول مثل المجر وبولندا وسلوفينيا باستخدام جائحة كورونا "لتعزيز قبضتها على السلطة والحد من انتقاد الحكومة".

وفي سياق توضيحه لفكرة إنشاء التحالف اليميني داخل البرلمان الأوروبي، اعتبر العضو في البرلمان الأوروبي عن أحد الأحزاب البلجيكية الشعبوية البلجيكية، جيرولف أنيمانس، أن الهدف من إنشاء التحالف هو "أخذ الاتحاد الأوروبي في اتجاه مختلف، سياسيًا واجتماعيًا"، مضيفًا بأن "التعاون الأوروبي يمكن أن يكون مفيدًا وفي بعض الحالات ضروريًا"، لكن ذلك يجب أن يكون "على مبدأ التعاون بين الدول الحرة، وليس وفق النموذج الحالي"، معتبرًا أن الموقعين على الإعلان يريدون رسم "الخطوط العريضة للعمل المشترك".

ما كان لافتًا في التحالف اليميني عدم انضمام حزب البديل من أجل ألمانيا إلى الأحزاب الموقعة على البيان، على الرغم من أن أحد أهداف التحالف يتمثل بالإعلان عن تشكيل مجموعة سياسية جديدة في البرلمان الأوروبي

وفي المقابل فإن رئيس مجموعة الاشتراكيين الديمقراطيين في البرلمان، إيراتكس غارسيا بيريز، قلل من فرص استمرار التحالف اليميني الجديد لوقت طويل، لافتًا إلى أن عدم هذه الاستمرارية سببها أن  "أحزاب اليمين المتطرف لديها وجهة نظر مشوهة عن مفهوم الوطنية، حيث تستبعد كل من لا يفكر ضمن نموذجها"، وهو ما يتوافق مع توقعات الخبراء الذين أشاروا إلى أن هذا التحالف "غير قادر على الإخلال بالتوازنات السياسية إذ يجب الأخذ في الاعتبار حقيقة أن هذه الأحزاب لا تتفق على العديد من النقاط"، بينما نراها "تتفق في ما بينها على القضايا الثقافية والهوياتية حصرًا".

 

اقرأ/ي أيضًا: 

إعلان مشترك لإطلاق تحالف يميني في البرلمان الأوروبي