14-يناير-2020

قد تستغل روسيا اغتيال سليماني لتعزيز دورها في سوريا (أ.ف.ب)

تعزيزات عسكرية أمريكية إلى منطقة شرق الفرات في سوريا تشمل راجمات صواريخ، عقب مقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني والرد الإيراني بقصف قواعد عسكرية تضم جنودًا أمريكيين في العراق، تزامنًا مع تحرك سياسي روسي للرئيس فلاديمير بوتين من خلال زيارته المفاجئة لدمشق ومن ثم تركيا، وسط توقعات بأن يؤدي مقتل سليماني إلى تعاظم دور روسيا في سوريا والشرق الأوسط، إذا لم تستغل واشنطن الفرصة لتثبيت سياستها في سوريا.

يسعى بوتين إلى تعزيز مكانة بلاده في الشرق الأوسط في أعقاب اغتيال سليماني، والهجوم الصاروخي الإيراني على القواعد الجوية الأمريكية في العراق، والذي دفع إيران والولايات المتحدة إلى حافة الحرب

وكانت مصادر محلية قالت لوكالة الأناضول إن الولايات المتحدة تواصل إرسال التعزيزات العسكرية واللوجستية إلى قواعدها في حقول النفط شرقي سوريا. وأفادت المصادر أن قافلة أمريكية مكونة من مئة وأربعين شاحنة دخلت الأسبوع الماضي عبر معبر الوليد الحدودي مع العراق، ووصلت إلى حقول "جبسة" قرب مدينة الشدادي جنوب الحسكة.

اقرأ/ي أيضًا: اغتيال سليماني.. سيناريوهات الرد الإيراني تخيم على اليمن

وحملت القافلة سيارات رباعية الدفع وآلات حفر وبناء، كما ضمت شاحنات مغلقة يعتقد أنها تحمل ذخائر. وأضافت المصادر أن تسع عربات مدرعة وعشرات الجنود الأمريكيين خرجوا الأسبوع الماضي من قاعدتهم في بلدة تل بيدر شمال غرب الحسكة، ووصلوا إلى القاعدة الأمريكية في حقل "العمر" النفطي بريف دير الزور.

كذلك كشفت مصادر محلية عن قيام القوات الأمريكية المتمركزة بمحافظة دير الزور بنشر راجمات صواريخ لمواجهة الميليشيات الإيرانية في المحافظة.

كما نشرت القوات الأمريكية الراجمات في بادية السوسة وحقلي العمر وكونيكو النفطيين، وذلك قبالة نقاط انتشار الميليشيات الموالية لطهران في مدينتي الميادين والبوكمال ومركز مدينة دير الزور.

حرب بالوكالة

لا يمكن لأحد التنبؤ بما سيقرره الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خاصة بعد قراره غير المسبوق بقتل قاسم سليماني، وهي المرة الأولى التي تغتال فيها الولايات المتحدة قائدًا عسكريًا منافسًا منذ الحرب العالمية الثانية.

تشير المؤشرات إلى أن الهجوم الصاروخي الإيراني بين عشية وضحاها على قاعدتين في العراق تتمركز فيهما القوات الأمريكية والبريطانية والقوات الغربية الأخرى كان متعمدًا. لم تستطع إيران سوى الرد على الاغتيال والتوعد بالانتقام ومع ذلك غالبًا ما توضع الحسابات السياسية في المسائل العسكرية، حيث لم يمت أحد في القصف الإيراني، وقد تكون هذه مسألة مصادفة ولكنها ستكون عاملًا مهمًا حيث تزن الولايات المتحدة ردها.

الحجم المطلق للهجوم مهم أيضًا. اثنان وعشرون صاروخًا أطلقها الحرس الثوري، ليست تافهة. لكن الأمر لا يتناسب مع الهجمات الصاروخية التي هطلت على القواعد الأمريكية العراقية طوال العام، ولا الضربات الجوية الأمريكية على الميليشيات التي تدعمها إيران في العراق وسوريا والتي سبقت التصعيد الحالي. ومن المؤكد أنها بسيطة مقارنة بغارة الطائرات بدون طيار التي قتلت سليماني وأربعة ضباط آخرين من الحرس الثوري في مطار بغداد.

