17-نوفمبر-2020

أطباء لبنانيون يتجهون نحو الهجرة (أ.ب)

امتدّت الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها لبنان، على خلفية فشل الطبقة الحاكمة في إدارة البلاد، بالإضافة إلى تفشّي جائحة كورونا، لتطال الجسم الطبّي بشكل مباشر. وأشارت تقارير غربية متعددة، آخرها ما نشرته وكالة رويترز، إلى أن مئات الأطباء اللبنانيين هاجروا، أو يحاولون الهجرة من لبنان في الأشهر الأخيرة. وكان نقيب الأطباء شرف أبو شرف قد أشار في تصريحات صحفية في شهر أيلول/سبتمبر، أن مئات العاملين في المجال الطبي قد تقدّموا بالفعل بطلبات هجرة، بعدما سُدّت كل السبل أمامهم في لبنان، وأن العشرّات منهم يستعدون للالتحاق بوظائف خارج لبنان، كانوا قد حصلوا في السابق على الموافقة عليها.

أشارت تقارير غربية متعددة، آخرها ما نشرته وكالة رويترز، إلى أن مئات الأطباء اللبنانيين هاجروا، أو يحاولون الهجرة من لبنان في الأشهر الأخيرة

ويتعرض قطاع الاستشفاء في لبنان لنزيف مستمر في كوادره، حيث يواجه الصعوبات والمعوقات في شتّى المجالات، الأمر الذي يجعل خيار الهجرة مطروحًا بقوة أمام الأطبّاء. وإذا كانت مهنة الطب في لبنان كانت تؤمّن لمزاوليها مردودًا ماديًا جيدًا، فإن الأمر لم يعد كذلك اليوم بالنسبة للكثير من الأطبّاء، في الوقت الذي يجدون فيه فرصًا للعمل في مستشفيات خارج البلاد.

اقرأ/ي أيضًا: قطاع الأدوية في لبنان.. "مافيا" تقتل المواطنين

وما يعزز فرصة الطبيب اللبناني في إيجاد فرص عمل خارج لبنان تفشي جائحة كورونا حول العالم، الأمر الذي زاد الضغوطات على الأطقم الطبية وبالتالي خلق الحاجة لطاقات جديدة، والكفاءة والسمعة التي يتمتّع بها الطبيب اللبناني، الأمر الذي يعطيه الأفضلية للحصول على الفرصة. وبالمحصلة، فإن القطاع الصحي في لبنان هو الذي يدفع ثمن هذا النزيف في الجسم الطبي، الأمر الذي يؤدي إلى تفاقم صعوبات هذا القطاع، الذي واجه ويواجه مشاكل جمّة على مدار العقود الأخيرة.

ظروف كثيرة تدفع الطبيب اللبناني للهجرة والانتقال مع عائلاتهم للعيش خارج لبنان، بعدما كانوا في غالبيتهم قد أتمّوا دراستهم في الخارج. وبالرغم من كثرة تفرعاتها وتشعّباتها، فإنه يمكن تصنيف أسباب ظاهرة نزيف الأطباء في ثلاثة أبواب رئيسية.

