13-يوليو-2019

انسحبت الإمارات من اليمن بعد أن عززت تواجدها بقوات محلية (Getty)

الترا صوت - فريق التحرير

أثار إعلان الإمارات انسحاب قواتها من اليمن الكثير من الأسئلة حول الأسباب التي دفعتها لاتخاذ هذه الخطوة بعد أكثر من أربع سنوات من تحالفها مع الرياض في حرب اليمن، ما تسبب بسقوط عشرات الآلاف من الضحايا، ودمار البنية التحتية في البلد التي مزقتها نزعة الحليفين الخليجين في إطار تحقيق مساعيهما لفرض سياستهم الخارجية قبل الداخلية في الدول التي شهدت انتفاضات الربيع العربي.

بعد أن أوشك العام الرابع لتدخل التحالف في اليمن على الانتهاء، والذي تتحمل الإمارات جزء كبير من تبعاته، تعمد أبوظبي إلى تقليص تواجدها تدريجيًا من اليمن، لتتحمل الرياض تبعات الحرب والعقوبات التي لا مفر منها

السعودية تتسلم القواعد العسكرية في اليمن  

استلمت السعودية القواعد العسكرية التي كانت تستخدمها الإمارات في مينائي المخا والخوخة المطلين على سواحل البحر الأحمر في اليمن، بعد قرار أبوظبي الأخير بتخفيض عدد قواتها في اليمن، بحسب ما نقلت وكالة رويترز عن مسؤولين في الحكومة اليمنية، مشيرًة إلى أن الرياض أرسلت عددًا غير محدد من القوات لمدينة عدن الساحلية وجزيرة بريم في مضيق باب المندب الذي يعتبر ممرًا استراتيجيًا للملاحة يربط بين البحر الأحمر وخليج عدن.

اقرأ/ي أيضًا: وجه الإمارات المفضوح في اليمن.. حرب على الشرعية وحقوق الإنسان

وشكلت الرياض بالاشتراك مع الإمارات تحالفًا عربيًا في آذار/مارس من عام 2015 تحت مسمى عاصفة الحزم لدعم الرئيس اليمني عبد الله منصور هادي في قتاله جماعة أنصار الله الحوثي بعد خلاف على السلطة، إلا أن تقارير غربية عديدة تصف أن ما حدث أو يحدث حاليًا في اليمن ليس سوى حرب بالوكالة بين السعودية والإمارات من طرف وإيران من طرف آخر بالاعتماد على ميليشيات محلية وأجنبية.

وفي تطور مفاجي على الدور الإماراتي في اليمن، أعلنت أبوظبي قبل أيام سحب مجموعة من قواتها المتواجدة في اليمن من بينها ميناء عدن الجنوبي والساحل الغربي، ووفقًا لمسؤول إماراتي فإن قرار سحب القوات لم يكن وليد اللحظة إنما تمت مناقشته مع الرياض لأكثر من عام، مشيرًا إلى أن أبوظبي ليس لديها أية مخاوف من حدوث فراغ في اليمن نظرًا لتدريبها 90 ألف جندي يمني خلال فترة تواجدها في اليمن.

ورجح مراقبون أن الهجمات الأخيرة التي استهدفت ناقلات النفط في منطقة الخليج، وحادثة إسقاط الطائرة المسيّرة الأمريكية من قبل طهران هي مؤخرًا السبب وراء سحب أبوظبي قواتها من اليمن، إذ هناك أحاديث تدور في فلك تفضيل أبو ظبي أن تكون قواتها العسكرية تحت تصرفها تحسبًا لأي مفاجئة قد تحصل نتيجة التوتر المتصاعد بين طهران وواشنطن في المنطقة.

هل عزلت أبوظبي الرياض في اليمن؟

أشارت تقارير مختلفة إلى أن الإمارات بدأت فعليًا تنفيذ انسحاب قواتها من اليمن قبل عدة أسابيع، عبر سحبها للدبابات والحوامات الهجومية فضلًا عن مئات الجنود، ما أثار العديد من التساؤلات رغم محاولة أبوظبي استغلال التوتر المتصاعد بين طهران وواشنطن لتمويه انسحابها على أنه خوف من حرب فجائية قد تشهدها المنطقة.

