15-أكتوبر-2018

يعاني الاقتصاد السعودي من أزمة حادة بعد ملف خاشقجي (Getty)

يبدو أن الأوضاع السياسية والإقليمية بعد اختفاء الصحفي والكاتب السعودي، جمال خاشقجي، لن تظل كما كانت قبله، على الأقل بالنسبة للسلطات في الرياض، التي لا يزال المجتمع الدولي يحاصرها على غير عادته، فيما بدا وكأنه رد طال انتظاره على تجاوز ولي العهد المتهور، محمد بن سلمان، لكل محظور. ولم تكن التداعيات على المملكة سياسية فحسب، ولكنها أيضًا تصاعدت إلى تداعيات اقتصادية، قد لا يتعافى السوق السعودي، كما يرى مراقبون، بعدها بسهولة.

خسر المؤشر العام السعودي أكثرمن 500 نقطة بتراجع بلغت نسبته 7%، مع تعافٍ جزئي بلغه في نهاية تعاملات اليوم، بعد تدخل المؤسسات الحكومية. وشملت الخسائر أسهم 179 شركة مدرجة في السوق

أكبر انخفاض في أسواق المال السعودية منذ 2014

انخفض سوق الأسهم في المملكة العربية السعودية يوم الأحد، إلى درجة غير متوقعة، حتى بالنسبة لأكبر المتشائمين، وسيطر هبوط عام على معظم مؤشرات البورصة السعودية. حيث خسرت 16.8 مليار دولار في يوم واحد، بعد أن هوى مؤشر السوق متأثرًا بعمليات بيع واسعة من جانب المستثمرين، في أعقاب تهديد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للسعودية "بعقاب قاس"، في حال ثبوت تورطها باغتيال خاشقجي. ومن الجدير بالذكر أن التقارير الإخبارية تشير إلى أنه أكبر هبوط تتعرض له المملكة منذ 2014 حين انهارت أسعار النفط. فيما وصل المؤشر إلى أقل مستوى منذ بداية العام. 

هبوط عام في البورصة السعودية (بلومبيرغ)

خسر المؤشر العام السعودي أكثرمن 500 نقطة بتراجع بلغت نسبته 7%، مع تعافٍ جزئي بلغه في نهاية تعاملات اليوم، بعد تدخل المؤسسات الحكومية. وشملت الخسائر أسهم 179 شركة مدرجة في السوق، من إجمالي 188 شركة، وهو ما كان فألًا سيئًا على اقتصاد المملكة التي كانت تنتظر بعد أسبوع واحد مؤتمرًا اقتصاديًا، أطلقت عليه اسم "دافوس في الصحراء"، وتعرض بدوره إلى انتكاسة شبيهة. حيث شهد المؤتمر المزمع عقده قريبًا، انسحابات متتالية للعديد من الأسماء والشركات الاقتصادية الكبرى، الأمر الذي أجبر المنظمين على حذف قائمة الأسماء التي تنوي المشاركة، بسبب توالي عدد الإلغاءات. 

كيف ستتعامل الرياض مع تهديدات ترامب؟

قبل واقعة خاشقجي، كان ترامب يُذكر السعودية في كل مؤتمر انتخابي لحزبه، بأن السعوديين لن يصمدوا دوننا أسبوعين في الحكم، أما الآن فإن ترامب يقولها بصراحة؛ "سيكون هناك عقاب شديد". على أثر هذه التصريحات، بدا المسؤولون السعوديون أكثر تخبطًا من أي وقت مضى.

اقرأ/ي أيضًا: "صدمة" خاشقجي.. العالم ساخط على السعودية باستثناء إسرائيل!

وعلى الرغم من الإمكانية النظرية لأخذ السعودية خطوة مضادة، عن طريق تخفيض إنتاج النفط ورفع سعره، فإنها ستظل الخاسر الأكبر، على اعتبار أن الأموال الأجنبية هي أحد البنود الأساسية في خططها لتنويع اقتصادها، بعيدًا عن النفط، ولمعالجة معدل بطالة مرتفع يبلغ حوالي 13%. بالإضافة إلى أن اتخاذ مثل هذه الخطوة، كما يرى خبراء، سيعزز قناعة المستثمرين بأن هناك إدارة مركزية لهذا القطاع، وهو ما سيزيد المعيقات أمام طرح أسهم أرامكو.

إن الشكوك المتزايدة والتسريبات المتتالية التي تقوم بها السلطات التركية في ملف خاشقجي، باتت تشكل ضغطًا كبيرًا على النظام السعودي، ولا تنفك تزيد من تعقيد العلاقة بينه وبين المجتمع الدولي

إن الشكوك المتزايدة والتسريبات المتتالية التي تقوم بها السلطات التركية في ملف خاشقجي، باتت تشكل ضغطًا كبيرًا على النظام السعودي، ولا تنفك تزيد من تعقيد العلاقة بينه وبين المجتمع الدولي، الذي لا يُبدي أي تسامح في القضية، حيث عرّضت الشكوك وحدها خطط المملكة السعودية لإصلاح اقتصادها وصقل صورتها في الخارج، إلى خطر كبير. وفي الوقت نفسه، فإن الصورة الإصلاحية التي دأبت شركات الدعاية العامة الممولة على تصديرها، لمحمد بن سلمان، والمرتبطة بنجاح المشاريع الاقتصادية، باتت غير قابلة للتصديق.

من الناحية النظرية، فإن الأزمة قد "تصاعد التوترات، ويمكن أن تؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط، وتقليص عملية السلام في الشرق الأوسط، وتكسير الجهود الدولية لاحتواء إيران، مع ذلك فإن الافتراض، كما يرى محللون، بأن السعودية معنية بهذا النوع من المواجهة، يتجاهل حقيقة اعتماد الرياض الحاسم، على واشنطن في معظم ملفاتها الإقليمية، وهو بالتالي افتراض مستبعد جدًا. وفي حين تدفع إدارة ترامب بقوة لإخراج كل النفط الإيراني من السوق، فإنها تجبر السعودية لإنتاج الحد الأقصى من النفط الخام، من أجل تثبيت السعر وعدم السماح بارتفاعه، وهو ما لا يبدو أنه سيتغير في وقت قريب.

ما يبدو واضحًا في هذه الفوضى التي يُقبل عليها العالم بخطوات متسارعة، هو أن السعودية بتهور سياسي منقطع النظير، قد خسرت كل ما حاولت بناءه على يد وليعهدها، محمد بن سلمان، في حادثة هي الأغرب والأكثر همجية، استطاعت أن تحرك في يوم واحد ما لم تستطع حرب اليمن، للأسف، ببشاعتها أن تحركه، رغم أنها تسببت بقتل وتجويع ومحاصرة ملايين المدنيين. فهل سيكون الأحد الأسود وجملة الانتكاسات التي وقعت للسمعة السعودية، وتلك المرتقبة، درسًا لعهد سلمان وابنه بعد أن عبروا كل الخطوط الحمر عربيًا وحقوقيًا وحنى دبلوماسيًا؟!.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ملف جمال خاشقجي.. الغموض مستمر!

 اختطاف جمال خاشقجي في إسطنبول.. وقائع محتملة ببصمة ابن سلمان