  • الأزمة المالية والارتفاع الهائل في سعر صرف الدولار، وبالتالي تراجع القيمة الشرائية بنسبة تفوق الـ65 بالمئة. بالإضافة إلى حجز المصارف لأموال المودعين، الأمر الذي جعل آلاف الأطباء عاجزين عن الوصول إلى ودائعهم. كذلك أصابت الأزمة المالية المستشفيات الخاصة على امتداد لبنان، فخفّض عدد منها رواتب العاملين فيها ومن ضمنهم فريق الأطباء، فيما توقف بعضها عن دفع الرواتب في ظل عجز الدولة عن تأمين مستحقات المستشفيات المالية.
  • تفشّي فيروس كورونا ومناهزة الحالات المسجّلة في لبنان المئة ألف حالة، في ظل نقص حاد في المواد والتجهيزات الطبية، وعدم أهلية معظم المستشفيات في البداية للتعامل مع هذا المرض، الأمر الذي ضاعف الجهد الملقى على كاهل الأطباء في كافة الاختصاصات. العدد الأكبر من الأطباء اليوم في لبنان يعمل تحت ضغط شديد جسدي ونفسي، بهدف تعويض النقص في الاحتياجات اللوجستية والتقنية، في المقابل فإنهم لا يحصلون بمعظمهم على الدخل الذين يرون أنهم يستحفونه.
  • التفجير المهول الذي طال مرفأ بيروت في شهر آب/أغسطس الماضي، والذي ألحق أضرارًا جسيمة بالمستشفيات المحيطة، وأوقف عددًا منها عن العمل. كذلك لا يمكن إهمال الضرر النفسي الذي ألحقه هذا الانفجار باللبنانيين، ومن بينهم الأطباء والعاملون في المجال الصحي، حيث شعروا في يوم الرابع من آب/أغسطس أنهم يعيشون على صفيح ساخن، وأن حياتهم وحيوات أسرتهم ومن يحبونهم مهدّدة بشكل جدّي وفي أي لحظة، خاصة في ظل مماطلة الدولة وعجزها عن كشف الحقيقة ومصارحة اللبنانيين بما جرى في ذلك النهار المشؤوم.

"ألترا صوت" تواصل مع عدد من الأطباء، للاطلاع والإضاءة على الواقع الذي يعيشونه اليوم. الدكتور علاء.ف. المتخصص في طب الأطفال، والذي ينشط في عدد من القرى الجنوبية، أكّد بأنه في حال استمرار الوضع على ما عليه، فإن الأطباء لن يصنّفوا طويلًا في فئة الميسورين، خاصة وأنهم يتقاضون أتعابهم بالليرة اللبنانية التي فقدت الجزء الأكبر من قيمتها.

 وذكّر الدكتور علاء بقرار مجلس نقابة الأطباء في شهر تموز/يوليو الماضي برفع تعرفة المعاينة الطبية من 50 إلى 70 ألف ليرة، بسبب ارتفاع كلفة المعيشة الفاحش الذي طال اللبنانيين ومن ضمنهم الأطباء. وقد أكّد الدكتور علاء بأنه رفض مع عدد من زملائه الالتزام بالقرار يومها، لأنه يتعامل بالأساس مع مرضى من عائلات فقيرة ومحدودة الدخل، وأنه لا يمكنه أن يزيد الأعباء عليهم. بين التوفيق بين رسالة مهنته وشعوره مع الفقراء المحتاجين، وبين القدرة على تأمين حياه كريمة لعائلته، يرى الدكتور علاء أن قرار الهجرة ليس مستبعدًّا تمامًا.

الانفجار والكورونا، معطوف عليهما تردّي الخدمات الاجتماعية، وتراجع القدرة الشرائية، دفعت بالدكتور عدنان إلى تقديم أوراقه للهجرة

من جهته يرى الدكتور عدنان.ه الذي يعمل في إحدى مستشفيات العاصمة، أن حياة عائلته تصدّعت بعد انفجار 4 آب، وأن أفراد أسرته لا يزالون يعانون حتى اليوم من صدمة ما بعد الانفجار. ويشير أيضًا إلى المخاطر الجمّة التي يتعرض لها مع زملائه في المستشفى بسبب انتشار فيروس كورونا، ويؤكّد أنهم خسروا بالفعل عددًا من زملائهم نتيجة المرض. الانفجار والكورونا، معطوف عليهما تردّي الخدمات الاجتماعية، وتراجع القدرة الشرائية، دفعت بالدكتور عدنان إلى تقديم أوراقه للهجرة. يؤكد بحسرة بأنه رفض بعد تخرجه الكثير من عروض العالم في الخارج، لأنه يريد أن يخدم وطنه ويساعد المرضى، "لكن الوضع لم يعد يحتمل اليوم".

 

اقرأ/ي أيضًا:

لمَ علينا الرحيل من لبنان؟

مافيا النقل في لبنان.. طُرُق ارتزاق ملتوية