21-يوليو-2017

إنشاء جهاز رئاسة أمن الدولة ليس إلا محاولة من ابن سلمان لغسل وجهه بعد انقلابه على ابن نايف (ألين جوكارد/ أ.ف.ب)

في واحدة من الخطوات المثيرة للجدل، أصدر العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، حزمة من الأوامر الملكية، مساء أمس الخميس، يقضي أهمها بإنشاء جهاز رئاسة أمن الدولة.

ووفقًا للأمر الملكي، فالجهاز معنيّ بما يتعلق بأمن الدولة، ويديره مباشرة رئيس مجلس الوزراء، أي أنه خاضع للملك مباشرة، وتحت إدارة نائبه، محمد بن سلمان، الذي انقلب على محمد بن نايف قبل حوالي الشهر، واستولى على ولاية العهد.

في حين تخلت دول عن وزارة الداخلية أصلًا، تدخل السعودية عصر الدولة الحديثة متأخرًا بإنشائها جهازًا أمنيًا سيء السمعة عالميًا

واعتبر القرار الملكيّ، داخل الأوساط السعودية، نزعًا لصلاحيات حساسة من وزير الداخلية وربطها بالملك سلمان مباشرة. ونسبت تلك الخطوة إلى نجله محمد، الذي يستعدّ، وفقًا لتقارير صحفية غربية، لاستلام الحكم عن والده في حياته بطريقة التنازل عن العرش، ليختم مسيرة الصعود نحو الهاوية السريع جدًا.

اقرأ/ي أيضًا: تأسيس مملكة محمد بن سلمان "المتهورة".. الحكاية من أوّلها

ولم يكن اللافت للنظر انطلاق ذلك الجهاز الذي ربط به ابن سلمان جميع الأجهزة الأمنية لتصبّ في جعبته بالقصر الملكيّ، إنما كون السعودية تدخل متأخرة العصر الحديث، بإنشاء جهاز أمني سيء السمعة هدفه ومهمته التجسس وجمع المعلومات، في الوقت الذي تخلّت فيه دول عن جهاز باسم وزارة الداخلية أصلًا!

السبب وراء جهاز أمن الدولة.. ولماذا الآن؟

الإجابة على السؤال تقتضي التفتيش في السيرة الذاتية لرئيسه، الذي صدر قرار موازٍ للأمر الملكي بتعيينه، وهو عبد العزيز الهويرني. ويُمثّل الهويرني حلقة وصل بين السعودية والاستخبارات الأمريكية، وفق تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، غير إنه ذراع محمد بن نايف، الذي انقلب عليه بن سلمان ليصل إلى ولاية العهد.

وتحدثت الصحيفة الأمريكية عن وضع ابن نايف وإلى جانبه الهويرني تحت الإقامة الجبرية، ورغم النفيْ السعودي الرسمي لتلك المعلومة إلَّا إنها تقع في مساحة رمادية، فالسعوديون، ولأسباب عائلية، لا يسمونها إقامة إجبارية، وإنما "استراحة" بعد فترة خدمة طويلة!

وقالت الصحيفة الأمريكية في تقريرها، إنّه "بعد عزل ابن نايف، تم فرض الإقامة الجبرية أيضًا على ذراعه اليمنى الفريق أول عبد العزيز الهويرني، الصديق المقرب لولي العهد السابق، والذي كان يوصف بأنه شخصية نافذة العلاقات، خاصة فيما يخص العلاقات الأمنية مع الولايات المتحدة".

أسرار غسيل وجه السعودية بـ"الهويرني"

وأثار وضع الهويرني تحت الإقامة الجبرية قلق عدد كبير من مسؤولي الاستخبارات الأمريكية، الذين نقلوا قلقهم هذا إلى إدارة البيت الأبيض، خاصة أنّ ابن نايف ورجاله كانوا متعاونين بدرجة كبيرة مع الولايات المتحدة فيما يخص مسألة مكافحة الإرهاب، لذا فإنهم قلقون على مستقبل التعاون بين البلدين في هذا الشأن. هذا بالإضافة إلى قلق الإدارة الأمريكية من دعم سلمان ونجله لجماعات وتنظيمات لا تزال مشتبهًا بها في جرائم إرهاب.

ووفقًا لمصادر صحفية، نقلت نيويورك تايمز، طمأنة السعودية للأمريكان بشأن الهويرني، بعد ورود أنباء عن الإطاحة به، وذلك عبر اتصالات رسمية، ومن خلال بيانٍ رسمي قال إن الهويرني لا يزال في منصبه، بعدما تعهد بالولاء لمحمد بن سلمان، هو ومجموعة من كبار الضباط.

