24-أبريل-2017

زوجان ينظران إلى ملصقين دعائيين لماكرون ولوبان (تشيسنوت/ Getty)

إيمانويل ماكرون ومارين لوبان إلى الدور الثاني في الانتخابات الرئاسية الفرنسية، هذا ما أسفرت عنه نتائج الدور الأول من هذه الانتخابات، وهو ما تنبأت به استطلاعات الرأي خلال الأسبوعين الماضيين، إذ استطاع ماكرون التقدم على لوبان بفارق نقطتين، دفعت بهما إلى المرحلة الثانية من الانتخابات المحددة في السابع من أيار/مايو القادم.

المرشح الوسطي ذو الـ39 عامًا، والذي لم يأت من صلب منظومة حزبية، ولم يخض أية انتخابات أو ترشيحات رئاسية سابقة، كانت هذه هي تجربته الأولى التي استطاع من خلالها أن يستغل السخط العام على كلا الحزبين التقليديين المسيطرين في فرنسا، ويقدم نفسه وحركته "إلى الأمام" كنموذج الوسط للشعب الفرنسي.

وبفوزه هذا ترجم السخط الشعبي الكبير إلى هزيمة تاريخية لأحزاب اليمين واليسار، استغلها الناخبون لمعاقبة أحزابهم السياسية، فالحزب الوسطي الذي انتقد عليه، أصبح نقطة قوة إلى جانب برنامجه الانتخابي الذي حقق من خلاله ما لم يستطع تحقيقه كثيرون في الحياة السياسية الفرنسية.

لم يأتِ ماكرون من منظومة حزبية، وهذه الانتخابات هي تجربته الأولى والتي استغل فيها السخط العام على الأحزاب الفرنسية

الفوز الذي بيّن مواقف سياسية ناضجة بين خصومه في الحياة السياسية، المتوافقين معه في المصلحة العليا للجمهورية، حين دعا كلًّا من منافسيْه بنوا هامون وفرانسوا فيون لحشد مؤيديهم والتأكيد على ضرورة الوقوف إلى جانب ماكرون في المرحلة القادمة، في وجه خصمه مارين لوبان، زعيمة الجبهة الوطنية، والتي بدورها وبعد إعلان النتائج، توجهت إلى الفرنسيين ودعتهم لأن ينتهزوا الفرصة في هذا التحدي ضد ما أسمته "العولمة الهمجية"، واضعةً إياهم بين خيارين "إما أن نمر بمرحلة انعدام الضوابط والمنافسة غير المشروعة والهجرة الكبيرة والإرهاب، وإما أن تختاروا حدودنا وأمننا الوطني، ولكم الخيار الحقيقي في الانتقال والتغيير والتداول الكبير، الذي من شأنه أن يضع وجوهًا جديدة في السلطة، ليست كوريث فرانسوا هولاند والسلطة الهزيلة"، أو كما قالت.

اقرأ/ي أيضًا: أخاف مارين لوبان

تبدو حظوظ مارين لوبان قليلة، رغم حصولها على نسبة 21.7% في المرحلة الأولى، بخاصةً بعد التفاف باقي المرشحين حول ماكرون، ودعوة أنصارهم للتصويت له على حسابها، فهي لم تتخل عن خطابها الشعبوي المتطرف حتى اللحظة الأخيرة، وربما لأنها تعرف جيدًا أن فرصتها محدودة، لذا تحاول الحفاظ على نفس النبرة التعبوية، مستجيرةً بأصوات قد تحصل عليها من حزب الجمهوريين، ومع ذلك لا نعرف في النهاية ما الذي قد يحدث.

وعبر كثيرون من أتباع ومؤيدي أحزاب اليسار والحزب الاشتراكي وأحزابٍ أخرى، عن أنّ الجبهة الوطنية "لن تكون السيناريو الأفضل"، وأن فرنسا لا تريد حزبًا متطرفًا معروفًا بعدم التسامح، قد يُوصل برنامجه بالبلاد إلى "الفوضى" على الصعيد الأوروبي، وهو ما يُرجح حتى الآن كفة ماكرون أمام لوبان. لكن خيارات اليسار والوسط، وحتى الجمهوريين، باتت محدودة، بل ومتوقفة على فوز ماكرون في المرحلة القادمة.

