04-سبتمبر-2021

قوات نيجيرية على الحدود الجنوبية للبلاد (Getty)

الترا صوت – فريق التحرير

أثار الانسحاب الأمريكي الفوضوي من أفغانستان الذي أفضى لبسط نفوذ حركة طالبان على كامل البلاد، موجة من التساؤلات على المستوى العالمي حول التواجد الغربي بشكل عام في القارة الأفريقية، والتي تعاني أساسًا من وطأة الصعود المتسارع للتنظيمات المتطرفة الموالية لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

أثار الانسحاب الأمريكي الفوضوي من أفغانستان الذي أفضى لبسط نفوذ حركة طالبان على كامل البلاد، موجة من التساؤلات على المستوى العالمي حول التواجد الغربي بشكل عام في القارة الأفريقية

برزت المخاوف من تخلي الولايات المتحدة عن حلفائها الأفارقة بشكل لافت في المقال الذي نشره الرئيس النيجيري محمد بخاري في صحيفة فايننشال تايمز البريطانية منتصف الشهر الجاري، حيث استهل بخاري المقال بدعوته إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى إبرام "شراكة شاملة" مع نيجيريا، التي تعاني من صعود حركة بوكو حرام المتطرفة، وهي من الحركات الموالية لتنظيم داعش في أفريقيا.

اقرأ/ي أيضًا: ملف خاص |أفغانستان: مستقبل قلق بعد عقدين من الاحتلال الأمريكي

الرئيس النيجيري انطلق في مقالته من بوابة مواجهة القارة الأفريقية "حالةً من إعادة الحسابات بينما يشعر البعض بأن الغرب يفقد إرادته للقتال"، مشيرًا إلى أن "بعض حلفائنا الغربيين أصيبوا بصدمات في أثناء تجاربهم بالشرق الأوسط وأفغانستان. ويواجه آخرون ضغوطًا محلية في أعقاب الجائحة"، قبل أن يؤكد على أنه"لم تكن أفريقيا آنذاك ضمن أولوياتهم، وهي أقل الآن".

بحسب ما أشارت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، فإن مقال بخاري الذي توجه به لحلفاء نيجيريا الغربيين، يأتي في ظل عدم مواجهة حركة بوكو حرام أي مشاكل تُذكر في تجنيدها لأعضاء جدد في شمال أفريقيا الفقير أساسًا، الأمر الذي تتحمل مسؤوليته حكومة بخاري بعد فشلها بتنفيذ مشاريع التنمية خارج العاصمة أبوجا، وهو ما ساهم بإحداث فجوة كبيرة مع المدن الفقيرة، وكان له أثر سلبي من خلال استغلال الجماعات المتطرفة لذلك، وعلمها على توفير الخدمات الأساسية عوضًا عن الحكومة النيجيرية.

الجماعات المتطرفة تحتفي بالانسحاب الأمريكي من أفغانستان

لكن هذا الأمر لا يقتصر على نيجيريا فقط، بل يمكن القول إنه يمتد إلى مختلف الدول الغربية، بما في ذلك مالي، بعدما أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن انسحاب القوات الفرنسية من مالي سيكون خلال الأسابيع القادمة، وفقًا لما ذكرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، التي أضافت أن الانسحاب سيشمل إغلاق ثلاث قواعد عسكرية في شمال مالي، أبرز معاقل الحركات المتطرفة.

فقد أثار الانسحاب الأمريكي من أفغانستان حماسًا لدى الجماعات المتطرفة التي تقود حركات التمرد المتزايدة بسرعة في غرب أفريقيا، وبحسب ما نقلت واشنطن بوست، فإن زعيم تنظيم القاعدة في مالي إياد أغ غالي، أشاد في بيان نادر بسيطرة طالبان على أفغانستان، بينما احتفل مقاتلو الجماعات المتطرفة، بما في ذلك القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية، معتبرين أنه جاء كنتيجة "للمثابرة ضد الدول الغربية".

وكالة الأناضول التركية نقلت من جهتها أن أغ أغالي، وهو مؤسس تنظيم حراس الدين في مالي، قال في معرض تعليقه على الانسحاب الفرنسي من مالي إنه جاء بعد الفشل في تحقيق أهدافها "لتكتفي بعد سنوات من العناء برتبة التعاون تحت مسمى التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب"، وهو ما أثار مخاوف الخبراء من صعود الحركة في مالي، بعدما رجحوا من "تحول ميزان القوى لصالح الجهاديين"، واصفين سيطرة طالبان على أفغانستان بأنه "هدية لآلات الدعاية الخاصة بهم".

الانسحاب الغربي من أفريقيا بدأ فعلًا

بالعودة سريعًا إلى تقرير فورين بوليسي، فإنها رأت الطريقة التي انسحبت بها الدول الغربية من أفغانستان مما أدى إلى سقوط كابول، كانت قد بدأت فعليًا في القارة الأفريقية بعد مواجهةٍ داخلية بسبب مخاوف من أن تصبح منطقة الساحل الأفريقي بمثابة أفغانستان لفرنسا، من حيثُ أن الانسحاب الفرنسي لن يقتصر على مالي فقط، إنما سيمتد إلى دول بوركينا فاسو وموريتانيا والنيجر وتشاد. ورجح التقرير أن يكون الانسحاب بطيئًا، مع تحول الاستراتيجية نحو الدعم الفني ومكافحة الإرهاب .

