20-أبريل-2020

تراجع يفرض تساؤلات حول مصير قوات حفتر (الأناضول)

يبدو أن شهر نيسان/أبريل بات يرتبط بالأحداث الكبرى في مسار المواجهات العسكرية بين طرفي نزاع الأزمة الليبية، حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليًا من جهة وقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر من جهة أخرى، بيد أن الفروقات واضحة بين الشهر الرابع من العام الفارط والعام الجاري، على مستوى اتجاه كفة ميل الصراع.

يؤكد هذا الانتصار العسكري لحكومة الوفاق، الذي تحقق في بضع ساعات بانهيار قوات حفتر وهروبها جنوبًا، شلل المحور الغربي في هجوم حفتر للسيطرة على العاصمة

فبينما أطلق حفتر، المدعوم من الإمارات والسعودية ومصر عربيًا وفرنسا دوليًا، معركة، لا زالت مستمرة لليوم، للسيطرة على العاصمة طرابلس، في أبريل/نيسان من العام الفارط، حلّت الذكرى الأولى هذه الأيام، بهزيمة قاسية لقواته بل لعلها الأقسى منذ أشهر، بعد سيطرة حكومة الوفاق، وضمن عملية "عاصفة السلام" التي انطلقت نهاية مارس/آذار المنقضي، على مدن استراتيجية غرب طرابلس، أهمها صبراتة وصرمان، ما يعني أن الطريق الساحلي الممتد من غرب سرت إلى الحدود التونسية بات تحت سيطرة حكومة السراج.

اقرأ/ي أيضًا: هجوم طرابلس.. ما هي السيناريوهات المتوقعة لمستقبل الصراع الليبي؟

وهذه السيطرة العسكرية طولًا ساحليًا امتدت عمقًا في اتجاه المدن الواقعة بين الشريط الساحلي وجبل نفوسة مثل رقدالين وجميّل، بمساحة إجمالية للمناطق المحررة تقدّر بثلاثة آلاف كيلومتر مربع.

عوامل سيطرة قوات الوفاق

يؤكد هذا الانتصار العسكري لحكومة الوفاق، الذي تحقق في بضع ساعات بانهيار قوات حفتر وهروبها جنوبًا، شلل المحور الغربي في هجوم حفتر للسيطرة على العاصمة، والذي تمحور مركزه في بعض المدن الواقعة على شرق مدينة الزاوية، أكبر مدن غرب طرابلس.

عامل أساسي لعب دورًا حاسمًا في هذا النصر وهو التفوق الجوي لحكومة الوفاق، إذ إن من يسيطر على السماء في معارك ميدانية في مناطق شاسعة على أحواز المناطق السكنية، يتقدم خطوة بالخصوص من حيث القدرة على استهداف الخطوط الأولى وكذا الخلفية للخصم، والحديث تحديدًا عن خطوط الإمداد التي غالبًا ما تبعد مسافات طويلة بين مركز الإمداد ونقطة المواجهة العسكرية.

استفادت حكومة الوفاق، في معاركها الأخيرة، أيما استفادة من الدعم العسكري التركي وتحديدًا الدعم الجوي عبر الطائرات المسيّرة الحاملة لقنابل موجّهة نحو الأهداف الأرضية مع توظيف أجهزة تشويش الرادار "كورال". وقد بدأت "عاصفة السلام"، قبل 3 أسابيع، بهجوم جوّي استهدف قاعدة الوطية، مركز عمليات الطيران الجوي التابع لحفتر. وتتابعت الضربات الجوية خاصة باستهداف خطوط الإمداد وهو ما شلّ قوات حفتر في صرمان وصبراتة التي لم تستطع رد الفعل أمام مباغتة التحرك البري لحكومة الوفاق.

ويعدّ العنصر الاستعلاماتي عنصرًا محددًا في معارك المنطقة الغربية، وتتضمن الترسانة العسكرية التركية، وفق ما نقلت مصادر ليبية، طائرة "أي- 7 تي" المجهزة برادار مسح إلكتروني والتي تؤدي مهام استخباراتية، لتمثل الطائرات التركية دون طيار، القتالية والاستعلاماتية، عاملًا أمّن التفوق الجوي لحكومة الوفاق على حساب قوات حفتر التي فقدت توازنها عبر استهداف قاعدة الوطية وخطوط الإمداد في نفس الوقت، عدا أنها خسرت دعمًا كانت تؤمنه حاملة الطائرات الفرنسية شارل ديغول، بدور استعلاماتي حسب مصادر ليبية، وقد عادت مؤخرًا من سواحل ليبيا إلى فرنسا بعد ثبوت إصابة ثلث طاقمها بفيروس كورونا.

