08-أبريل-2019

لم تظهر السلطات المغربية أي تساهل إزاء ناشطي حراك الريف ومعتقليه (أ.ف.ب)

لا صوت غير البكاء والعويل. خيبة كبيرة. المحكمة قالت كلمتها الأخيرة، والنطق كان قاسيًا. هكذا كان المشهد، بعد أن حكم القضاء المغربي بتأييد الأحكام الابتدائية الصادرة في حق المتابعين على خلفية الحراك الاجتماعي الذي عرفته مدينة الحسيمة ونواحيها بريف المغرب قبل حوالي 18 شهر، كما تم أيضًا، تأييد الحكم على الصحافي حميد المهداوي.

بدأ حراك الريف في حزيران/يونيو 2017 عند وفاة بائع السمك، محسن فكري طحنًا في شاحنة لنقل النفايات عندما كان يحاول منع السلطات من مصادرة سلعته. بعدها خرج العشرات من أبناء المنطقة، قبل أن يتحول العدد إلى مئات ثم آلاف، فمسيرات مليونية، يقودها ناصر الزفزافي.

اقرأ/ي أيضًاحراك الريف.. انتهاكات الأمن مستمرة بتعذيب المعتقلين داخل السجون

في تموز/يوليو من نفس السنة، تم تنظيم مسيرة في مدينة الحسيمة حج لها كل أبناء المنطقة مقابل إنزال أمني كبير وغير مسبوق، فتم اعتقال المئات من الشباب. جزء كبير منهم يتابعون في محاكم الريف، فيما نُقل جزء آخر إلى السجن المحلي بالدار البيضاء، وعُرضت قضاياهم على الغرفة الجنائية بمحكمة الاستئناف.

145 سنة عجاف

يتابع المعتقلون، على خلفية "حراك الريف"، والبالغ عددهم 53 معتقلًا، بتهم ثقيلة منها التظاهر بدون ترخيص، والتجمهر، والاعتداء على رجال الأمن والمس بسلامة الدولة، وتخريب ممتلكات الدولة، وعدم التبليغ عن جرائم تهدد أمن الدولة.

وأدانت غرفة الجنايات في الدار البيضاء ابتدائيًا، وأيدت استئنافيًا، بالحكم 20 سنة على كل من ناصر الزفزافي، ونبيل أحمجيق، وسمير إغيذ، ووسيم البوستاتي، و15 سنة على كل من محمد الحاكي، وزكرياء أضهشور، ومحمد بوهنوش، و10 سنوات سجنًا نافذًا لـمحمد جلول، وكريم أمغار، وصلاح لشخم، وعمر بوحراس، وأشرف اليخلوفي وبلال أهباض، و5 سنوات لكل من محمد المجاوي، وشاكر المخروط، وربيع الأبلق، وسليمان الفحيلي، ومحمد الأصريحي، وعبد العالي حود، وإبراهيم أبقوي، والحسين الإدريسي، ما مجموعه 145 سنة.

ألم الأمل

طيلة المرحلة الاستئنافية، ضل المتتبعون للشأن المحلي في المغرب، يتشبثون بالأمل في قضية معتقلي حراك الريف، ويتأملون أن تُصحح المحكمة الاستئنافية أخطاء المرحلة الابتدائية، كما قالها، سابقًا، مصطفى الرميد، وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، حين طُلب منه التعليق على الأحكام الابتدائية: "قضاة الاستئناف لديهم كفاءة أكثر وأتمنى أن تصحح الأحكام الابتدائية".

تزامنًا مع جلسات لمحاكمة، نظم نشطاء وقفات احتجاجية في عدد من المدن المغربية، ومسيرات تضامنية في مدينتي الدار البيضاء، والرباط، بالإضافة إلى احتجاجات أمام البرلمان المغربي يطالب من خلالها المنظمون والمشاركون إطلاق السراح الفوري للمعتقلين، آخرها الوقفة التي نُظمت موازاة مع أطوار الجلسة الأخيرة في المرحلة الاستئنافية.

شارك في الوقفات الاحتجاجية عائلات المعتقلين وحقوقيون ونشطاء في حركة 20 فبراير، بالإضافة إلى أسماء سياسية على رأسها نبيلة منيب، الأمينة العامة لحزب الاشتراكي الموحد، اليساري.

شعارنا المقاطعة

بعد مرور جلستين من المرحلة الاستئنافية قرر معتقلو حراك الريف مقاطعة الجلسات، فأصدروا بيانًا من وراء القضبان، يخبرون من خلاله هيأة الحكم، والرأي العام أيضًا، أن المقاطعة ستستمر إلى أن تتحقق شروط المحاكمة العادلة بكل "استقلالية وتجرد وحيادية".