المرشد الأعلى علي خامنئي في الوقت نفسه، يخاطب الولايات المتحدة بنبرة تصعيد كما تفعل الجمهورية الإسلامية دائمًا، لكنه يعلم أنه في حين بدأت الحرب الشاملة فإنها ستعيد تشكيل الشرق الأوسط بطرق غير متوقعة، ومن المؤكد أنها لن تكون لصالح إيران ويمكن أن تنهي بسهولة النظام الإيراني مرة واحدة وإلى الأبد.

لذلك يبدو أن إيران لو قامت بنوع من الرد التدريجي، فسيكون من خلال أذرعها في سوريا والعراق واليمن ولبنان، حافظ آية الله  القائد الأعلى الإيراني قال بلهجة معادية إن هذا "العمل العسكري" "ليس كافيًا". وربما تستطيع إيران كما توضح تقارير دولية الآن العودة إلى إستراتيجيتها السابقة المدبرة من قبل سليماني، باستخدام الوكلاء الإقليميين لمهاجمة الولايات المتحدة وحلفائها.

وتؤكد صحيفة فورين بوليسي ذلك، وتشير إلى أن تنفيذ عمليات قتل الأمريكيين ستتم باستخدام أدوات سليماني التي بناها بنفسه مثل فيلق القدس - جهاز المخابرات العسكرية الهجين التابع للحرس الثوري والجماعات الشيعية المتطرفة في لبنان والعراق واليمن وسوريا وأفغانستان وأماكن أخرى.

روسيا صديقة الجميع

منذ تدخلها المحوري في سوريا في عام 2015، سعت روسيا إلى وضع نفسها كلاعب رئيسي في الشرق الأوسط، لتأسيس نفسها كوسيط نادر على علاقة جيدة مع جميع القوى المتناحرة في المنطقة.

ورأت "فورين بوليسي" أن بوتين ينتقل إلى زيادة دور روسيا بعد مقتل سليماني، فـ"الآن لدى موسكو فرصة جديدة لترسيخ تلك السمعة". يسعى بوتين إلى تعزيز مكانة بلاده في الشرق الأوسط في أعقاب اغتيال سليماني، والهجوم الصاروخي الإيراني على القواعد الجوية الأمريكية في العراق، والذي دفع إيران والولايات المتحدة إلى حافة الحرب.

إن الوضع المتصاعد يثير قلق روسيا على مصالحها في المنطقة بشكل كبير، لكنه يوفر لبوتين فرصًا جديدة لتحقيق اثنين من أهدافه طويلة الأمد: تقويض مصداقية الولايات المتحدة وتوسيع بصمة روسيا عبر الشرق الأوسط.

أثار القتل موجة من النشاط الدبلوماسي قامت بها موسكو. ففي مكالمات هاتفية مع نظرائه الأمريكي والإيراني والصيني والتركي، أدان وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف عملية القتل ووصفها بأنها انتهاك صارخ للقانون الدولي. والأسبوع الماضي قام بوتين بزيارة مفاجئة إلى دمشق للقاء رئيس النظام السوري بشار الأسد. وهي موجة من الدبلوماسية ستصب حسب ما يقول خبراء في مصلحة موسكو.

على سبيل المثال، تقول آنا بورشيفسكايا، زميلة في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، للصحيفة الأمريكية، إن "آخر ما يريده بوتين هو اختيار جانب في الشرق الأوسط". وتضيف "أن أفضل بطاقة له هي كوسيط وأظن أنهم في وضع الانتظار والترقب الآن. إذا فعلت روسيا شيئًا مهمًا، فسيكون ذلك دبلوماسيًا. إن قتل قائد فيلق القدس سليماني في غارة أمريكية بطائرة بدون طيار في مطار بغداد في 3 كانون الثاني/يناير سيؤكد على الأرجح اختبار قدرة موسكو على أن تكون صديقًا لجميع اللاعبين الرئيسيين في المنطقة".