لكن هناك تساؤلات أكثر أهمية مقارنة بالتوتر المتصاعد في المنطقة تدور في إطار التعتيم على وجود خلاف بين أبوظبي والرياض، أو أنها مقدمة لإنهاء الطرفين الأخيرين حربهما الدائرة في اليمن منذ أربعة أعوام دون أن تحقق الأهداف التي كانا يطمحان لها، إنما على عكس ما كانا يتوقعان إذ عمّقت من خلافهم مع الدول الأوروبية بعد التقارير التي ذكرت ارتكاب مقاتلات التحالف العربي انتهاكات بقصفها تجمعات للمدنيين في المناطق الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي.

واعتبر معهد واشنطن أن انسحاب الإمارات من اليمن جاء نتيجة إنهاكها عسكريًا وماديًا وسياسيًا، وهو ما قد يدفعها للتخلي عن السعودية في حرب اليمن، ويضيف المعهد بأن الإمارات وضعت السعودية في عزلة في مواجهة الحوثيين، والذي من الممكن أن يدفع بالرياض للجلوس على طاولة المفاوضات مع الحوثيين بعد فشلها في تحقيق النتائج التي تريدها عسكريًا.

وتواجه الرياض مع أبوظبي ضغوطًا دولية لإيقاف الحرب في اليمن بعد تحرك برلماني لدول أوروبية وغربية لحظر بيع الأسلحة للطرفين، فقد دعا البرلمان الأوروبي في وقت سابق لفرض حظر بيع السلاح أو أي نوع من المعدات العسكرية للسعودية، وأي دولة عضو في التحالف الذي تقوده الرياض، أو الحكومة اليمنية أو أي طرف آخر في الصراع، كما أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يواجه حصارًا من أعضاء الكابيتول هيل الذين يريدون سن مشروع يسحب 22 ترخيصًا أقرها البيت الأبيض لبيع أسلحة للسعودية والإمارات بقيمة ثمانية مليارات.

وكان برنامج الأمم المتحدة الإنمائي قد قال في تقرير يرصد الأوضاع الإنسانية في اليمن إن التنمية في البلاد تراجعت بنحو 20 عامًا منذ إعلان الرياض وأبوظبي انطلاق عاصفة الحزم، وأشار التقرير الذي نشر في نيسان/أبريل الماضي إلى أن الحرب الدائرة منذ أربعة أعوام أدت إلى مصرع قرابة 250 ألف شخص، سواء بسبب العنف بشكل مباشر، أو لانعدام الرعاية الصحية وشح الغذاء، حيث انتشر في اليمن نتيجة الأوضاع الإنسانية المتهالكة التي سببتها الدولتين الخليجيتين مرض الكوليرا بين المدنيين.

لكن.. ما السبب الرئيسي الذي دفع الإمارات لسحب قواتها؟

تشير المعطيات المتوفرة إلى أن انسحاب الإمارات من اليمن ليس فقط بسبب التوتر المتزايد في منطقة الخليج بين طهران وواشنطن، والتشريعات الأوروبية والأمريكية التي تحاول أن تشرع قوانين تحظر بيع السلاح لها نتيجة سياستها  في معظم الدول العربية بدعمها لأطراف عسكرية ترتكب انتهاكات إنسانية، أو الانتهاكات المرتكبة في سجونها بالأصل، كما أنه يتجاوز تكهنات حدوث خلاف مع الرياض ليكشف عن أسباب أخرى دفعت بأبوظبي لإعادة رسم سياستها مجددًا.

