31-ديسمبر-2020

في أحد مكاتب جمعية لحزب الله (Getty)

نجح قراصنة مجهولون يطلقون على أنفسهم اسم spiderz بقرصنة بيانات مؤسسة "القرض الحسن" ونشروها في مواقع التواصل الاجتماعي وهددوا بنشر المزيد من البيانات في الأيام القادمة. وبعد نجاح عملية الاختراق نشر المقرصنون مقطع فيديو قالوا فيه إنهم حصلوا على كل المعلومات المرتبطة بالجمعية من ميزانيات وحسابات وغيرها. وفي هذا الصدد أصدرت الجمعية بيانًا صحفيًا طمأنت فيه المودعين عقب الحادثة، ووضع البيان المسألة في خانة "الحملات المشبوهة المبرمجة إعلاميًا وسياسيًا"، وبدأت تغريدات أنصار حزب الله بالانتشار عبر وسم #القرض_الحسن_شوكة_بعيونكم  في تويتر.

تعرضت كبرى جمعيات حزب الله المالية في لبنان إلى القرصنة الإلكترونية وكشف بياناتها بعد أن كانت عرضة للعقوبات الأمريكية أيضًا، ما ينذر بصفحة جديدة من الحرب المالية التي يعيشها حزب الله ويدفع ثمنها "جمهور" الحزب

حدثت عملية القرصنة بعد أن بدأت الجمعية بتوفير خدمات أجهزة الصراف الآلي ATM وخدمة الهاتف المحمول Mobile Application التي سمحت بموجبها للمودعين والعاملين سحب ودائعهم وأموالهم مباشرة من الصراف الآلي في خطوة تطويرية للجمعية. لكن ما لم تحسبه الجمعية أن خطوة كهذه في الانتقال من التعامل المباشر إلى التعامل الإلكتروني قد تعرض "سرية" الزبائن للكشف عن بياناتهم، وهذا ما حصل بالفعل مما أثبت ضعف المكننة وأجهزة الرقابة والخبرة المعلوماتية للجمعية.

اقرأ/ي أيضًا: واشنطن تدرج نواب حزب الله على لائحة العقوبات.. لكن ما الجديد؟

وبعد اختراق القراصنة للبيانات الخاصة بالعملاء كشفوا عن أسماء المقترضين بين عامي 2019 و2020 مع تفاصيل مرتبطة بقيمة القروض والحسابات وكيفية سدادها، إضافة لمعلومات شخصية عن المودعين والمقترضين مثل أسماءهم وأرقام هواتفهم. مما ضرب "السرية المصرفية" للجمعية. ونصح المقرصنون جميع المودعين سحب أموالهم من الجمعية ووقف سداد أقساطهم ومقاطعة "اقتصاد حزب الله" الموازي وابتزازه لمصادر الدولة الذي ساهم في انهيار البلاد ماليًا، حسب ما نشر في تقرير وصل إلى البريد الالكتروني للزبائن المشتركين في القرض.

وتجدر الإشارة إلى أن "القرض الحسن" لا تخضع لقانون النقد والتسليف الصادر عن المصرف المركزي اللبناني والذي ينظم التعاملات النقدية والمالية في البلاد. وبذلك فالجمعية تعمل خارج النظام المصرفي اللبناني الذي يشرع من الحكومة ومصرف لبنان عبر قوانين في مجلس النواب ويلتزم بالتعاميم وتتم مراقبته ويدفع الضرائب للدولة، مما يمكن اعتباره اقتصادًا موازيًا للدولة.

كما كشفت عملية القرصنة عن حسابات مؤسسة القرض الحسن في مصرف "جمال ترست بنك"، الذي كان قد تم فرض عقوبات أمريكية عليه عام 2019 بتهمة تقديم خدمات مالية لحزب الله. وتم حينها تصفية المصرف وبيع أصوله، على غرار البنك اللبناني الكندي. وكانت جمعية "القرض الحسن" أدرجت عام 2007 على القائمة السوداء لوزارة الخزانة الأمريكية.