ومن دمشق سافر بوتين إلى إسطنبول للقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لبحث التوترات المتصاعدة في الشرق الأوسط، على الرغم من رؤيتهما المتناقضة لمستقبل المنطقة، فقد نجح أردوغان وبوتين في إبرام صفقات في الماضي عندما اتفق الزعيمان على إنشاء منطقة "آمنة" شمال شرق سوريا في العام الماضي بعد الانسحاب غير المتوقع لإدارة ترامب. ويوم السبت استقبل بوتين المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في موسكو لإجراء محادثات حول الأزمة. وتعد روسيا وألمانيا من بين الدول التي سعت إلى دعم الاتفاق النووي الإيراني بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاقية في عام 2018.

كذلك طورت روسيا وإيران علاقات عميقة في السنوات الأخيرة، حيث تعملان معًا في سوريا لإمالة ميزان القوى لصالح نظام الأسد. على الرغم من اهتماماتهم المشتركة فقد حافظت موسكو في وقت واحد على علاقات أعمق مع إسرائيل والسعودية خصوم طهران، وكذلك مع لاعبين آخرين في المنطقة.

في حين أن العديد من الحلفاء الإقليميين للولايات المتحدة قد يرحبون على نحو خاص باغتيال سليماني، إلا أن الكثير منهم يخشون أن يتحملوا وطأة الانتقام الإيراني، رغم هدوء هذه المخاوف قليلًا بعد أن ردت إيران على مقتل سليماني بإطلاق أكثر من عشرة صواريخ على القوات الأمريكية وقوات التحالف في العراق.

وفي حين تشير التقارير إلى عدم وقوع إصابات في الولايات المتحدة، وحيث أظهر الجانبان علامات على عدم رغبتهما في تصعيد الموقف، ربما كان الحلفاء الأمريكيون في المنطقة يتنفسون الصعداء، لكن إذا توصلوا إلى أن واشنطن تركتهم معرضين للانتقام الإيراني، فقد يشجع ذلك على الاتجاه نحو موسكو للتوسط في المستقبل.

سوريا المنطقة الأكثر ضعفًا

لم تكن مصادفة أن تكون دمشق هي المحطة الأخيرة التي زارها قاسم سليماني قبل وصوله إلى بغداد، فقد لعب هناك دورًا محوريًا في الإشراف على حرب نظام الأسد التي شنها على المدنيين. وقد خلف موت سليماني فراغًا كبيرًا في السلطة في سوريا مما يقدم فرصة سانحة للولايات الأمريكية لتقوم بتثبيت سياستها التي فشلت في سوريا، هذا إذا كانت إدارة ترامب تتمتع بما يكفي من الذكاء لاقتناص تلك الفرصة، بحسب صحيفة واشنطن بوست.

وهنا لا نبالغ إذا تحدثنا عن دور سليماني الكبير في سوريا، خاصة فيما يتصل بتشديد وحشية نظام الأسد على الأبرياء، فهو من هندس ونسق الحملة التي تعمل على محاربة المعارضة وذلك عبر شن هجمات على المدنيين، من خلال الاستعانة بأساليب تشمل جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية. ثم إنه استدعى سائر الميليشيات التي تعتبر وكيلة ومرتبطة بفيلق القدس الذي يترأسه ضمن الحرس الثوري الإيراني وذلك لتنضم للقتال. كما سهل عملية تدفق السلاح والأموال إلى تلك الميليشيات من إيران.

وإيران تعتبر سوريا جزءًا من "محور المقاومة" ضد الغرب. وسبق وأن قام مسؤول مقرب من المرشد الأعلى وهو مهدي طيب بوصف سوريا بأنها "المحافظة الخامسة والثلاثين" بالنسبة لإيران، وأضاف: "إذا خسرنا سوريا فلن نتمكن من الاحتفاظ بطهران".