وعن دور المقاتلين الأجانب في ترجيح الكفة، بقدر ما يبدو من الثابت وجود مقاتلين أجانب في طرفي الصراع وإن بدرجة متفاوتة، عبر مقاتلين روس من شركة "فاغنر" وآخرين من دول من جنوب الصحراء لحساب حفتر، وهم يمثلون عصبًا حيويًا في القوات البرية للواء المتقاعد، مقابل مقاتلين سوريين استجلبتهم تركيا في الأسابيع الأخيرة لدعم قوات الوفاق، لا يبدو واضحًا مدى فاعلية هؤلاء المقاتلين بالخصوص في التطورات الأخيرة. وتفيد معطيات مستجدة، في الأثناء، أن مقاتلين سوريين سينضمون قريبًا لقوات حفتر وفق ما نشرته وكالة الأناضول (تركي رسمي)، منتصف أبريل/نيسان 2020، عن وصول 300 عنصرًا من فصيل سوري يسمى "لواء النخبة" بمعسكر تابع لروسيا في حمص تمهيدًا لتدريبهم قبل إرسالهم إلى ليبيا.

رصد لوضع معركة طرابلس

تعدّ المستجدات الميدانية الأخيرة تطورًا نوعيًا في معركة طرابلس التي انطلقت منذ عام انطلاقًا من معطيين جديدين في خارطة المعارك، أولًا بـ"تحرير" الشريط الساحلي الغربي من الحدود مع تونس غربًا إلى أبو قرين، الواقعة بين سرت ومصراتة، شرقًا، وثانيًا السيطرة على مدن وازنة ديمغرافيًا واجتماعيًا وعسكريًا بدرجة أدنى في حسابات السيطرة على مناطق الغرب الليبي والحديث أساسًا عن صبراتة وصرمان.

وهذه التمدّد لحكومة الوفاق يضيّق الخناق على قوات حفتر في المحور الغربي لمعركة طرابلس، وهو محور يشهد واقعًا حركية عسكرية محدودة منذ أشهر باعتبار أن مدينة الزاوية، أكبر مدينة بين طرابلس والحدود التونسية، تعدّ حصنًا صامدًا لحكومة الوفاق وظل مدار نفوذ قواتها شاسعًا عدا مناوشات الكر والفر بين الفينة والأخرى.

ولكن هذا الاختراق في المحور الغربي يدفع نحو مزيد من الضغط على قوات حفتر في العمق وتحديدًا للسيطرة على قاعدة الوطية، التي تمثل مركز العمليات الرئيسي للغطاء الجوي لقواته ومنها تنطلق الطائرات المسيرة الإماراتية خصوصًا ويتركّز الدعم الأجنبي الاستعلاماتي، إذ تؤكد مصادر متقاطعة وجود ضباط أجانب من جنسيات داخلها. وإن ما نجحت حكومة الوفاق في تحييد القاعدة عبر القصف الجوي المكثف طيلة الفترة الماضية، يظل الرهان حاليًا على السيطرة الميدانية عبر قوات برية، في ظل وجود قوات لحكومة الوفاق على بعد مسافة قصيرة منها.

غير أن السيطرة على الوطية، التي تبلغ مساحتها ألف كيلومتر مربع والقادرة على استيعاب نحو 7 آلاف جندي، تستدعي تواجدًا بريًا كثيفًا لقوات الوفاق ذات كفاءة عالية لمواجهة العناصر النوعية المرابطة في القاعدة الجوية المحصّنة والتي تضم مخازن ذخيرة وأسلحة نوعية. ولكن إن نجحت حكومة الوفاق في ضمان شلل القاعدة الجوية عبر القصف الجوي لطائراتها وممراتها مع محاصرتها بريًا، تكون قد حققت خطوة حاسمة في دحر قوات حفتر عن العاصمة.

في المقابل، يظل المحور الشرقي لمعركة طرابلس هو المحور الرئيسي الأقرب لمركز العاصمة حيث تتركّز الاشتباكات المباشرة وتتقارب خطوط المواجهة في محور عين زارة حيث الأحياء الجنوبية لطرابلس. وقد تتجه حكومة الوفاق بعد تأكيد شلل قاعدة الوطية لتركيز دفاعاتها في هذا المحور ودفع قوات حفتر جنوبًا بعيدًا عن مركز العاصمة.

ويحلّ السلاح الجوي عاملًا حاسمًا لقطع خطوط الإمداد تحديدًا بين مدينة ترهونة  وخطوط المواجهة، بل مع إمكانية للاتجاه نحو الحسم بتحييد ترهونة، ذات الثقل الاجتماعي والديمغرافي وحيث يتمركز اللواء السابع مشاة وهو من أقوى ألوية قوات حفتر وأكثرها تسليحًا. وتتاخم المدينة جنوبًا بني وليد التي كانت آخر معاقل القذافي في ثورة فبراير 2011، وهي خط إمداد خلفي أيضًا لقوات حفتر في أحياء جنوب طرابلس وقد قصف سلاح جو حكومة الوفاق، مؤخرًا، عربات حاملة للوقود على هذا الخط الذي يمتد عمقًا نحو الجفرة، وسط لييبا، حيث توجد قاعدة عسكرية جوية تعدّ عصب تمدد حفتر من المنطقة الشرقية إلى المنطقة الغربية.