ارتباطًا بالأمريكيين، وعلى غرار ما صدر في الماضي من قرارات بحق مصارف لبنانية من وزارة الخزانة الأمريكية بسبب لعب دور في تسهيل عمليات لحزب الله، فإن البيانات المخترقة والتي قد تفيد بمعلومات حول علاقات مالية بين جمعية "القرض الحسن" وبعض المصارف اللبنانية الأخرى، وذلك من "تحت الطاولة"، من شأنها أن تضع هذه المصارف تحت سطوة العقوبات الأمريكية مجددًا، وسينتج عن ذلك المزيد من التضييق على المصارف اللبنانية، خاصة مع السياسة المتبعة في واشنطن فيما خص تجفيف منابع تمويل حزب الله.

اقرأ/ي أيضًا: هل نجحت عقوبات واشنطن بتحجيم نفوذ حزب الله في لبنان؟

وسادت العديد من التأويلات حول طبيعة هذا الخرق، فهل هو خرق توصل إليه هواة أم محترفون؟ هل حصل الخرق نتيجة خطأ من أحد الموظفين أم بتواطؤ من أحد داخل المؤسسة،  قد يكون نقل المعلومات عبر USB من جهاز حاسوب إلى جهاز آخر. وربما قد يكون الخرق قد تم عبر قرصنة البريد الإلكتروني لأحد الموظفين الكبار ممن يملكون مراسلات ذات سرية وأهمية عالية. وهناك من اقترح أنه ربما تكون عملية القرصنة قد تمت بسبب ضعف القدرات التقنية لدى خبراء الجمعية، خاصة بعد انتقالهم من التعامل المباشر إلى التعامل الإلكتروني ووضع بياناتهم على أجهزة ATM الإلكترونية.

لكن تبقى هناك أرجحية للتكهنات التي تصوب الاتهامات على الأمريكيين والإسرائيليين، خاصة في ظل الأوقات الحرجة ماليًا التي يمر بها لبنان والضغط الأمريكي على المصارف اللبنانية. فمنذ أسابيع أدرجت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات بحق وزراء ونواب لبنانيين، منهم جبران باسيل وعلي حسن خليل ويوسف فنيانوس وهم شخصيات سياسية وحزبية تولوا مناصب وزارية ونيابية. وعادت وزارة الخزانة الأمريكية إلى استهداف مؤسسات حزب الله بمزيد من العقوبات حين صنفت شركتين مرتبطتين بحزب الله ومسؤولًا واحدًا في الحزب على لائحة العقوبات الأمريكية، وهما مؤسستي "آرش"  و"معمار" لكونهما مملوكتين أو خاضعتين لسيطرة أو إدارة حزب الله. ويذكر أن جمعية القرض الحسن وضعت على قائمة العقوبات الأمريكية في عام 2015 لكن نشاطها لم يتوقف.

وجمعية القرض الحسن عبارة عن جمعية "مصرف إسلامي" تابعة لحزب الله تنتشر فروعها في كافة المناطق اللبنانية، وتضم أكثر من 300 ألف زبون، وتقدر قيمة الودائع لديها بحوالي نصف مليار دولار أمريكي. وتمتهن الجمعية منح القروض ورهن الذهب بفوائد متدنية. ويعود تأسيسها إلى عام  1987، حيث تم تسجيلها بصفة جمعية خيرية في حين أنها باتت اليوم تقدم قروضًا بنحو 500 مليون دولار لأكثر من 200 ألف مقترض، حيث تمنح قروضًا مالية بالدولار مقابل رهن الذهب. ويرى البعض أنها تحولت إلى شبه مصرف تؤدي وظائف ومهمات مصرفية لكنها في ذات الوقت خارج النظام المصرفي اللبناني مما يطرح تساؤلات حول شرعيتها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

كيف يمول حزب الله عملياته عبر تجارة المخدرات

بعد تفاهمات مع إيران.. كيف أفرج القضاء الأمريكي عن أحد أهم ممولي حزب الله؟