وضع معتقلو الحراك شروطًا للعودة إلى قاعة المحكمة والمتمثلة في اعتبار الملف ملفًا سياسيًا، وأن "المحكمة الجنائية ليست متخصصة في هذا المجال باعتبار أن الجريمة السياسية لا يتضمنها القانون الجنائي المغربي، بالإضافة إلى إلغاء جميع محاضر الشرطة القضائية، وإعادة إنجاز محاضر نزيهة إن اقتضى الحال وتعديل قرار الإحالة حول تضليل التصريحات، والأقوال بدون تقديرات أو تأويلات".

ومن بين الشروط التي وضعها الزفزافي ورفاقه للعودة إلى قاعة المحكمة، تمكنهم من الحضور أمام هيئة الحكم مؤازرين بهيئة دفاعهم من الخلف، وإن اقتضى وضعهم في قفص زجاجي فيشترطون أن يكون شفافًا بالكامل، مع إعطاء ضمانات بالبث في الدفوع الشكلية قبل المرور إلى الجوهر، والاستجابة للطلبات الأولية لهيئة الدفاع.

أيضًا، من بين شروط العودة إدراج تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان ضمن الملف، وقبول عرض فيديوهات "توثق قيام القوات العمومية بتخريب الممتلكات بمدينة امزورن بمنطقة الريف، و فيديوهات أخرى لاقتحامهم للمنازل وقبول إحضار الشهود الذين طالب بهم بعض المعتقلين بالإضافة إلى التعامل بحيادية، وموضوعية في مسألة الالتزام بتنفيذ قانون المسطرة الجنائية التي تمت بها حملة الاختطافات والاعتقالات وانتداب محكمة الاستئناف للجنة يوكل إليها الالتزام بشروط الحراسة النظرية، كما يحددها القانون وطريقة إنجاز المحاضر وكشف التناقضات المرافقة".

كل طلبات المعتقلين قوبلت بالرفض من طرف المحكمة، وكانت النتيجة استمرار مقاطعة جميع الجلسات، وتم النطق بالتأييد في غياب المعتقلين باستثناء، الصحافي حميد المهداوي، الذي التزم بالحضور إلى قاعة المحكمة.

عفو ملكي منتظر

في شهر آب/أغسطس الماضي صدر عفو ملكي في حق 11 معتقلًا على خلفية "حراك الريف"، فغادروا أسوار السجن ليلة عيد الأضحى، جلهم تراوحت عقوبتهم السجنية بين سنة و3 سنوات، في الوقت الذي لم يشمل العفو المدانين بالعقوبات الطويلة، على رأسهم قائد الحراك، ناصر الزفزافي ويده اليمنى، نبيل أحمجيق، بالإضافة إلى كل من سمير إغيذ ووسيم البوستاتي، الصادر في حقهم عقوبة سجنية مدتها 20 سنة نافذة.

اقرأ/ي أيضًا"الاغتصاب بالقرعة".. شؤم يعود من جديد مع حراك الريف المغربي

وقال محمد عبد الوهاب الرفيقي، أشهر الأسماء السلفية في المغرب، والمعتقل السابق المستفيد من عفو ملكي، إن "الأحكام كانت قاسية ومؤلمة، وإن كانت متوقعة، القضايا السياسية غالبًا ما تكون أحكامها قاسية لتدع المجال للحلول والمبادرات السياسية، وهو ما يُبقي باب الأمل مفتوحًا".

من جهته علق، خالد البكاري، الأستاذ والناشط الحقوقي على أحكام الريف الاستئنافي، عبر تدوينة في صفحته الخاصة في فيسبوك بالقول: "عادة في المراحل الاستئنافية، بخصوص المحاكمات السياسية الكبرى، يتم تعديل الأحكام الإبتدائية في اتجاه التخفيف غير المؤثر، وأحيانًا في اتجاه التشديد، حتى يظهر وكأن هيئة الحكم الجديدة قد تداولت بالفعل في الملف، ولكي يقال لنا إن القضاء مستقل، ما وقع كان رسالة واضحة من المخزن: أنتم تتهمون القضاء بأنه غير مستقل، ونحن نقول لكم: نعم إنه غير مستقل..".

 

اقرأ/ي أيضًا

"العياشة".. بلطجية المغرب الذين يهددون سلمية حراك الريف

من "كوميرا" إلى حراك الريف.. هذه انتفاضات الجوع بالمغرب