ومن المنتظر أيضًا أن تتصاعد المواجهة في محور أبو قرين الفاصل بين مدينتي سرت ومصراتة على الشريط الساحلي، إذ تستهدف قوات الوفاق تخفيف الضغط في المحور الشرقي ثاني أكبر مدن غرب ليبيا وحيث توجد قاعدة جوية وتتمركز مجموعات عسكرية نوعية. إذ يمثل الهدف الإستراتيجي للوفاق بعد تأمين العاصمة طرابلس هو التمدد شرقًا وتحرير سرت وبالتالي السيطرة على خليجها مفتاح التقدم نحو الشرق، وبالتالي استعادة حكومة الوفاق للمبادرة.

ويأتي في هذا الجانب، عدا العنصر العملياتي والاستعلاماتي، الرهان على التوافقات الاجتماعية القبلية وهي عامل فاعل في الاصطفافات في الداخل الليبي، وسط آمال لحكومة الوفاق أن يدفع انتصارها السريع في المحور الغربي، واستمرار تحييد قاعدة الوطية، وتأخير خطوط خصمها في محوري عين زارة ووادي الربيع، في دفع قوات تابعة لحفتر للبحث عن توافقات تحقن الدماء إما باستسلامها أو شراء ولائها، أو عبر تحشيد الضغط الشعبي داخل المدن وبالخصوص طرهونة التي دعا رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري لثوار سكان المدينة للثورة على قوات حفتر المسيطرة عليها.

بداية نهاية مشروع حفتر؟

تصريحان خلال الأيام الماضية يبينان تغيرًا في المعادلة الميدانية وكذا السياسية بالتتابع، أولهما تصريح رئيس حكومة الوفاق فائز السراج برفضه التفاوض مع حفتر لوقف إطلاق النار فيما يبدو سعيًا لإتمام انتصار الحكومة دفعة واحدة مع تراجع قوات اللواء المتقاعد، وثانيها تغريدة وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش بخصوص مناقشته إمكانية وقف إطلاق النار في محيط طرابلس مع البعثة الأممية في ليبيا، فيما يبدو توجهًا إمارتيًا للتهدئة وهي التي كانت تدفع من أجل "ضربة قاضية وسريعة" لقوات حفتر للسيطرة على العاصمة.

اقرأ/ي أيضًا: ماذا يريد حفتر من حملته العسكرية على طرابلس؟

وقد يكون حفتر من أول الضحايا العرضيين لأزمة كورونا في ليبيا من حيث علاقتها أولًا بانخفاض سعر النفط وبالتالي تقلص موارد حكومته التي تسيطر على موانئ النفط شرق البلاد، وأيضًا تقلص موارد داعميه الخليجيين وتحديدًا الإمارات والسعودية، ولكن الأهم ثانيًا في دفع الحكومات المساندة له لمراجعة أولوياتها في خضم الجائحة العالمية التي فرضت نفسها متصدّرة علي أي ملف آخر، وبالتالي تراجع اهتمامها بالملف الليبي بما يعنيه من استنزاف مالي وعسكري أمام ضعف المكاسب الميدانية والسياسية. فالدعم العسكري التركي، وتواصل تقهقر أوروبا، ليبيًا، في ظل أولوية التصدي لكورونا، وانهيار أسعار النفط، جميعها عوامل تعمل لحساب حكومة الوفاق بدرجة أولى.

 استعادة الجزائر لدورها في الملف الليبي منذ تسوية أزمتها الداخلية ساهمت في تضييق مجال المناورات السياسية لحفتر الذي كان يصدّر شعار "لا للتفاوض" وأولوية الحسم العسكري

ولا يفوت أن استعادة الجزائر لدورها في الملف الليبي منذ تسوية أزمتها الداخلية ساهمت في تضييق مجال المناورات السياسية لحفتر الذي كان يصدّر شعار "لا للتفاوض" وأولوية الحسم العسكري على التوافق السياسي طيلة الأشهر الماضية، وهو قد يجد نفسه اليوم، وبدفع من داعميه الإقليميين، مضطرًّا للدخول في توافقات سياسية لوقف نزيف خسائره الميدانية، وبالتالي فشل مشروعه المعلن منذ عام للسيطرة على العاصمة واستحكام سيطرته على البلاد.