أثار اكتشاف مقابر جماعية تضم عشرات المهاجرين في جنوب شرق ليبيا غضبًا دوليًا ودعوات متزايدة من أعضاء في البرلمان الأوروبي ومنظمات حقوقية لمراجعة سياسات الهجرة التي ينتهجها الاتحاد الأوروبي تجاه ليبيا.
وفقًا لما أعلنته السلطات الليبية، تم العثور على 19 جثة في منطقة الجخرة، فيما اكتُشفت 59 جثة أخرى في منطقة الكفرة جنوبي شرق ليبيا، بالقرب من موقع يُعتقد أن الضحايا احتُجزوا فيه وتعرضوا للتعذيب على أيدي شبكات تهريب البشر.
أثار هذا الاكتشاف ردود فعل غاضبة في البرلمان الأوروبي، حيث طالبت النائبة الأوروبية تينيك ستريك بضرورة إعادة النظر في تمويل الاتحاد الأوروبي لليبيا
وأكدت المنظمة الدولية للهجرة (IOM) أن الجثث تحمل إصابات بطلقات نارية، مضيفة أن عدد الضحايا قد يكون أعلى بكثير، إذ يُرجح وجود ما يصل إلى 70 جثة أخرى في الكفرة.
وفي بيان رسمي، قالت المنظمة إن الشرطة الليبية عثرت على هذه المقابر أثناء مداهمة استهدفت مهربي البشر، حيث تم إنقاذ 76 مهاجرًا واعتقال ثلاثة أشخاص، بينهم ليبي واثنان من جنسيات أجنبية، يُشتبه في تورطهم في الاحتجاز غير القانوني وتعذيب المهاجرين.
📌 الناشط الحقوقي الجنوبي سوداني ديفيد يامبيو كشف عن تلقيه تحذيرًا من شركة "آبل" يفيد بأن هاتفه تعرض لمحاولة اختراق عبر برنامج تجسس متطور.
📌 يامبيو يعتقد أن استهدافه يرتبط بانتقاداته العلنية للاتفاقية المثيرة للجدل بين الحكومة الإيطالية والليبية بشأن المهاجرين، والتي تسهل إعادة… pic.twitter.com/f5c3yVpVjA
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) February 12, 2025
الاستياء الأوروبي والدعوات لوقف التمويل
أثار هذا الاكتشاف ردود فعل غاضبة في البرلمان الأوروبي، حيث طالبت النائبة الأوروبية تينيك ستريك بضرورة إعادة النظر في تمويل الاتحاد الأوروبي لليبيا، واصفةً ما جرى بأنه "جرس إنذار" يجب أن يدفع المفوضية الأوروبية إلى وقف برامج التعاون مع السلطات الليبية.
وفي بيان مشترك، قالت عدة منظمات حقوقية، من بينها "هيومن رايتس ووتش" ومنظمات إنسانية من مصر، اليونان، تونس، وليبيا: إن "اكتشاف هذه المقابر الجماعية هو تأكيد مروع آخر على الجرائم ضد الإنسانية التي يواجهها المهاجرون في ليبيا، والتي تُرتكب على أيدي قوات الأمن الليبية والميليشيات المسلحة".
كما جاء في البيان أن "تعذيب وقتل المهاجرين، وتركهم في البحر أو الصحراء، واحتجازهم في ظروف غير إنسانية، وإجبارهم على العمل القسري، كلها ممارسات موثقة على نطاق واسع من قبل بعثة تقصي الحقائق المستقلة التابعة للأمم المتحدة وغيرها من الهيئات الحقوقية".
وفي هذا السياق، ذكر تقرير مركز "ديفندر" أن المجتمع الدولي والأمم المتحدة فشلا في معالجة الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان في ليبيا. على الرغم من الجهود المبذولة لتسهيل عملية سياسية شاملة بقيادة ليبية، إلا أن الإخفاق في تحقيق ذلك ظل واضحًا. كما أن تقرير بعثة تقصي الحقائق حول الانتهاكات الجسيمة لم يُترجم إلى إجراءات ملموسة، مما أدى إلى استمرار الإفلات من العقاب. بينما تستمر مشكلة الاتجار بالبشر رغم تدخل الحكومة الليبية والمنظمات، بسبب الوضع غير المستقر وتزايد عدد الضحايا، مما يبرز الحاجة الملحة لاتخاذ خطوات حاسمة لحماية حقوق الإنسان وتحقيق العدالة.
الاتحاد الأوروبي تحت المجهر: أين تذهب أموال الدعم؟
في السنوات الأخيرة، ضخ الاتحاد الأوروبي ملايين الدولارات في برامج مكافحة الهجرة في ليبيا، من خلال الصندوق الائتماني الأوروبي للطّوارئ من أجل إفريقيا، الذي خصص بين عامي 2015 و2021 أكثر من487 مليون دولار لتعزيز سيطرة السلطات الليبية على تدفقات الهجرة غير النظامية. مع توقع استمرار الدعم حتى نهاية عام 2025.