خطاب المرشحين بعد الخسارة

وبالنسبة لمرشحين آخرين كأمون وفيون، فثمّة قواسم مشتركة تجمع بعض النقاط في برامجهم الانتخابية بالبرنامج الانتخابي لماكرون، بخاصة بما يتعلق بتحسين الروابط مع الاتحاد الأوروبي، أو من يدعو إلى إعادة رسمها، إلى جانب الإصلاحات الاجتماعية والبطالة.

وتحدث فرانسوا فيون، مرشح الجمهوريين، إلى مؤيديه بعد خسارته، كرجل دولة لأول مرة، كما يقول محللون، فبعد الجدال الدائر حول إصراره على الترشح، يعترف فيون بفشله رغم كل الجهود المبذولة، إذ لم ينجح في النهاية بإقناع الفرنسيين بالتصويت له وإيصاله للدور الثاني، مُسلّمًا بأن الهزيمة مسؤوليته الشخصية وهو سيتحملها.

ثمّة قواسم مشتركة تجمع بين البرامج الانتخابية للمرشحين الخاسرين ببرنامج ماكرون، ما قد يدفع بالتفافهم حوله في وجه لوبان

أمّا جان لوك ميلانشون، الذي عُقدت عليه آمالٌ كبيرة إثر تقدمه، فقد قفز من 17% إلى 19% في الأسبوع الفائت، وهذا ما جعل خيبة الأمل كبيرة فبخسارته وخسارة هامون، خرج اليسار من السباق الرئاسي، ولكن بنتيجة محترمة، أوصلت ميلانشون للمرة الثانية على التوالي إلى الدور الأول في الانتخابات. وعلى جانب آخر من المشهد الانتخابي، وبحسب وكالة الأنباء الفرنسية، فقد تظاهر المئات من اليسار الغاضب ضد الليبرالية والفاشية، والرافض للنتائج، في ساحة لاباستيّ، معتزمين قضاء ليلة كاملة بإقامة الحواجز والتظاهر. في الوقت عينه أعلن مرشح حزب مناهضة الرأسمالية، فيليب بوتوا، دعوته لأنصاره بعدم التصويت لماكرون. 

انتخابات 2017 كما لو كانت 2002

ويرى محللون أنه في انتخابات هذا العام ما يذكّر بانتخابات عام 2002، حين وقف جاك شيراك أمام جان ماري لوبان في المنافسة على المرحلة الثانية، كما وعلّق كثيرون على موقف الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند الذي هنأ ماكرون، وتطرقوا إلى التقارب الحاصل بين الاثنين، ليس لأن ماكرون قريب من الاشتراكين واشتغل في حكومة فرانسوا هولاند، ولكن لأنه أصبح عقبة في وجه اليمين المتطرف.

اقرأ/ي أيضًا: ماكرون.. الدخيل الفرنسي الذي سوف يصبح رئيسًا

"ماكرون رئيسًا لفرنسا"، يردد أنصاره وأغلبية المناهضين للجبهة الوطنية وكذا المقربون من اليسار، وهذه واحدة من حظوظه التي جعلته محاطًا بالكثير من المؤيدين من مختلف الشرائح والجهات الحزبية، فيما ارتبط انتخابه بوجه فرنسا الجديد، الذي يريده كثيرون، وقد استهل خطابه بعد الفوز بالتأكيد على هذا التغيير من خلال عبارة قالها هي: "لقد استطعنا خلال عام تغيير الوجه السياسي لفرنسا".

تحول ماكرون إلى ظاهرة سياسية منذ استقالته من منصبه الوزاري في شهر آب/أغسطس 2016، ليؤسس حركة "إلى الأمام"، وفي ذلك الوقت تلقى دعمًا معتبرًا من مختلف التيارات السياسية ورؤساء كبرى المؤسسات، واليوم هو يتلقى تأييد شريحة كبيرة من الشباب الوسطي وأحزاب مختلفة تدفعه لتوحيد فرنسا، والمضي مع جعبة وعود سياسية واقتصادية واجتماعية بالتغيير والخروج من فترة ضعيفة هزيلة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

انظروا إلى فرنسا.. هناك من ينافس سوء ترامب

كيف تؤثر "السوشيال ميديا" في الانتخابات الفرنسية؟