في تقرير آخر، نشر قبل أيام في صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، رأى جوناثان كلايتون أن "انتصار طالبان في أفغانستان، شجع جماعات إسلامية متطرفة في أفريقيا على شن هجمات دامية عدة في الأيام القليلة الماضية"، مشيرًا أن الهجمات التي نفذتها الجماعات المتطرفة أسفرت عن مقتل أكثر من مائتي شخص في النيجر ومالي وبوركينا فاسو، وهو الأمر الذي اعتبره دليلًا "على ثقة الجهاديين المتزايدة بالنصر في القارة (الأفريقية) مع انتشار الفوضى في كابول".

كلايتون نقل في تقريره أن رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير كان قد وصف قرار الانسحاب من أفغانستان بأنه ترك "كل جماعة جهادية في جميع أنحاء العالم تحتفل"، وتابع كلايتون معلقًا على حديث الدبلوماسي البريطاني السابق بالقول إن "المنظمات التي تراقب مثل هذه الجماعات ومواقعها في الإنترنت توافق على هذا التوصيف"، مضيفًا بأن هذه المنظمات تحدثت عن "أن سقوط كابول تم الاحتفال به على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي المتطرفة، مع الثناء على طالبان".

كيف تقوم الصين بتوسيع نفوذها في أفريقيا؟

لكن هذا الانسحاب الغربي من أفريقيا أسوة بالنموذج الأفغاني سيؤدي إلى تصاعد نفوذ الصين التي تعتبر محور السياسة الخارجية لإدارة بايدن، وهو ما يمكن لمسه من عديد التقارير التي صدرت سابقًا حول تصاعد الدور الصيني في أفريقيا، والمرتبط أساسًا بمشروع طريق الحرير التجاري، مع محاولة الصين التحول للقوة الاقتصادية رقم واحد على مستوى العالم.

في مثال على النفوذ الصيني المتنامي في أفريقيا يمكننا الإشارة لما ذكرته تقارير من أن الصين بدأت بتوسيع نفوذها من بوابة الاتصالات الإلكترونية بعدما استحوذت على شبكات الاتصالات التي تمولها في أفريقيا، ويبرز من بينها شركة هواوي التي تعمل وتشارك هذه التكنولوجيا عالية الجودة مع العديد من الحكومات في جميع أنحاء القارة.

أمام هذه المتغيرات على المشهد السياسي العالمي، لا بد هنا من الإشارة إلى التصريحات التي أطلقها قائد القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم) ستيفن تاونسند في أيار/مايو الماضي، حين حذر من أن التهديد المتزايد للصين قد لا يأتي فقط من مياه المحيط الهادئ، ولكن من المحيط الأطلسي أيضًا، موضحًا أن بكين تتطلع إلى إنشاء ميناء بحري كبير قادر على استضافة غواصات أو حاملات طائرات على الساحل الغربي لأفريقيا.

تاونسند أضاف في حديثه بأن الصين بدأت تستخدم نفوذها الاقتصادي لا في أفريقيا فقط، بل أمريكا الجنوبية والشرق الأوسط كذلك بهدف الحصول على قواعد ومواطئ قدم هناك، وهو يرى في هذا الجانب أن الصينيين يتفوقون على الولايات المتحدة في بلدان بعينها في أفريقيا، حيث ستؤدي مشاريع الموانئ والمساعي الاقتصادية والبنية التحتية واتفاقياتهم وعقودهم إلى وصول أكبر في المستقبل نظرًا لوضعهم رهانات مستقبلية كبيرة على القارة الأفريقية.

وتملك الصين في الوقت الراهن قاعدة عسكرية تضم ألفي عسكري في جيبوتي، بينما تشير تقارير إلى أنها تعمل على إنشاء قاعدة جديدة في تنزانيا، فضلًا عن تطلعاتها لإنشاء قاعدة إضافية في خليج غينيا، بينما قال تقرير صادر عن وزارة الدفاع الأمريكية العام الماضي إن الصين تدرس على الأرجح إضافة منشآت عسكرية لدعم قواتها البحرية والجوية والبرية في أنغولا، إلى جانب مواقع أخرى.

وكان تقرير من إعداد صحيفة ناشيونال ريفيو الأمريكية قد أشار سابقًا إلى أنه في إطار محاولة الصين توسيع نفوذها عالميًا قامت بتحويل أفريقيا إلى حقل اختبار لما وصفته بـ"القوة الصينية الناعمة"، بالأخص مع دبلوماسية اللقاحات ضد فيروس كورونا الجديد التي تنتهجها مع القارة الفقيرة. الصحيفة عينها أوضحت أنه من ضمن هذه الاختبارات لجأت الصين بطلب من الرئيس شي جين بينغ، إلى الترويج لصورة أكثر لطفًا للصين والصينيين لدى باقي دول العالم.

الصين الساعية إلى إيجاد موطئ قدم في أفريقيا بدأت بزيادة بناء معاهد كونفوشيوس الثقافية، وتقديم المنح الدراسية للطلاب، إضافة إلى الاستثمار في وسائل الإعلام

وبحسب الصحيفة الأمريكية فإن الصين الساعية إلى إيجاد موطئ قدم في القارة بدأت بزيادة بناء معاهد كونفوشيوس الثقافية، وتقديم المنح الدراسية للطلاب، إضافة إلى الاستثمار في وسائل الإعلام، مشيرةً إلى أنه على الرغم من طبيعة معاهد كونفوشيوس الثقافية إلا أنها تحولت إلى منصات لمراقبة المناقشات حول القضايا الحساسة و الدعاية للحكومة الصينية.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

أفغانستان: اعتراف أمريكي بسقوط مدنيين بهجوم الأحد ودعوى لإقامة منطقة آمنة

ما حقيقة كون "مقبرة الإمبراطوريات" موطنًا لثروات تريليونية من المعادن؟