ولكن وفقًا لتقارير حقوقية، فإن هذه الأموال لم تؤدِّ إلى تحسين أوضاع المهاجرين، بل على العكس، ساهمت في تمكين شبكات التهريب وزيادة انتهاكات حقوق الإنسان.
محكمة إيطالية أمرت بإطلاق سراح الضابط الليبي أسامة انجيم، المعروف بلقب "المصري"، بعد اعتقاله في مدينة تورينو الإيطالية بناءً على مذكرة توقيف صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية.
اقرأ أكثر: https://t.co/FNwyZABB2u pic.twitter.com/LOQwYmTjWG— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) January 22, 2025
تمويل متواصل رغم الانتهاكات
في عام 2023، سلم الاتحاد الأوروبي خمس قوارب جديدة إلى خفر السواحل الليبي لتعزيز عمليات اعتراض المهاجرين في البحر المتوسط.
وفي أذار/مارس 2024، تم العثور على 65 جثة لمهاجرين في مقبرة جماعية جنوب غرب ليبيا، ما أثار تساؤلات حول مدى التزام الاتحاد الأوروبي بحماية حقوق المهاجرين.
وكانت بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في ليبيا، قد أصدرت تقريرًا عام 2020، كشف عن انتهاكات مروعة ضد المهاجرين واللاجئين، من تعذيب واغتصاب واحتجاز تعسفي.
إيطاليا تطلق سراح عن "مجرم حرب ليبي" رغم مذكرة التوقيف الدولية
جاء اكتشاف المقابر الجماعية بعد أيام فقط من إفراج السلطات الإيطالية عن أسامة انجيم المدعو "المصري"، وهو ضابط ليبي بارز، اعتقل بموجب مذكرة توقيف صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية.
ويواجه المصري اتهامات بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، تشمل القتل والتعذيب والاعتداء الجنسي ضد المهاجرين وطالبي اللجوء، خلال فترة إدارته لمراكز الاحتجاز في ليبيا.
كما سلط موقع إيطالي الضوء على الدور الذي قامت به الحكومات الإيطالية المتعاقبة في دعم وشرعنة مختلف قادة الميليشيات الليبية المتهمين بجرائم ضد الإنسانية وانتهاكات بحق المهاجرين.
مخاوف من تفاقم الأزمة الإنسانية
وفقًا لمفوضية اللاجئين، يعاني المهاجرون في ليبيا من وضع إنساني صعب، حيث يوجد أكثر من 600 ألف مهاجر عالق في ليبيا، بينهم آلاف المحتجزين في مراكز اعتقال غير إنسانية. يُجبر العديد منهم على العمل القسري، أو يُباعون كعبيد في شبكات الاتجار بالبشر.
بالإضافة إلى ذلك، تتزايد أعداد الوفيات في البحر المتوسط، كما يعترض خفر السواحل الليبي آلاف المهاجرين ويعيدهم إلى ليبيا، حيث يتم احتجازهم في ظروف مروعة داخل مراكز الاحتجاز.
دعوات للتحرك الفوري
في تصريحات صحفية، قال الناشط وأحد مؤسسي منظمة "لاجئون في ليبيا"، ديفيد يامبيو، في تصريحات صحفية: إن "اكتشاف هذه المقابر الجماعية هو دليل جديد على أن أكثر من عقد من دعم الاتحاد الأوروبي لقوات الأمن الليبية لم يؤدِّ إلا إلى مزيد من القتل والمعاناة للمهاجرين".
وأضاف: "الوقت قد حان لإيقاف التمويل الأوروبي الذي يذهب إلى قوات أمنية ترتكب انتهاكات جسيمة"، مشددًا على أن "أوروبا تتحمل مسؤولية مباشرة عن الانتهاكات التي تحدث بسبب سياسات الهجرة التي تمولها".
هل سيتغير نهج الاتحاد الأوروبي تجاه ليبيا؟
رغم تصاعد الضغط الحقوقي والدولي، دافعت المفوضية الأوروبية عن دعمها للسلطات الليبية، بحجة أن هذه الأموال تُستخدم لتحسين إدارة الحدود ومنع المهاجرين من القيام برحلات بحرية خطرة.
ولكن مع الكشف المتكرر عن انتهاكات مروعة ضد المهاجرين، يتزايد الجدل داخل البرلمان الأوروبي حول ضرورة إعادة النظر في سياسات الهجرة، وإيجاد بدائل أكثر إنسانية تحمي حقوق اللاجئين والمهاجرين الفارين من مناطق الصراع والفقر.