ويأتي في مقدمتها محاولة إعادة بناء مسار جديد لسياستها الخارجية بعد أن تقّلصت مكانتها لدى بعض أركان الإدارة الأمريكية أو أعضاء الكابيتول هيل ومجلس الشيوخ الأمريكيين نتيجة التقارير التي تفضح سياستها الفوضوية في المنطقة، فقد حذر السيناتور الديمقراطي في لجنة العلاقات الخارجية روبرت مينينديز من أن واشنطن ملزمة قانونيًا بإنهاء حميع صفقات الأسلحة المبرمة مع أبوظبي، وبحسب صحيفة واشنطن بوست الأمريكية فإن تحذير مينينديز الذي جاء عبر خطاب موجه لوزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو يعكس رغبة في بدء "إصلاح جذري" لعلاقة واشنطن مع الإمارات.

إضافة للتقارير التي تؤكد ارتكابها لانتهاكات في اليمن، فإن هناك اتهامات موجهة للإمارات مرتبطة بتزويدها للميليشيات المحلية الموالية لتنظيم القاعدة في اليمن بأسلحة أمريكية المنشأ، فضلًا عن الدور الذي لعبته بدعمها للمجلس العسكري الانتقالي في السودان المتهم بارتكاب انتهاكات إنسانية خلال الشهر الفائت عندما شرعت قواته بفض اعتصام ساحة القيادة بالقوة.

فضلًا عن ذلك، فإن هناك رأي آخر يقول بوجود مؤشرات حول إنجاز ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد للاستراتيجية التي كان يرمي لتحقيقها في حرب اليمن، والتي يلخصها موقع ميدل إيست آي البريطاني بأنها تدخل ضمن دائرة تأمين مدينة عدن الساحلية جنوب اليمن، والمطالبة بجزيرة سقطرى الحيوية في خليج عدن، والتحالف مع القوات الانفصالية في الجنوب لتقسيم اليمن إلى قسمين منفصلين على غرار ما كان عليه قبل عام 1990 ليكون اليمن الجنوبي الجديد في واقع الحال دولة تابعة للإمارات.

وكانت تقارير صحفية قد تحدثت عن إنشاء الإمارات 16 لواءً عسكريًا في أكثر من منطقة ومحافظة في جنوب اليمن، على أن يضم كل لواء خمسة كتائب لتتولى السيطرة على المحافظات، وقامت أبوظبي بتزويد هذه الألوية بمئات الآليات والمدرعات والأطقم العسكرية مع تقديم مراكز تدريب لها قبل انسحابها من اليمن.

ما بعد الانسحاب الإماراتي

إعلان الإمارات الشكلي عن سحب قواتها التي قالت إنه كان مخطط له منذ عام ونصف مع المملكة، يطرح تساؤلات كثيرة عن أسباب سحب قواتها، وهل تعرضت أبوظبي لضغوطات دولية بسبب أعمالها التخريبية والمعرقلة لعملية السلام، أم هو هروب من تبعات الحرب التي دمرت اليمن دون تحقيق أهدافها  وترك ابن سلمان يواجه المجتمع الدولي وحده بسبب الجرائم التي ارتكبها التحالف بحق اليمنيين، أم أن هناك مخططًا آخر جرى التنسيق له مع المجلس الانتقالي الجنوبي الموالي لها لفك الارتباط عن اليمن، خصوصًا وأن الإعلان جاء بعد حملات شعبية لناشطين في مواقع التواصل الاجتماعي تطالب الرئيس هادي بطرد الإمارات من التحالف، بالإضافة إلى اتهامات وجهت لها من قبل مسؤولين بمنع عودة الرئيس هادي وعرقلة عمل الحكومة، والتحول من منقذ استجارت به حكومة هادي، إلى محتل حاقد على اليمن، ويرغب في تفكيكه وتمزيقه، لتحقيق مصالحه.