واعتبرت نيويورك تايمز أنّ تعيين الهويرني يُعد "خطوة ذكية"، وفقًا لقول مسؤول أمريكي أكّد على أن الهويرني "يمتلك علاقات جيدة مع الولايات المتحدة، خاصة في أجهزة الاستخبارات ومكتب التحقيقات الفيدرالي، ويوصف بأنه شخصية محبوبة، وأن له عيون في كافة أرجاء المملكة ما يجعله شخصية نافذة بصورة كبيرة".

يبدو أن تعيين الهويرني على رأس جهاز أمن الدولة، محاولة لغسل وجه ابن سلمان بعد انقلابه على محمد بن نايف

وتعيين الهويرني، تحديدًا، محاولة لمدّ الأيادي إلى أمريكا، التي تعتبره رجلها الأول الآن لإثبات الولاء والطاعة. وهناك أسباب أخرى لترويج القرار، ساقتها صحيفة "عكاظ" التي باتت متحدّثة باسم القصر الملكي السعودي، وهي أن "الهويريني يعرف الإرهابيين جيدًا، فهو الرجل الذي حمل العصا وهز أوكارهم حتى جعلوه عدوهم الأكبر"، وللعجب كان ابن نايف أكثر منه في ذلك الشأن، وللعجب أيضًا أنّ ذلك يأتي بعد ما تردد أول مرة عن عزله وفرض الإقامة الجبرية عليه!

اقرأ/ي أيضًا: ما هي خبايا ليلة الإطاحة بمحمد بن نايف ومؤامرة ابن سلمان لتولي العرش؟

على كل حال، أكملت الصحيفة السعودية الأقرب إلى المنشورات الديماغوغية منها إلى الصحافة؛ سيل مديحها في الهويرني الذي صُعد لرتبة فريق، مُشيرة إلى محاولة الاغتيال التي تعرض لها بـ38 طلقة اُطلقت عليه من مدفع رشاش، لتسفر عن إصابته بجروح "غير حرجة" وفقًا لما قيل آنذاك.

وفي هذا الصدد يُشار إلى أنه في حين أن محاولة اغتيال الهويرني والإصابات التي تعرض لها جراءها، لم تمنع تصعيده، عزل ابن نايف قسرًا بدعوى تأثره بإصاباته من محاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرض لها في 2009، وفقًا لما ذكرت نيويورك تايمز ورويترز عن كواليس الانقلاب عليه.

مهام "أمن الدولة".. جهاز تحت عين "الأمير الطائش"

للجهاز الجديد عدّة مهام، في القلب منها إظهار السعودية كمكافحة ومحاربة للإرهاب، رغم كل دلائل دعمها المستمر له ولأيديولوجيته، ولذلك كان لا بد من تواجد الهويرني على رأسه، فالمستهدف من عملية تجميل وجه السعودية أن ترضى أمريكا، والهويرني هو رجل واشنطن في المملكة الآن، وهو الهدف الأول.

يتمثل الهدف الأول من جهاز أمن الدولة في السعودية، تجميل صورتها كـ"مكافحة للإرهاب" رغم دلائل دعمها المستمر له

أما الهدف الثاني، فيتمثل في تلافي الخطر الذي تواجهه السعودية من تنظيمات مسلحة كتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) والقاعدة، النشطين في البلاد، والهدف ترويضهما، لكي لا يستديران إلى الوراء بهجمات مثل التي استهدفت الكعبة الشهرين الماضيين، وبلغت ثلاث هجمات، قتل فيها أربعة.

اقرأ/ي أيضًا: تقرير هنري جاكسون ومملكة الظلام.. سخاءٌ على الإرهاب

الهدف الثالث هو إحكام القبضة الأمنية على المملكة، فمراقبة حرية الرأي والصحافة وملاحقة النشطاء ورصد خلايا المعارضة النابتة مؤخرًا، ومواجهة التمرد من حين لآخر من الأقليات الشيعية، وظنّ ابن سلمان أن قطر ستردّ له الصاع صاعين جرَّاء الحصار الفاشل المفروض عليها، على الرغم من الرفض القطري للرد بالمثل، كل ذلك يجبر السعودية على إعادة بلورة المنظومة الأمنية، وربطها بابن سلمان مباشرة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

السعودية والإرهاب.. جرائم بشهود وجلاجل

أبرز 5 قرارات ليلية للعاهل السعودي.. هنا الرياض بتوقيت واشنطن