14-أبريل-2025
العلاقات الفرنسية الجزائرية

(Getty) تصعيد جديد في العلاقات الفرنسية الجزائرية

عاد التوتر ليخيّم مجددًا على العلاقات الجزائرية الفرنسية، بعدما ظنّ كثيرون أن البلدين تجاوزا المطبات التي اعترضت علاقاتهما خلال السنوات الأخيرة، خاصة عقب إعلان وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، الأحد الماضي، استئناف آليات التعاون الثنائي، إثر محادثات بين الرئيس إيمانويل ماكرون ونظيره الجزائري عبد المجيد تبون.

لكنّ التصعيد بدأ منذ نحو ثلاثة أيام، وبلغ ذروته اليوم الإثنين، بإعلان وزارة الخارجية الفرنسية أن الجزائر طلبت من 12 موظفًا في السفارة الفرنسية مغادرة أراضيها خلال 48 ساعة.

وكانت وزارة الخارجية الجزائرية قد استدعت، أمس الأحد، السفير الفرنسي لدى الجزائر ستيفان روماتيه، وأبلغته احتجاجًا رسميًا على توقيف أحد موظفي قنصليتها في كريتاي بباريس، ووضعه رهن الحبس المؤقت إلى جانب شخصين آخرين، في إطار تحقيقات فرنسية تتعلق باختطاف الناشط الجزائري المعارض أمير بوخريص، المعروف  بـ"أمير دي زاد"، أواخر نيسان/أبريل 2024.

وبحسب ما أُعلن، فقد أفرج عن "أمير دي زاد" بعد يوم واحد فقط من اختطافه، فيما وجّه القضاء الفرنسي، يوم الجمعة الماضي، اتهامات لثلاثة أشخاص، بينهم مسؤول قنصلي جزائري وشخصان يحملان الجنسيتين الجزائرية والفرنسية، للاشتباه في تورطهم في عملية الاختطاف.

الجزائر طلبت من 12 موظفًا في السفارة الفرنسية لديها مغادرة الأراضي الجزائرية في غضون 48 ساعة.

وجّهت النيابة العامة الوطنية الفرنسية المختصة بقضايا مكافحة الإرهاب اتهامات للموقوفين الثلاثة شملت: "التوقيف، الخطف، والاحتجاز التعسفي على ارتباط بمخطط إرهابي". واعتبر وزير الداخلية الفرنسي برونو ريتايو، في تصريح له أمس السبت، أن تولي هذه النيابة للتحقيق يعني أن "الوضع خطير للغاية"، مشيرًا إلى أن إسناد الملف لها يُعد مؤشرًا على ارتباط القضية بـ"عمل من أعمال التدخل الأجنبي".

يُذكر أن الناشط الجزائري المعارض أمير بوخريص، البالغ من العمر 41 عامًا، يقيم في فرنسا منذ عام 2016، وتلاحقه الجزائر بتهم تتعلق بـ"الاحتيال وارتكاب جرائم إرهابية"، حيث أصدرت بحقه تسع مذكرات توقيف دولية. وقد رفض القضاء الفرنسي تسليمه في 2022، ليُمنح لاحقًا حق اللجوء السياسي عام 2023.

وفي 29 نيسان/أبريل 2024، اختُطف بوخريص في منطقة "فال دو مارن" جنوب العاصمة باريس، قبل أن يُفرج عنه بعد يومٍ واحد فقط. ومنذ ذلك الحين فتحت السلطات الفرنسية تحقيقًا في ملابسات الحادثة، أسفر عن توجيه اتهامات لأحد الأعوان القنصليين الجزائريين واثنين آخرين، ما فجر أزمة دبلوماسية جديدة بين الجزائر وباريس بعد فترة قصيرة من التهدئة.

وكانت العلاقات قد شهدت في الأشهر الماضية توترًا متصاعدًا بسبب قضايا الهجرة، وموقف باريس الداعم لمقترح الحكم الذاتي المغربي في الصحراء الغربية، ما دفع الجزائر في تموز/يوليو 2023 إلى سحب سفيرها من فرنسا.

وفي أحدث رد فعل على الأزمة، أعلنت الخارجية الجزائرية في بيان صدر السبت أنها "لن تترك قضية توقيف أحد أعوانها القنصليين دون تبعات"، معتبرةً أن ما جرى "سيمسّ بشكل بالغ بالعلاقات الجزائرية-الفرنسية ولن يُسهم في التهدئة".

باريس تلوّح بالرد بالمثل

وفي أول رد فرنسي رسمي على قرار الجزائر استدعاء السفير الفرنسي ومطالبة 12 موظفًا في السفارة الفرنسية بمغادرة البلاد خلال 48 ساعة، قال وزير الخارجية الفرنسي في تصريح مكتوب: "أطلب من السلطات الجزائرية التراجع عن هذه الإجراءات التي لا علاقة لها بالمسار القضائي الجاري"، مضيفًا: "إذا أُبقي على قرار الطرد، فلن يكون أمامنا خيار سوى الرد فورًا".

من جهتها، تتهم الجزائر جهات داخل فرنسا بمحاولة إفشال جهود تطبيع العلاقات. إذ جاء في بيان الخارجية الجزائرية أن هذا "المنعطف القضائي غير المسبوق" ليس صدفة، بل "يأتي في سياق محدد، بهدف تعطيل مسار إعادة بعث العلاقات الثنائية الذي اتفق عليه رئيسا البلدين خلال محادثتهما الهاتفية الأخيرة". وأضاف البيان أن "بعض الجهات الفرنسية لا تبدو مستعدة بنفس القدر لإعادة تنشيط العلاقات، وأن درجة التزامها تفتقر إلى حسن النية والجدية اللازمة لتوفير الظروف المناسبة لاستئناف طبيعي وسلس للعلاقات الثنائية".