أنشأت الإمارات عشرات الآلاف من المليشيات المسلحة خلال السنوات الماضية، شكلتها من أبناء المحافظات الجنوبية ودربتها وتدعمها بالمال والسلاح في المحافظات الجنوبية، تتلقى الأوامر من القيادات الإماراتية في مدينة عدن، ولا تخضع لسيطرة الحكومة اليمنية، وتدخل في التقسيم الإداري تحت قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي الذي أسسته أبوظبي وتدعمه ماليًا وعسكريًا وإعلاميًا، وباتت تسيطر هذه القوات على مدينة عدن ومحافظات أبين ولحج والضالع ومدينة المكلا بمحافظة حضرموت وتنتشر في محافظة المهرة وجزيرة سقطرى بالإضافة إلى أنها تشارك في القتال ضمن قوات التحالف بمحافظة الحديدة غربي اليمن.

وتخشى حكومة هادي أن تسعى القوات الموالية للإمارات التي قوامها 90 ألف جندي، بدء تنفيذ مشروعها الانفصالي بعد أن قويت شوكتها، وباتت تهديدًا حقيقيًا للحكومة وكذلك الوحدة اليمنية أكثر من ذي قبل، فالإمارات سحبت بعض قواتها بالتزامن مع استعدادات للمجلس الانتقالي لفك الارتباط عن الوحدة اليمنية واستعادة دولة الجنوب العربي.

حيث يرى مراقبون أن أبوظبي من خلال سحب بعض القوات العسكرية أو إعادة التموضع تريد أن تنأى بنفسها عن أي مواجهات محتملة بين القوات الموالية لهادي والميشيات الموالية لها، في حال بدأ المجلس الانتقالي بتنفيذ مخططه الإنفصالي.

لم ينجح التحالف الذي تعتبر الإمارات الدولة الثانية فيه، في تحقيق أهدافه المعلنة في إعادة الشرعية إلى العاصمة صنعاء، والقضاء على جماعة الحوثيين، وكل ما نجحت في تحقيقه هو تدمير اليمن وتمزيقه وتحويله إلى موطن للأوبئة القاتلة ونشر الفقر والمجاعة، وساحة لتجربة الأسلحة الأمريكية والبريطانية، وإنشاء المليشيات المسلحة وتنفيذ عمليات الاغتيالات وإنشاء السجون السرية والمعتقلات ناهيك عن قتل ما يزيد عن ربع مليون شخص.

بعد أن أوشك العام الرابع لتدخل التحالف في اليمن على الانتهاء، والذي تتحمل الإمارات جزء كبير من تبعاته، تعمد أبوظبي إلى تقليص تواجدها تدريجيًا من اليمن، لتتحمل الرياض تبعات الحرب والعقوبات التي لا مفر منها بسبب الجرائم المرتكبة بحق اليمنيين.

اقرأ/ي أيضًا: دولة الانتهاكات.. تقرير أممي يفضح تورط الإمارات في أنشطة عسكرية غير مشروعة

وعلى الرغم من أن الإمارات أكدت أنها خططت لذلك مع الرياض منذ عام ونصف، إلا  أن مراقبين يرون أن ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد، يريد التخلي عن  حليفه الرئيس محمد بن سلمان ليواجه مصيره، في الوقت الذي بات الحوثيون أكثر قوة وبات ظهر المملكة مكشوفًا أكثر من أي وقت مضى، وأصبحت مطارات المملكة وشركاتها فريسة سهلة للحوثيين، فخلال الأيام الماضية استهدفت الجماعة أكثر من خمسة وعشرين موقعًا داخل المملكة.

إضافة للتقارير التي تؤكد ارتكابها لانتهاكات في اليمن، فإن هناك اتهامات موجهة للإمارات مرتبطة بتزويدها للميليشيات المحلية الموالية لتنظيم القاعدة في اليمن بأسلحة أمريكية المنشأ

تقول الإمارات إن سحب قواتها العسكرية هو من أجل التمهيد لعملية السلام في اليمن، لكن خطواتها جاءت متأخرة، بعد أن عوضت عن انسحابها بمليشيات موالية لها، وهو ما من المرجح أن تكشفه الأيام القادمة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

حرب الإمارات ضد الشرعية اليمنية

مؤامرة ابن زايد.. الإطاحة بالشرعية في اليمن ضمن مهمات التخريب