لذا لا عجب أن يحتفل بموت سليماني من نجا من السوريين المحظوظين الذين عاشوا طيلة تلك المدة في محافظة إدلب التي بقيت كل تلك الفترة خارج سيطرة بشار الأسد، بل وأن يقوموا بتقديم الحلوى احتفاء بهذه المناسبة. وفي تلك الأثناء ردت الميليشيات التي تدعمها إيران الموجودة في شمال شرق سوريا على الضربة التي قتل فيها سليماني بإعدام 21 راعيًا أعزل بالقرب من مدينة الرقة بحسب ما أورده ناشطون ميدانيون.

والسؤال الآن هو: هل بوسع الحكومة الأمريكية وشركائها الاستفادة من هذه اللحظة الهامة والعابرة في الوقت الذي خسر فيه نظام الأسد أهم عراب دولي له كما خسرت القوات الوكيلة لإيران في سوريا قائدها؟ بيد أننا نرى المسؤولين والنواب في إدارة ترامب يفكرون فقط بمدى تأثير مقتل سليماني على سوريا وما يمكن لسياسة الولايات المتحدة أن تبديه من رد فعل حيال ذلك.

وحول ذلك يعلق السيناتور ليندسي غراهام بالقول: "إضعاف إيران يعني إضعاف الأسد، وهذا يفيد المعارضة السورية. كان اغتيال سليماني حركة جريئة، فالأمر يتطلب سلسلة من الحركات الجريئة حتى يكلل بالنجاح".

وترى واشنطن يوست أنه يتعين على الولايات المتحدة وشركائها الآن أن يستغلوا الاختلافات بين موسكو وطهران فيما يتعلق بسوريا، وأن يمارسوا قوة أكبر على روسيا لتضغط على الأسد ليقدم تنازلات سياسية بحسب رأي غراهام. فلقد سارع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لزيارة الأسد بدمشق بعد أيام من الضربة التي قتل فيها سليماني.

كما يمكن أن توسع إدارة ترامب من نفوذها في سوريا في الوقت الراهن وذلك عبر فرض عقوبات رادعة جديدة على الأسد وروسيا وإيران بموجب القانون الذي وقعه الرئيس ترامب قبل أيام والذي يعرف باسم "قانون قيصر"، وتعتبر هذه الخطوة حاسمة للإبقاء على حالة العزلة الدبلوماسية بالنسبة للأسد مع حرمان روسيا من تنفيذ خطتها القائمة على جني الفوائد المالية عبر عملية إعادة إعمار سوريا.

ويمكن لترامب نفسه أن يسهم بسهولة بالكثير وذلك في حال أعلن وبكل وضوح عن التزام الولايات المتحدة بإبقاء قواته في سوريا، تضيف الصحيفة، إذ ثمة ما يقرب من 600 جندي أمريكي بالقرب من حقول النفط في محافظة دير الزور بالإضافة لبضعة مئات في قاعدة التنف العسكرية بالقرب من الحدود العراقية، وتلك هي المناطق التي كان سليماني يسعى للسيطرة عليها لتسهيل مرور الأسلحة والمقاتلين من إيران إلى مختلف أنحاء المنطقة.

ترى واشنطن يوست أنه يتعين على الولايات المتحدة وشركائها الآن أن يستغلوا الاختلافات بين موسكو وطهران فيما يتعلق بسوريا، وأن يمارسوا قوة أكبر على روسيا لتضغط على الأسد ليقدم تنازلات سياسية 

فلو أدرك ترامب بأن سوريا هي المكان الذي حقق فيه النظام الإيراني أقصى توسعاته وبأنها المكان الأكثر عطبًا وضعفًا، عندها سيغدو قادرًا على تنفيذ سياسة "الضغط لأقصى حد" على طهران والتي تباهى بها المسؤولون لديه مرارًا وتكرارًا. ولا يمكن حسب خبراء تستشهد بهم الصحيفة، لأي جهود تبذل لاحتواء أذى إيران في المنطقة أن تفلح دون مواجهة إيران في سوريا.